شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 181و أسلمت أم الفضل زوجته و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم فكان يكتم إسلامه و كان ذا مال كثير متفرق في قومه و كان عدو الله أبو لهب قد تخلف عن بدر و بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة و كذلك كانوا صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعثكانه رجلا فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله و أخزاه و وجدنا في أنفسنا قوة و عزا. قال و كنت رجلا ضعيفا و كنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم فو الله إني لجالس أنحت قداحي و عندي أم الفضل جالسة و قد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس إلى طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال للناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم و كان شهد مع المشركين بدرا فقال أبو لهب هلم يا ابن أخي فعندك و الله الخبر قال فجلس إليه و الناس قيام حوله فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس قال لا شي ء و الله إن هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا فقتلونا كيف شاءوا و أسرونا كيف شاءوا و ايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض لا و الله ما تبقي شيئا و لا يقوم لها شي ء قال أبو رافع فرفعطنب الحجرة ثم قلت تلك و الله الملائكة قال فرفع أبو لهب يده فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني و كنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته على رأسه فشجته شجة منكرة و قالت استضعفته إذ غاب شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 182سيده فقام موليا يلا فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته. و لقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا و ما يدفنانه حتى أنتن في بيته و كانت قريش تتقي العدسة و عدواها كما يتقي الناس الطاعون حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما أ لا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه قالا إنا نخشى هذه القرحة قال فانطلقا و أنا معكما فو الله ما(15/156)
غسلوه إلا قذفا عليه بالماء من بعيد ما يمسونه و أخرجوه فألقوه بأعلى مكة إلى كنان هناك و قذفوا عليه بالحجارة حتى واروه. قال محمد بن إسحاق فحضر العباس بدرا فأسر فيمن أسر و كان الذي أسره أبو اليسر كعب بن عمرو أحد بني سلمة فلما أمسى القوم و الأسارى محبوسون في الوثاق و بات رسول الله ص تلك الليلة ساهرا فقال له أصحابه ما لك لا تنام يا رسول الله قال سمعت أنين العباس من وثاقه فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول الله ص. قال و روى ابن عباس رحمه الله قال كان أبو اليسر رجلا مجموعا و كان العباس طويلا جسيما فقال رسول الله ص يا أبا اليسر كيف أسرت العباس قال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته من قبل من هيئته كذا قال ص لقد أعانك عليه ملك كريم(15/157)
قال محمد بن إسحاق قد كان رسول الله ص في أول الوقعة فنهى أن يقتل أحد من بني هاشم قال حدثني بذلك الزهري عن عبد الله بن ثعلبة حليف بني زهرة قال و حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس رحمه الله شرح نهج البلاغة ج : 14 ص 183قال و قال النبي ص لأصحابه إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم و غيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لنا بقتلهم فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله و من لقي أبا البختري فلا يقتله و من لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ص فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرها فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة أ نقتل آباءنا و إخواننا و عشائرنا و نترك العباس و الله لئن لقيته لألحمنه السيف فسمعها رسول الله ص فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص يقول عمر و الله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله ص بأبي حفص أ يضرب وجه عم رسول الله ص بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنقه بالسيف فو الله لقد نافق قال فكان أبو حذيفة يقول و الله ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ و لا أزال منها خائفا أبدا إلا أن يكفرها الله عني بشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا
قال محمد بن إسحاق و كان رسول الله ص لما استشار أبا بكر و عمر و سعد بن معاذ في أمر الأسارى غلظ عمر عليهم غلظة شديدة فقال يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك فإني لا آلوك نصحا قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك و قدم عقيلا إلى علي أخيه يضرب عنقه و قدم كل أسير منهم إلى أقرب الناس إليه يقتله قال فكره رسول الله ص ذلك و لم يعجبه.(15/158)
قال محمد بن إسحاق فلما قدم بالأسرى إلى المدينة قال رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 184افد نفسك يا عباس و ابني أخويك عقيل بن أبي طالب و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و حليفك عقبة بن عمرو فإنك ذو مال فقال العباس يا رسول الله إني كنت مسلما و لكن القواستكرهوني فقال ص الله أعلم بإسلامك إن يكن ما قلت حقا فإن الله يجزيك به و أما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافتد نفسك و قد كان رسول الله ص أخذ منه عشرين أوقية من ذهب أصابها معه حين أسر فقال العباس يا رسول الله احسبها لي من فدائي فقال ص ذاك شي ء أعطانا الله منك قال يا رسول الله فإنه ليس لي مال قال فأين المال الذي وضعته بمكة حين خرجت عند أم الفضل بنت الحارث و ليس معكما أحد ثم قلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا و كذا و لعبد الله كذا و كذا و لقثم كذا و كذا فقال العباس و الذي بعثك بالحق يا رسول الله ما علم بهذا أحد غيري و غيرها و إني لأعلم أنك رسول الله ثم فدى نفسه و ابني أخويه و حليفه(15/159)
قال الواقدي قدم رسول الله ص من الأثيل زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة يبشران الناس بالمدينة فجاء يوم الأحد في الضحى و فارق عبد الله زيدا بالعقيق فجعل عبد الله ينادي عوالي المدينة يا معشر الأنصار أبشروا بسلامة رسول الله و قتل المشركين و أسرهم قتل ابنا ربيعة و ابنا الحجاج و أبو جهل و زمعة بن الأسود و أمية بن خلف و أسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير قال عاصم بن عدي فقمت إليه فنحوته فقلت أ حقا ما تقول يا ابن رواحة قال إي و الله و غدا يقدم رسول الله إن شاء الله و معه الأسرى مقرنين ثم تتبع دور الأنصار بالعالية يبشرهم دارا دارا و الصبيان يشتدون معه و يقولون قتل أبو جهل الفاسق حتى انتهوا إلى شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 185دور بني أمية بن زيد و قدم زيد بن حارثة على ناقة النبي ص القصواء يبشر أهل المدينة فلما جاء المصلى صاح على راحلته قتل عتبة و شيبة ابنا ربيعة ابنا الحجاج و أبو جهل و أبو البختري و زمعة بن الأسود و أمية بن خلف و أسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثيرة فجعل الناس لا يصدقون زيد بن حارثة و يقولون ما جاء زيد إلا فلا حتى غاظ المسلمين ذلك و خافوا قال و كان قدوم زيد حين سووا على رقية بنت رسول الله ص التراب بالبقيع فقال رجل من المنافقين لأسامة بن زيد قتل صاحبكم و من معه و قال رجل من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون معه أبدا و قد قتل علية أصحابكم و قتل محمد و هذه ناقته نعرفها و هذا زيد بن حارثة لا يدري ما يقول من الرعب و قد جاء فلا فقال أبو لبابة كذب الله قولك و قالت يهود ما جاء زيد إلا فلا قال أسامة بن زيد فجئت حتى خلوت بأبي فقلت يا أبت أ حق ما تقول فقال إي و الله حقا يا بني فقويت نفسي فرجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله و بالمسلمين لنقدمنك إلى رسول الله ص إذا قدم فليضربن عنقك فقال يا أبا محمد إنما هو شي ء سمعت الناس(15/160)