شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 190امرأة شئت من قريش فقال لا ها الله إذن لا أفارق صاحبتي و ما أحب أن لي بها امرأة من قريش فكان رسول الله ص إذا ذكره يثني عليه خيرا في صهره ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب فقالوا له طلق بنت محمد و نحن ننكحك أي امرأة شئت من قش فقال إن أنتم زوجتموني ابنة أبان بن سعيد بن العاص أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه ابنة سعيد بن العاص ففارقها و لم يكن دخل بها فأخرجها الله من يده كرامة لها و هوانا له ثم خلف عليها عثمان بن عفان بعده و كان رسول الله ص مغلوبا على أمره بمكة لا يحل و لا يحرم و كان الإسلام قد فرق بين زينب و أبي العاص إلا أن رسول الله ص كان لا يقدر و هو بمكة أن يفرق بينهما فأقامت معه على إسلامها و هو على شركه حتى هاجر رسول الله ص إلى المدينة و بقيت زينب بمكة مع أبي العاص فلما سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معهم فأصيب في الأسرى يوم بدر فأتي به النبي ص فكان عنده مع الأسارى فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بعلها بمال و كان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة أمها أدخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه فلما رآها رسول الله ص رق لها رقة شديدة و قال للمسلمين إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا فقالوا نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا و أموالنا فردوا عليها ما بعثت به و أطلقوا لها أبا العاص بغير فداء. قلت قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه الله هذا الخبر فقال أ ترى أبا بكر و عمر لم يشهدا هذا المشهد أ ما كان يقتضي التكريم و الإحسان شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 191أن يطيب قلب فاطمة بفدك و يستوهب لها من المسلمين أ تقصر منزلتها عند رسول الله ص عن منزله زينب أختها و هي سيدة نساء العالمين هذا إذا لم يثبت لهحق لا بالنحلة و لا بالإرث فقلت له فدك بموجب الخبر الذي رواه أبو بكر(15/166)
قد صار حقا من حقوق المسلمين فلم يجز له أن يأخذه منهم فقال و فداء أبي العاص بن الربيع قد صار حقا من حقوق المسلمين و قد أخذه رسول الله ص منهم فقلت رسول الله ص صاحب الشريعة و الحكم حكمه و ليس أبو بكر كذلك فقال ما قلت هلا أخذه أبو بكر من المسلمين قهرا فدفعه إلى فاطمة و إنما قلت هلا استنزل المسلمين عنه و استوهبه منهم لها كما استوهب رسول الله ص المسلمين فداء أبي العاص أ تراه لو قال هذه بنت نبيكم قد حضرت تطلب هذه النخلات أ فتطيبون عنها نفسا أ كانوا منعوها ذلك فقلت له قد قال قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد نحو هذا قال إنهما لم يأتيا بحسن في شرع التكرم و إن كان ما أتياه حسنا في الدين. قال محمد بن إسحاق و كان رسول الله ص لما أطلق سبيل أبي العاص أخذ عليه فيما نرى أو شرط عليه في إطلاقه أو أن أبا العاص وعد رسول الله ص ابتداء بأن يحمل زينب إليه إلى المدينة و لم يظهر ذلك من أبي العاص و لا من رسول الله ص إلا أنه لما خلي سبيله و خرج إلى مكة بعث رسول الله ص بعده زيد بن حارثة و رجلا من الأنصار فقال لهما كونا بمكان كذا حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها فخرجا نحو مكة و ذلك بعد بدر بشهر(15/167)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 192أو شيعه فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فأخذت تتجهز قال محمد بن إسحاق فحدثت عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز للحوق بأبي لقيتني هند بنت عتبة فقالت أ لم يبلغني يا بنت محمد أنك تريدين اللحوق بأبيك فقلت ما أردت ذلك الت أي بنت عم لا تفعلي إن كانت لك حاجة في متاع أو فيما يرفق بك في سفرك أو مال تبلغين به إلى أبيك فإن عندي حاجتك فلا تضطني مني فإنه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال قالت و ايم الله إني لأظنها حينئذ صادقة ما أظنها قالت حينئذ إلا لتفعل و لكن خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك قالت و تجهزت حتى فرغت من جهازي فحملني أخو بعلي و هو كنانة بن الربيع. قال محمد بن إسحاق قدم لها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته و أخذ قوسه و كنانته و خرج بها نهارا يقود بعيرها و هي في هودج لها و تحدث بذلك الرجال من قريش و النساء و تلاومت في ذلك و أشفقت أن تخرج ابنة محمد من بينهم على تلك الحال فخرجوا في طلبها سراعا حتى أدركوها بذي طوى فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي و نافع بن عبد القيس الفهري فروعها هبار بالرمح و هي في الهودج و كانت حاملا فلما رجعت طرحت ما في بطنها و قد كانت من خوفها رأت دما و هي في الهودج فلذلك أباح رسول الله ص يوم فتح مكة دم هبار بن الأسود. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 193قلت و هذا الخبر أيضا قرأته على النقيب أبي جعفر رحمه الله فقال إذا كان رسول الله ص أباح دم هبار بن الأسود لأنه ر زينب فألقت ذا بطنها فظهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها فقلت أروي عنك ما يقوله قوم إن فاطمة روعت فألقت المحسن فقال لا تروه عني و لا ترو عني بطلانه فإني متوقف في هذا الموضع لتعارض الأخبار عندي فيه. قال الواقدي فبرك حموها كنانة بن الربيع و نثل كنانته بين يديه ثم أخذ منها سهما فوضعه في كبد قوسه(15/168)
و قال أحلف بالله لا يدنو اليوم منها رجل إلا وضعت فيه سهما فتكر الناس عنه. قال و جاء أبو سفيان بن حرب في جلة من قريش فقال أيها الرجل اكفف عنا نبلك حتى نكلمك فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال إنك لم تحسن و لم تصب خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية جهارا و قد عرفت مصيبتنا و نكبتنا و ما دخل علينا من محمد أبيها فيظن الناس إذا أنت خرجت بابنته إليه جهارا أن ذلك عن ذل أصابنا و أن ذلك منا وهن و لعمري ما لنا في حبسها عن أبيها من حاجة و ما فيها من ثأر و لكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات و تحدث الناس بردها سلها سلا خفيا فألحقها بأبيها فردها كنانة بن الربيع إلى مكة فأقامت بها ليالي حتى إذا هدأ الصوت عنها حملها على بعيرها و خرج بها ليلا حتى سلمها إلى زيد بن حارثة و صاحبه فقدما بها على رسول الله ص.
قال محمد بن إسحاق فروى سليمان بن يسار عن أبي إسحاق الدوسي عن شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 194أبي هريرة قال بعث رسول الله ص سرية أنا فيها إلى عير لقريش فيها متاع لهم و ناس منهم فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود و نافع بن عبد قيس فحرقوهما بالنار حتى إذا كان الغبعث فقال لنا إني كنت قد أمرتكم بتحريق الرجلين إن أخذتموهما ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله تعالى فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما و لا تحرقوهما(15/169)
قلت لقائل من المجبرة أن يقول أ ليس هذا نسخ الشي ء قبل تقضي وقت فعله و أهل العدل لا يجيزون ذلك و هذا السؤال مشكل و لا جواب عنه إلا بدفع الخبر أما بتضعيف أحد من رواته أو إبطال الاحتجاج به لكونه خبر واحد أو بوجه آخر و هو أن نجيز للنبي الاجتهاد في الأحكام الشعية كما يذهب إليه كثير من شيوخنا و هو مذهب القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة و مثل هذا الخبر حديث براءة و إنفاذها مع أبي بكر و بعث علي ع فأخذها منه في الطريق و قرأها على أهل مكة بعد أن كان أبو بكر هو المأمور بقراءتها عليهم. فأما البلاذري فإنه روى أن هبار بن الأسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله ص حين حملت من مكة إلى المدينة فكان رسول الله ص يأمر سراياه إن ظفروا به أن يحرقوه بالنار ثم قال لا يعذب بالنار إلا رب النار و أمرهم إن ظفروا به أن يقطعوا يديه و رجليه و يقتلوه فلم يظفروا به حتى إذا كان يوم الفتح هرب هبار ثم قدم على رسول الله ص بالمدينة و يقال أتاه بالجعرانة حين فرغ من أمر حنين فمثل بين يديه و هو يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقبل إسلامه و أمر ألا يعرض له و خرجت سلمى مولاة رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 195فقالت لا أنعم الله بك عي فقال رسول الله ص مهلا فقد محا الإسلام ما قبله. قال البلاذري فقال الزبير بن العوام لقد رأيت رسول الله ص بعد غلظته على هبار بن الأسود يطأطئ رأسه استحياء منه و هبار يعتذر إليه و هو يعتذر إلى هبار أيضا. قال محمد بن إسحاق فأقام أبو العاص بمكة على شركه و أقامت زينب عند أبيها ص بالمدينة قد فرق بينهما الإسلام حتى إذا كان قبل الفتح خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بمال له و أموال لقريش أبضعوا بها معه و كان رجلا مأمونا فلما فرغ من تجارته و أقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله ص فأصابوا ما معه و أعجزهم هو هاربا فخرجت السرية بما أصابت من ماله حتى قدمت به على رسول الله ص و خرج أبو العاص تحت(15/170)