مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ
نهاه ع ألا يتخذ بطانة قد كانوا من قبل بطانة للظلمة و ذلك لأن الظلم و تحسينه قد صار ملكة ثابتة في أنفسهم فبعيد أن يمكنهم الخلو منها إذ قد صارت كالخلق الغريزي اللازم لتكرارها و صيرورتها عادة فقد جاءت النصوص في الكتاب و السنة بتحريم معاونة الظلمة و مساعدتهم و تحريم الاستعانة بهم فإن من استعان بهم كان معينا لهم قال تعالى وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً و قال لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ و
جاء في الخبر المرفوع ينادى يوم القيامة أين من بري لهم أي الظالمين قلما(18/32)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 43أتي الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج فقال له ما تقول في الحجاج قال و ما عسيت أن أقول فيه هل هو إلا خطيئة من خطاياك و شرر من نارك فلعنك الله و لعن الحجاج معك و أقبل يشتمهما فالتفت الوليد إلى عمر بن عبد العزيز فقال ما تقول هذا قال ما أقول فيه هذا رجل يشتمكم فإما أن تشتموه كما شتمكم و إما أن تعفوا عنه فغضب الوليد و قال لعمر ما أظنك إلا خارجيا فقال عمر و ما أظنك إلا مجنونا و قام فخرج مغضبا و لحقه خالد بن الريان صاحب شرطة الوليد فقال له ما دعاك إلى ما كلمت به أمير المؤمنين لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظر متى يأمرني بضرب عنقك قال أ و كنت فاعلا لو أمرك قال نعم فلما استخلف عمر جاء خالد بن الريان فوقف على رأسه متقلدا سيفه فنظر إليه و قال يا خالد ضع سيفك فإنك مطيعنا في كل أمر نأمرك به و كان بين يديه كاتب للوليد فقال له ضع أنت قلمك فإنك كنت تضر به و تنفع اللهم إني قد وضعتهما فلا ترفعهما قال فو الله ما زالا وضيعين مهينين حتى ماتا. و روى الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين قال لما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه عافانا الله و إياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك و يرحمك فقد أصبحت شيخا كبيرا و قد أثقلتك نعم الله عليك بما فهمك من كتابه و علمك من سنة نبيه و ليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء فإنه تعالى قال لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ و اعلم أن أيسر ما ارتكبت و أخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم و سهلت سبيل الغي بدنوك إلى من لم يؤد حقا و لم يترك باطلا حين أدناك اتخذوك أبا بكر قطبا تدور شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 44عليه رحى ظلمهم و جسرا يعبرون عليه إلى بلائهم و معاصيهم و سلما يصعدون فيه إلى ضلالتهم يدخلون بك الشك على العلماء و يادون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك و ما(18/33)


أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا من حالك و دينك و ما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا يا أبا بكر إنك تعامل من لا يجهل و يحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك فقد دخله سقم و هيئ زادك فقد حضر سفر بعيد و ما يخفى على الله من شي ء في الأرض و لا في السماء و السلام وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي ءُ عِنْدَكَبِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 45قوله و الصق بأهل الورع كلمة فصيحة يقول اجعلهم خاصتك و خلصاءك. قال ثم رضهم على ألا يطروك أي عودهم ألا يمدحوك في وجهك و لا يبجحوك بباطل لا يجعلوك ممن يبجح أي يفخر بباطل لم يفعله كما يبجح أصحاب الأمراء الأمراء بأن يقولوا لهم ماأينا أعدل منكم و لا أسمح و لا حمى هذا الثغر أمير أشد بأسا منكم و نحو ذلك و قد جاء
في الخبر احثوا في وجوه المداحين التراب
و قال عبد الملك لمن قام يساره ما تريد أ تريد أن تمدحني و تصفني أنا أعلم بنفسي منك. و قام خالد بن عبد الله القسري إلى عمر بن عبد العزيز يوم بيعته فقال يا أمير المؤمنين من كانت الخلافة زائنته فقد زينتها و من كانت شرفته فقد شرفتها فإنك لكما قال القائل
و إذا الدر زان حسن وجوه كان للدر حسن وجهك زينا(18/34)


فقال عمر بن عبد العزيز لقد أعطي صاحبكم هذا مقولا و حرم معقولا و أمره أن يجلس. و لما عقد معاوية البيعة لابنه يزيد قام الناس يخطبون فقال معاوية لعمرو بن سعيد الأشدق قم فاخطب يا أبا أمية فقام فقال أما بعد فإن يزيد ابن أمير المؤمنين أمل تأملونه و أجل تأمنونه إن افتقرتم إلى حلمه وسعكم و إن احتجتم إلى رأيه أرشدكم و إن اجتديتم ذات يده أغناكم و شملكم جذع قارح سوبق فسبق و موجد فمجد شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 46و قورع فقرع و هو خلف أمير المؤمنين و لا خلف منه فقال معاوية أوسعت يا أبا أمية فاجلس فإنما أردنا بعض هذا.و أثنى رجل على علي ع في وجهه ثناء أوسع فيه و كان عنده متهما فقال له أنا دون ما تقول و فوق ما في نفسك(18/35)


و قال ابن عباس لعتبة بن أبي سفيان و قد أثنى عليه فأكثر رويدا فقد أمهيت يا أبا الوليد يعني بالغت يقال أمهى حافر البئر إذا استقصى حفرها. فأما قوله ع و لا يكونن المحسن و المسي ء عندك بمنزلة سواء فقد أخذه الصابي فقال و إذا لم يكن للمحسن ما يرفعه و للمسي ء ماضعه زهد المحسن في الإحسان و استمر المسي ء على الطغيان و قال أبو الطيب شر البلاد بلاد لا صديق بها و شر ما يكسب الإنسان ما يصم و شر ما قبضته راحتي قنص شهب البزاة سواء فيه و الرخمو كان يقال قضاء حق المحسن أدب للمسي ء و عقوبة المسي ء جزاء للمحسنوَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ وَالٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌيَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 47وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ(18/36)

149 / 150
ع
En
A+
A-