فقبل الفداء ثم قال بعد لو نزل عذاب يوم بدر لما نجا منه إلا عمر كان يقول اقتل و لا تأخذ الفداء و كان سعد بن معاذ يقول اقتل و لا تأخذ الفداء. قلت عندي في هذا كلام أما في أصل الحديث فلأن فيه أن رسول الله ص قال و مثله كعيسى إذ قال إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و هذه الآية من المائدة و المائدة أنزلت في آخر عمره و لم ينزل بعدها إلا سورة براءة و بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة فكيف هذا اللهم إلا أن يكون قوله تعالى وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ الآيات قد كانت أنزلت أما بمكة أو بالمدينة قبل بدر شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 176فلما جمع عثمان القرآن ضمها إلى سورة المائدة فلعله قد كان ذلك فينبغي أن ننظر في هذا فهو مشكل. أما حديث سهيل بن بيضاء فإنه يوهم مذهب موسى بن عمران في أن النبي ص كان يحكم في الوقائع بما يشاء لأنه قيل له احكم بما تشاء فإنك لا تحكم إلا بالحق و هو مذهب متروك إلا أنه يمكن أن يقال لعله لما سكت ص عند ما قال ابن مسعود ذلك القول نزل عليه في تلك السكتة الوحي و قيل له إلا سهيل بن بيضاء فقال حينئذ إلا سهيل بن بيضاء كما أوحي إليه. و أما الحديث الذي فيه لو نزل عذاب لما نجا منه إلا عمر فالواقدي و غيره من المحدثين اتفقوا على أن سعد بن معاذ كان يقول مثل ما قاله عمر بل هو المتبدئ بذلك الرأي و رسول الله ص بعد في العريش و المشركون لم ينفض جمعهم كل ذلك الانفضاض فكيف خص عمر بالنجاة وحده دون سعد و يمكن أن يقال إنه كان شديد التأليب و التحريض عليهم و كثير الإلحاح على رسول الله ص في أمرهم فنسب ذلك الرأي إليه لاشتهاره به و إن شركه فيه غيره.(15/151)


قال الواقدي و حدثني معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قال رسول الله ص يوم بدر لو كان مطعم بن عدي حيا لوهبت له هؤلاء النتنى
قال و كانت لمطعم بن عدي عند النبي ص يد أجاره حين رجع من الطائف. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 177قال الواقدي و حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال أمن رسول الله ص من الأسرى يوم بدر أبا عزة عمرو بن عبد الله بن عمير الجمحي و كان شاعرا فأعتقرسول الله ص و قال له إن لي خمس بنات ليس لهن شي ء فتصدق بي عليهن يا محمد ففعل رسول الله ص ذلك و قال أبو عزة أعطيك موثقا ألا أقاتلك و لا أكثر عليك أبدا فأرسله رسول الله ص فلما خرجت قريش إلى أحد جاء صفوان بن أمية فقال اخرج معنا قال إني قد أعطيت محمدا موثقا أا أقاتله و لا أكثر عليه أبدا و قد من علي و لم يمن على غيري حتى قتله أو أخذ منه الفداء فضمن له صفوان أن يجعل بناته مع بناته إن قتل و إن عاش أعطاه مالا كثيرا لا يأكله عياله فخرج أبو عزة يدعو العرب و يحشرها ثم خرج مع قريش يوم أحد فأسر و لم يؤسر غيره من قريش فقال يا محمد إنما خرجت كرها و لي بنات فامنن علي فقال رسول الله ص أين ما أعطيتني من العهد و الميثاق لا و الله لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمد مرتين فقتله. قال و روى سعيد بن المسيب أن رسول الله ص قال يومئذ إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين يا عاصم بن ثابت قدمه فاضرب عنقه فقدمه عاصم فضرب عنقه. قال الواقدي و أمر رسول الله ص يوم بدر بالقلب أن تغور ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبي ص اتركوه شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 178و قال ن إسحاق انتفخ أمية بن خلف في درعه حتى ملأها فلما ذهبوا يحركونه تزايل فأقروه و ألقوا عليه التراب و الحجارة ما غيبه. قال الواقدي و نظر رسول الله ص إلى عتبة بن ربيعة يجر إلى القليب و(15/152)


كان رجلا جسيما و في وجهه أثر الجدري فتغير وجه ابنه أبي حذيفة بن عتبة فقال له النبي ص ما لك كأنك ساءك ما أصاب أباك قال لا و الله يا رسول الله و لكني رأيت لأبي عقلا و شرفا كنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام فلما أخطأه ذلك و رأيت ما أصابه غاظني فقال أبو بكر كان و الله يا رسول الله أبقى في العشيرة من غيره و لقد كان كارها لوجهه و لكن الحين و مصارع السوء فقال رسول الله ص الحمد لله الذي جعل خد أبي جهل الأسفل و صرعه و شفانا منه فلما توافوا في القليب و
قد كان رسول الله ص يطوف عليهم و هم مصرعون جعل أبو بكر يخبره بهم رجلا رجلا و رسول الله ص يحمد الله و يشكره و يقول الحمد لله الذي أنجز لي ما وعدني فقد وعدني إحدى الطائفتين ثم وقف على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا يا عتبة بن ربيعة و يا شيبة بن ربيعة و يا أمية بن خلف و يا أبا جهل بن هشام هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا بئس القوم كنتم لنبيكم كذبتموني و صدقني الناس و أخرجتموني و آواني الناس و قاتلتموني و نصرني الناس فقالوا يا رسول الله أ تنادي قوما قد ماتوا فقال لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق
و قال ابن إسحاق في كتاب المغازي إن عائشة كانت تروي هذا الخبر و تقول فالناس يقولون إن رسول الله ص قال لقد سمعوا ما قلت لهم و ليس كذلك إنما قال لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 17 قال محمد بن إسحاق و حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لما ناداهم رسول الله ص قال له المسلمون يا رسول الله أ تنادي قوما قد أنتنوا فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم و لكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني(15/153)


قلت لقائل أن يقول لعائشة إذا جاز أن يعلموا و هم موتى جاز أن يسمعوا و هم موتى فإن قالت ما أخبرت أن يعلموا و هم موتى و لكن تعود الأرواح إلى أبدانهم و هي في القليب و يرون العذاب فيعلمون أن ما وعدهم به الرسول حق قيل لها و لا مانع من أن تعود الأرواح إلى أبدانهم و هي في القليب فيسمعوا صوت رسول الله ص فإذن لا وجه لإنكارها ما يقوله الناس. و يمكن أن ينتصر لقول عائشة على وجه حكمي و هو أن الأنفس بعد المفارقة تعلم و لا تسمع لأن الإحساس إنما يكون بواسطة الآلة و بعد الموت تفسد الآلة فأما العلم فإنه لا يحتاج إلى الآلة لأن النفس تعلم بجوهرها فقط. قال الواقدي و كان انهزام قريش و توليها حين زالت الشمس فأقام رسول الله ص ببدر و أمر عبد الله بن كعب بقبض الغنائم و حملها و أمر نفرا من أصحابه أن يعينوه فصلى العصر ببدر ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فنزل به و بات به و بأصحابه جراح و ليست بالكثيرة و قال من رجل يحفظنا الليلة فأسكت القوم فقام رجل فقال من أنت قال ذكوان بن عبد قيس قال اجلس ثم أعاد القول الثانية فقام رجل فقال من أنت قال ابن عبد القيس فقال اجلس ثم مكث ساعة و أعاد القول فقام رجل فقال من أنت قال أبو سبع فسكت. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 180ثم مكث ساعة و قال قوموا ثلاثتكم فقام ذكوان بن عبد قيس وحده فقال له و أين صاحباك قال يا رسول الله أنا الذي كنت أجيبك الليلة فقال رسول الله ص فحفظك الله فبات ذكوان يحرس المسلمين تلك الليلة حتى كان آخر الليل فارتحل. قال الواقدي روي أن رسول الله ص صلى العصر بالأثيل فلما صلى ركعة تبسم فلما سلم سئل عن تبسمه فقال مر بي ميكائيل و على جناحه النقع فتبسم إلي و قال إني كنت في طلب القوم و أتاني جبريل على فرس أنثى معقود الناصية قد عم ثنيتيه الغبار فقال يا محمد إن ربي بعثني إليك و أمرني ألا أفارقك حتى ترضى فهل رضيت فقلت نعم. قال الواقدي و أقبل رسول الله ص بالأسرى حتى(15/154)


إذا كان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أن يضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس و كان أسره عبد الله بن سلمة العجلاني فجعل عقبة يقول يا ويلي علام أقتل يا معشر قريش من بين من هاهنا فقال رسول الله ص لعداوتك لله و لرسوله فقال يا محمد منك أفضل فاجعلني كرجل من قومي إن قتلتهم قتلتني و إن مننت عليهم مننت علي و إن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم يا محمد من للصبية فقال النار قدمه يا عاصم فاضرب عنقه فقدمه عاصم فضرب عنقه فقال النبي ص بئس الرجل كنت و الله ما علمت كافرا بالله و برسوله و بكتابه مؤذيا لنبيه فأحمد الله الذي قتلك و أقر عيني منك. قال محمد بن إسحاق و روى عكرمة مولى ابن عباس عن أبي رافع قال كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب و كان الإسلام قد فشا فينا أهل البيت فأسلم العباس(15/155)

16 / 150
ع
En
A+
A-