شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 25حاجب الشمس و هو الضياء المستعلي عليها كالمتصل بها و لم يذكر ذلك من الشافعية أحد غيره. و ذكر الشاشي في كتاب حلية العلماء أن الشيعة قالت أول وقت المغرب إذا اشتبكت النجوم قال قد حكي هذا عنهم و لا يساوي الحكاية و لم تذهب الشيعة ى هذا و سنذكر قولهم فيما بعد. و كلام أمير المؤمنين ع في المغرب لا ينص على وقت معين لأنه عرف ذلك بكونه وقت الإفطار و وقت ما يدفع الحاج و كلا الأمرين يحتاج إلى تعريف كما يحتاج وقت الصلاة اللهم إلا أن يكون قد عرف أمراء البلاد الذين يصلون بالناس من قبل هذا الكتاب متى هذا الوقت الذي يفطر فيه الصائم ثم يدفع فيه الحاج بعينه ثم يحيلهم في هذا الكتاب على ذلك التعريف المخصوص. قال الشافعي و للمغرب وقت واحد و هو قول مالك. و حكى أبو ثور عن الشافعي أن لها وقتين و آخر وقتها إذا غاب الشفق و ليس بمشهور عنه و المشهور القول الأول و قد ذكرنا قول أبي حنيفة فيما تقدم و هو امتداد وقتها إلى أن يغيب الشفق و به قال أحمد و داود. و اختلف أصحاب الشافعي في مقدار الوقت الواحد فمنهم من قال هو مقدر بقدر الطهارة و ستر العورة و الأذان و الإقامة و فعل ثلاث ركعات و منهم من قدره بغير ذلك. و قال أبو إسحاق الشيرازي منهم التضييق إنما هو في الشروع فأما الاستدامة فتجوز إلى مغيب الشفق. فأما وقت العشاء فقال الشافعي هو أن يغيب الشفق و هو الحمرة و هو قول مالك و أحمد و داود و أبي يوسف و محمد و قد حكينا مذهب أبي حنيفة فيما تقدم و هو أن يغيب الشفق الذي هو البياض و به قال زفر و المزني. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 26قال الشافعي و آخر وقتها المختار إلى نصف الليل هذا هو قوله القديم و هو مذهب أبي حنيفة و قال في الجديد إلى ثلث الليل و يجب أن يحمل قول أمير المؤمنين ع في العشاء إنها إلى ثلث الليل على وقت الاختيار ليك مطابقا لهذا القول و به قال مالك و إحدى الروايتين عن أحمد ثم يذهب(18/17)
وقت الاختيار و يبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني. و قال أبو سعيد الإصطخري لا يبقى وقت الجواز بعد نصف الليل بل يصير قضاء. فقد ذكرنا مذهبي أبي حنيفة و الشافعي في الأوقات و هما الإمامان المعتبران في الفقه و دخل في ضمن حكاية مذهب الشافعي ما يقوله مالك و أحمد و غيرهما من الفقهاء. فأما مذهب الإمامية من الشيعة فنحن نذكره نقلا عن كتاب أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله المعروف بالرسالة المقنعة قال وقت الظهر من بعد زوال الشمس إلى أن يرجع الفي ء سبعي الشخص و علامة الزوال رجوع الفي ء بعد انتهائه إلى النقصان و طريق معرفة ذلك بالأصطرلاب أو ميزان الشمس و هو معروف عند كثير من الناس أو بالعمود المنصوب في الدائرة الهندية أيضا فمن لم يعرف حقيقة العمل بذلك أو لم يجد آلته فلينصب عودا من خشب أو غه في أرض مستوية السطح و يكون أصل العود غليظا و رأسه دقيقا شبه المذري الذي ينسج به التكك أو المسلة التي تخاط بها الأحمال فإن ظل هذا العود يكون بلا شك في أول النهار أطول من العود و كلما ارتفعت الشمس نقص من طوله حتى يقف القرص في وسط السماء فيقف الفي ء حينئذ إذا زال القرص عن الوسط إلى جهة المغرب رجع الفي ء إلى الزيادة فليعتبر من أراد الوقوف على وقت الزوال ذلك بخطط و علامات يجعلها على رأس ظل العود عند وضعه شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 27في صدر النهار و كلما نقص في الظل شي ء علم عليه فإذا رجع إلى الزيادة على موضع العلامة عرف حينئذ برجوعه أن الشمس قد زالت. و بذلك تعرف أيضا القبلة فإن قرص الشمس يقف فيها وسط النهار و يصير عن يسارها و يمين المتوجه إليها بعد وقو و زوالها عن القطب فإذا صارت مما يلي حاجبه الأيمن من بين عينيه علم أنها قد زالت و عرف أن القبلة تلقاء وجهه و من سبقت معرفته بجهة القبلة فهو يعرف زوال الشمس إذا توجه إليها فرأى عين الشمس مما يلي حاجبه الأيمن إلا أن ذلك لا يبين إلا بعد زوالها(18/18)
بزمان و يبين الزوال من أول وقته بما ذكرناه من الأصطرلاب و ميزان الشمس و الدائرة الهندية و العمود الذي وصفناه و من لم يحصل له معرفة ذلك أو فقد الآلة توجه إلى القبلة فاعتبر صيرورة الشمس على طرف حاجبه الأيمن وقت العصر من بعد الفراغ من الظهر إذا صليت الظهر في أول أوقاتها أعني بعد زوال الشمس بلا فصل و يمتد إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب و للمضطر و الناسي إلى مغيبها بسقوط القرص عما تبلغه أبصارنا من السماء و أول وقت المغرب مغيب الشمس و علامة مغيبها عدم الحمرة في المشرق المقابل للمغرب في السماء و ذلك أن المشرق في السماء مطل على المغرب فما دامت الشمس ظاهرة فوق أرضنا فهي تلقى ضوءها على المشرق في السماء فيرى حمرتها فيه فإذا ذهبت الحمرة منه علم أن القرص قد سقط و غاب و آخره أول وقت العشاء الآخرة و أول وقتها مغيب الشمس و هو الحمرة في المغرب و آخره مضي الثلث الأول من الليل و أول وقت الغداة اعتراض الفجر و هو البياض في المشرق يعقبه الحمرة في مكانه و يكون مقدمة لطلوع الشمس على الأرض من السماء و ذلك أن الفجر الأول و هو البياض الظاهر في المشرق يطلع طولا ثم ينعكس بعد مدة عرضا ثم يحمر الأفق بعده للشمس. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 28و لينبغي للإنسان أن يصلي فريضة الغداة حتى يعترض البياض و ينتشر صعدا في السماء كما ذكرنا و آخر وقت الغداة طلوع الشمس. هذا ما تقوله الفقهاء في مواقيت الصلاة(18/19)
فأما قوله ع و الرجل يعرف وجه صاحبه فمعناه الإسفار و قد ذكرناه. و قوله ع و صلوا بهم صلاة أضعفهم أي لا تطيلوا بالقراءة الكثيرة و الدعوات الطويلة. ثم قال و لا تكونوا فتانين أي لا تفتنوا الناس بإتعابهم و إدخال المشقة عليهم بإطالة الصلاة و إفساد صلاة المأمومين بما يفعلونه من أفعال مخصوصة نحو أن يحدث الإمام فيستخلف فيصلي الناس خلف خليفته فإن ذلك لا يجوز على أحد قولي الشافعي و نحو أن يطيل الإمام الركوع و السجود فيظن المأمومون أنه قد رفع فيرفعون أو يسبقونه بأركان كثيرة و نحو ذلك من مسائل يذكرها الفقهاء في كتبهم. و اعلم أن أمير المؤمنين ع إنما بدأ بصلاة الظهر لأنها أول فريضة افترضت على المكلفين من الصلاة على ما كان يذهب إليه ع و إلى ذلك تذهب الإمامية و ينصر قولهم تسميتها بالأولى و لهذا بدأ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بذكرها قبل غيرها فأما من عدا هؤلاء فأول الصلاة المفروضة عندهم الصبح و هي أول النهار. و أيضا يتفرع على هذا البحث القول في الصلاة الوسطى ما هي فذهب جمهور شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 29الناس إلى أنها العصر لأنها بين صلاتي نهار و صلاتي ليل و قد رووا أيضا في ذلك روايات بعضها في الصحاح و قياس مذهب الإمية أنها المغرب لأن الظهر إذا كانت الأولى كانت المغرب الوسطى إلا أنهم يروون عن أئمتهم ع أنها الظهر و يفسرون الوسطى بمعنى الفضلى لأن الوسط في اللغة هو خيار كل شي ء و منه قوله تعالى جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً و قد ذهب إلى أنها المغرب قوم من الفقهاء أيضا. قال كثير من الناس أنها الصبح لأنها أيضا بين صلاتي ليل و صلاتي نهار و رووا أيضا فيها روايات و هو مذهب الشافعي و من الناس من قال إنها الظهر كقول الإمامية و لم يسمع عن أحد معتبرا أنها العشاء إلا قولا شاذا ذكره بعضهم. و قال لأنها بين صلاتين لا تقصران(18/20)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 5330- و من كتاب له ع كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لما ولاه على مصر و أعمالهاحين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ وَ قَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ وَ يَنْزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 31الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيهِمْ وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ(18/21)