فلما رأى عتبة و شيبة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما نصرانيا لهما يقال له شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 98عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب و ضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل و قل له فليأكل منه ففعل و أقبل به حتى وضعه بين يديه فوضع يده فيه فقالسم الله و أكل فقال عداس و الله إن هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه البلدة فقال له رسول الله ص من أي البلاد أنت و ما دينك قال أنا نصراني من أهل نينوى قال أ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال و ما يدريك من يونس بن متى قال ذاك أخي كان نبيا و أنا نبي فأكب عداس على يديه و رجليه و رأسه يقبلها قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما قالا ويلك ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل و يديه و قدميه قال يا سيدي ما في الأرض خير من هذا فقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي. قال الواقدي و استقسمت قريش بالأزلام عند هبل للخروج و استقسم أمية بن خلف و عتبة و شيبة بالآمر و الناهي فخرج القدح الناهي فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبو جهل فقال ما استقسمت و لا نتخلف عن عيرنا. قال الواقدي لما توجه زمعة بن الأسود خارجا فكان بذي طوى أخرج قداحه و استقسم بها فخرج الناهي عن الخروج فلقي غيظا ثم أعادها الثانية فخرج مثل ذلك فكسرها و قال ما رأيت كاليوم قدحا أكذب و مر به سهيل بن عمرو و هو على تلك الحال فقال ما لي أراك غضبان يا أبا حكيمة فأخبره زمعة فقال امض عنك أيها الرجل قد أخبرني عمير بن وهب أنه لقيه مثل الذي أخبرتني فمضوا على هذا الحديث. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 99قال الواقدي و حدثني موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال قال أبو سفيان بن حرب لضمضم إذا قدمت على قريش فقل لها لا تستقسم بالأزلام. قال الواقدي و حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن أبي بكر بن سليم بن أبي خيثمة قالمعت حكيم بن حزام يقول ما توجهت وجها قط كان أكره إلي من مسيري إلى(15/81)
بدر و لا بان لي في وجه قط ما بان لي قبل أن أخرج ثم قال قدم ضمضم فصاح بالنفير فاستقسمت بالأزلام كل ذلك يخرج الذي أكره ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مر الظهران فنحر ابن الحنظلية جزورا منها بها حياة فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها فكان هذا بين ثم هممت بالرجوع ثم أذكر ابن الحنظلية و شؤمه فيردني حتى مضيت لوجهي و كان حكيم يقول لقد رأينا حين بلغنا الثنية البيضاء و هي الثنية التي تهبطك على فخ و أنت مقبل من المدينة إذا عداس جالس عليها و الناس يمرون إذ مر علينا ابنا ربيعة فوثب إليهما فأخذ بأرجلهما في غرزهما و هو يقول بأبي أنتما و أمي و الله إنه لرسول الله ص و ما تساقان إلا إلى مصارعكما و إن عينيه لتسيل دمعا على خديه فأردت أن أرجع أيضا ثم مضيت و مر به العاص بن منبه بن الحجاج فوقف عليه حين ولى عتبة و شيبة فقال ما يبكيك قال يبكيني سيدي أو سيدا أهل الوادي يخرجان إلى مصارعهما و يقاتلان رسول الله ص فقال العاص و إن محمدا لرسول الله فانتفض عداس انتفاضة و اقشعر جلده ثم بكى و قال إي و الله إنه لرسول الله إلى الناس كافة قال فأسلم العاص بن منبه و مضى و هو على الشك حتى قتل مع المشركين على شك و ارتياب و يقال رجع عداس و لم يشهد بدرا و يقال شهد بدرا و قتل. قال الواقدي و القول الأول أثبت عندنا.(15/82)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 100قال الواقدي و خرج سعد بن معاذ معتمرا قبل بدر فنزل على أمية بن خلف فأتاه أبو جهل و قال أ تترك هذا و قد آوى محمدا و آذننا بالحرب فقال سعد بن معاذ قل ما شئت أما إن طريق عيركم علينا قال أمية بن خلف مه لا تقل هذا لأبي الحكم فإنهيد أهل الوادي قال سعد بن معاذ و أنت تقول ذلك يا أمية أما و الله لسمعت محمدا يقول لأقتلن أمية بن خلف قال أمية أنت سمعته قال سعد بن معاذ فقلت نعم قال فوقع في نفسه فلما جاء النفير أبى أمية أن يخرج معهم إلى بدر فأتاه عقبة بن أبي معيط و أبو جهل و مع عقبة مجمرة فيها بخور و مع أبي جهل مكحلة و مرود فأدخلها عقبة تحته فقال تبخر فإنما أنت امرأة و قال أبو جهل اكتحل فإنما أنت امرأة فقال أمية ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي فابتاعوا له جملا بثلاثمائة دينار من نعم بني قشير فغنمه المسلمون يوم بدر فصار في سهم خبيب بن يساف. قال الواقدي و قالوا ما كان أحد ممن خرج إلى العير أكره للخروج من الحارث بن عامر و قال ليت قريشا تعزم على القعود و أن مالي في العير تلف و مال بني عبد مناف أيضا فيقال له إنك سيد من ساداتها أ فلا تردعها عن الخروج قال إني أرى قريشا قد أزمعت على الخروج و لا أرى أحدا به طرق تخلف إلا من علة و أنا أكره خلافها و ما أحب أن تعلم قريش ما أقول على أن ابن الحنظلية رجل مشئوم على قومه ما أعلمه إلا يحرز قومه أهل يثرب و لقد قسم الحارث مالا من ماله بين ولده و وقع في نفسه أنه لا يرجع إلى مكة و جاءه ضمضم بن عمرو و كانت للحارث عنده أياد فقال أبا عامر إني رأيت رؤيا كرهتها و إني لكاليقظان على راحلتي و أراكم أن واديكم يسيل دما من أسفله إلى أعلاه فقال الحارث ما خرج أحد وجها من الوجوه أكره له من وجهي هذا قال يقول ضمضم و الله إني لأرى لك أن تجلس فقال لو سمعت شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 1هذا منك قبل أن أخرج ما سرت خطوة فاطو هذا الخبر أن تعلمه قريش فإنها(15/83)
تتهم كل من عوقها عن المسير و كان ضمضم قد ذكر هذا الحديث للحارث ببطن يأجج قالوا و كرهت قريش أهل الرأي منهم المسير و مشى بعضهم إلى بعض و كان ممن أبطأ بهم عن ذلك الحارث بن عامر و أمية بن خلف و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و حكيم بن حزام و أبو البختري و علي بن أمية بن خلف و العاص بن منبه حتى بكتهم أبو جهل بالجبن و أعانه عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث بن كلدة و حضوهم على الخروج و قالوا هذا فعل النساء فأجمعوا المسير و قالت قريش لا تدعوا أحدا من عدوكم خلفكم. قال الواقدي و مما استدل به على كراهة الحارث بن عامر للخروج و عتبة و شيبة أنه ما عرض رجل منهم حملانا و لا حملوا أحدا من الناس و إن كان الرجل ليأتيهم حليفا أو عديدا و لا قوة له فيطلب الحملان منهم فيقولون إن كان لك مال و أحببت أن تخرج فافعل و إلا فأقم حتى كانت قريش تعرف ذلك منهم. قال الواقدي فلما اجتمعت قريش إلى الخروج و المسير ذكروا الذي بينهم و بين بني بكر من العداوة و خافوهم على من يخلفونه و كان أشدهم خوفا عتبة بن ربيعة و كان يقول يا معشر قريش إنكم و إن ظفرتم بالذي تريدون فإنا لا نأمن على من نخلف إنما نخلف نساء و لا ذرية و من لا طعم به فارتئوا آراءكم فتصور لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال يا معشر قريش قد عرفتم شرفي و مكاني في قومي أنا لكم جار أن تأتيكم كنانة بشي ء تكرهونه فطابت نفس عتبة و قال له أبو جهل شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 102فما تريد هذا سيد كنانة هو لنا جار على من نخلف فقال عتبة لا شي ء أنا خارج قال الواقدي و كان الذي بين بني كنانة و قريش أن ابنا لحفص بن الأحنف أحد بني معيط بن عامر بن لؤي خرج يبغي ضالة و هو غلام في رأسه ذؤابة و عليه حلة و كاناما وضيئا فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح بن يعمر أحد رؤساء بني كنانة و كان بضجنان فقال من أنت يا غلام قال ابن لحفص بن الأحنف فقال يا بني بكر أ لكم في قريش دم(15/84)
قالوا نعم قال ما كان رجل يقتل هذا برجله إلا استوفى فاتبعه رجل من بني بكر فقتله بدم له في قريش فتكلمت فيه قريش فقال عامر بن يزيد قد كانت لنا فيكم دماء فإن شئتم فأدوا ما لنا قبلكم و نؤدي إليكم ما كان فينا و إن شئتم فإنما هو الدم رجل برجل و إن شئتم فتجافوا عنا فيما قبلنا و نتجافى عنكم فيما قبلكم فهان ذلك الغلام على قريش و قالوا صدق رجل برجل فلهوا عنه أن يطلبوا بدمه فبينا أخوه مكرز بن حفص بمر الظهران إذ نظر عامر بن يزيد و هو سيد بني بكر على جمل له فلما رآه قال ما أطلب أثرا بعد عين و أناخ بعيره و هو متوشح سيفه فعلاه به حتى قتله ثم أتى مكة من الليل فعلق سيف عامر بن يزيد بأستار الكعبة فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد فعرفوا أن مكرز بن حفص قتله و قد كانت تسمع من مكرز في ذلك قولا و جزعت بنو بكر من قتل سيدها فكانت معدة لقتل رجلين من قريش سيدين أو ثلاثة من ساداتها فجاء النفير و هم على هذا الأمر فخافوهم على من تخلف بمكة من ذراريهم فلما قال سراقة ما قال و هو ينطق بلسان إبليس شجع القوم. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 103قال الواقدي و خرجت قريش سراعا و خرجوا بالقيان و الدفوف سارة مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب و عزة مولاة أسود بن المطلب و فلانة مولاة أمية بن خلف يغنين في كل منهل و ينحرون الجزر و خرجوا بالجيش ياذفون بالحراب و خرجوا بتسعمائة و خمسين مقاتلا و قادوا مائة فرس بطرا و رئاء الناس كما ذكر الله تعالى في كتابه و أبو جهل يقول أ يظن محمد أن يصيب منا ما أصاب بنخلة و أصحابه سيعلم أ نمنع عيرنا أم لا. قلت سرية نخلة سرية قبل بدر و كان أميرها عبد الله بن جحش قتل فيها عمرو بن الحضرمي حليف بني عبد شمس قتله واقد بن عبد الله التميمي رماه بسهم فقتله و أسر الحكم بن كيسان و عثمان بن عبد الله بن المغيرة و استاق المسلمون العير و كانت خمسمائة بعير فخمسها رسول الله ص و قسم أربعمائة فيمن شهدها من(15/85)