وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 37أشناهم عندك أبغضهم إليك. و تغاب تغافل يقال تغابى فلان عن كذا. و يضح يظهر و الماضي وضحفصل في النهي عن ذكر عيوب الناس و ما ورد في ذلك من الآثار
عاب رجل رجلا عند بعض الأشراف فقال له لقد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر فيه من عيوب الناس لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها. و قال الشاعر
و أجرأ من رأيت بظهر غيب على عيب الرجال أولو العيوب
و قال آخر
يا من يعيب و عيبه متشعب كم فيك من عيب و أنت تعيب
و في الخبر المرفوع دعوا الناس بغفلاتهم يعيش بعضهم مع بعض(18/27)
و قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كنت أساير أبي و رجل معنا يقع في رجل فالتفت أبي إلي فقال يا بني نزه سمعك عن استماع الخنى كما تنزه لسانك عن الكلام به فإن المستمع شريك القائل إنما نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك و لو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد رادها كما شقي قائلها. و
قال ابن عباس الحدث حدثان حدث من فيك و حدث من فرجك
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 38و عاب رجل رجلا عند قتيبة بن مسلم فقال له قتيبة أمسك ويحك فقد تلمظت بمضغه طالما لفظها الكرام. و مر رجل بجارين له و معه ريبة فقال أحدهما لصاحبه أ فهمت ما معه من الريبة قال و ما معه قال كذا قال عبدي حر لوجه الله شكرا له تعالى إلم يعرفني من الشر ما عرفك. و قال الفضيل بن عياض إن الفاحشة لتشيع في كثير من المسلمين حتى إذا صارت إلى الصالحين كانوا لها خزانا. و قيل لبزرجمهر هل من أحد لا عيب فيه فقال الذي لا عيب فيه لا يموت. و قال الشاعر
و لست بذي نيرب في الرجا ل مناع خير و سبابهاو لا من إذا كان في جانب أضاع العشيرة و اغتابهاو لكن أطاوع ساداتها و لا أتعلم ألقابها
و قال آخر
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيكشف الله سترا من مساويكاو اذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا و لا تعب أحدا منهم بما فيكا
و قال آخر(18/28)
ابدأ بنفسك فإنهما عن عيبها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك تعذر إن وعظت و يقتدى بالقول منك و يقبل التعليم شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 39فأما قوله ع أطلق عن الناس عقدة كل حقد فقد استوفى هذا المعنى زياد في خطبته البتراء فقال و قد كانت بيني و بين أقوام إحن و قد جعلت ذلك دبر أذني و تحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا و من كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته إنلو علمت أن أحدكم قد قتله السلال من بغضي لم أكشف عنه قناعا و لم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فإذا فعل لم أناظره ألا فليشمل كل امرئ منكم على ما في صدره و لا يكونن لسانه شفرة تجري على ودجه
فصل في النهي عن سماع السعاية و ما ورد ذلك من الآثار(18/29)
فأما قوله ع و لا تعجلن إلى تصديق ساع فقد ورد في هذا المعنى كلام حسن قال ذو الرئاستين قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة و القبول إجازة و ليس من دل على شي ء كمن قبله و أجازه فامقت الساعي على سعايته فإنه لو كان صادقا كان لئيما إذ هتك العورة و أضاعالحرمة. و عاتب مصعب بن الزبير الأحنف على أمر بلغه عنه فأنكره فقال مصعب أخبرني به الثقة قال كلا أيها الأمير إن الثقة لا يبلغ. و كان يقال لو لم يكن من عيب الساعي إلا أنه أصدق ما يكون أضر ما يكون على الناس لكان كافيا. كانت الأكاسرة لا تأذن لأحد أن يطبخ السكباج و كان ذلك مما يختص به الملك فرفع ساع إلى أنوشروان إن فلانا دعانا و نحن جماعة إلى طعام له و فيه شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 40سكباج فوقع أنوشروان على رقعته قد حمدنا نصيحتك و ذممنا صديقك على سوء اختياره للإخوان. جاء رجل إلى الوليد بن عبد الملك و هو خليفة عبد الملك على دمشق فقال أيها الأمير إن عندي نصيحة قال اذكرها قال جار لي رجع من بعثه سرا فقال أمانت فقد أخبرتنا أنك جار سوء فإن شئت أرسلنا معك فإن كنت كاذبا عاقبناك و إن كنت صادقا مقتناك و إن تركتنا تركناك قال بل أتركك أيها الأمير قال فانصرف. و مثل هذا يحكى عن عبد الملك أن إنسانا سأله الخلوة فقال لجلسائه إذا شئتم فانصرفوا فلما تهيأ الرجل للكلام قال له اسمع ما أقول إياك أن تمدحني فأنا أعرف بنفسي منك أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب أو تسعى بأحد إلي فإني لا أحب السعاية قال أ فيأذن أمير المؤمنين بالانصراف قال إذا شئت. و قال بعض الشعراء
لعمرك ما سب الأمير عدوه و لكنما سب الأمير المبلغ
و قال آخر
حرمت منائي منك إن كان ذا الذي أتاك به الواشون عني كما قالواو لكنهم لما رأوك شريعة إلي تواصوا بالنميمة و احتالوافقد صرت أذنا للوشاة سميعة ينالون من عرضي و لو شئت ما نالوا(18/30)
و قال عبد الملك بن صالح لجعفر بن يحيى و قد خرج يودعه لما شخص إلى خراسان أيها الأمير أحب أن تكون لي كما قال الشاعر شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 4فكوني على الواشين لداء شغبة كما أنا للواشي ألد شغوب
قال بل أكون كما قال القائل
و إذا الواشي وشى يوما بها نفع الواشي بما جاء يضر
و قال العباس بن الأحنف
ما حطك الواشون من رتبة عندي و لا ضرك مغتاب كأنهم أثنوا و لم يعلموا عليك عندي بالذي عابواقوله ع و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر مأخوذ من قول الله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا قال المفسرون الفحشاء هاهنا البخل و معنى يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ يخيل إليكم أنكم إن سمحتم بأموالكم افتقرتم فيخوفكم فتخافون فتبخلون. قوله ع فإن البخل و الجبن و الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كلام شريف عال على كلام الحكماء يقول إن بينها قدرا مشتركا و إن كانت غرائز و طبائع مختلفة و ذلك القدر المشترك هو سوء الظن بالله لأن الجبان يقول في نفسه إن أقدمت قتلت و البخيل يقول إن سمحت و أنفقت افتقرت و الحريص يقول إن لم أجد و أجتهد و أدأب فاتني ما أروم و كل هذه الأمور ترجع إلى سوء الظن بالله و لو أحسن الظن الإنسان بالله و كان يقينه صادقا لعلم أن الأجل مقدر و أن الرزق مقدر و أن الغنى و الفقر مقدران و أنه لا يكون من ذلك إلا ما قضى الله تعالى كونه شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 4شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ لِلْأَشْرَارِ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآْثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ(18/31)