شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 4812- و من كتاب له ع إلى معاويةفَإِنَّ الْبَغْيَ وَ الزُّورَ يُوتِغَانِ الْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ وَ يُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكٍ مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ وَ قَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْراً بِغَيْرِ الْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اللَّهِ فَأَكْذَبَهُمْ فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ وَ يَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ وَ قَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَ لَكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ وَ السَّلَامُ
يوتغان يهلكان و الوتغ بالتحريك الهلاك و قد وتغ يوتغ وتغا أي أثم و هلك و أوتغه الله أهلكه الله و أوتغ فلان دينه بالإثم. قوله فتألوا على الله أي حلفوا من الألية و هي اليمين و
في الحديث من تألى على الله أكذبه الله
و معناه من أقسم تجبرا و اقتدارا لأفعلن كذا أكذبه الله و لم يبلغ أمله. و قد روي تأولوا على الله أي حرفوا الكلم عن مواضعه و تعلقوا بشبهة في تأويل القرآن انتصارا لمذاهبهم و آرائهم فأكذبهم الله بأن أظهر للعقلاء فساد تأويلاتهم و الأول أصح. شرح نهج البلاغة ج :7 ص : 13و يغتبط فيه يفرح و يسر و الغبطة السرور روي يغبط فيه أي يتمنى مثل حاله هذه. قوله و يندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه الياء التي هي حرف المضارعة عائدة على المكلف الذي أمكن الشيطان من قياده يقول إذا لم يجاذب الشيطان من قياده فإنه يندم فأما من جاذبه قياده فقد قام بما عليه. و مثله قوله و لسنا إياك أجبنا قوله و الله ما حكمت مخلوقا و إنما حكمت القرآن و معنى مخلوقا بشرا لا محدثا(18/7)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 4914- و من كتاب له ع إلى معاوية أيضاأَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ السَّلَامُ
هذا كما قيل في المثل صاحب الدنيا كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا و الأصل في هذا
قول الله تعالى لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا و لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب
و هذا من القرآن الذي رفع و نسخت تلاوته. و قد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب و قال إن أمير المؤمنين ع كتبه إلى عمرو بن العاص و زاد فيه زيادة لم يذكرها الرضي
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن الآخرة و صاحبها منهوم عليها لم يصب شيئا منها قط إلا فتحت عليه حرصا و أدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 15و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يدرك و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبطجرك أبا عبد الله و لا تشرك معاوية في باطله فإن معاوية غمص الناس و سفه الحق و السلام(18/8)
قال نصر و هذا أول كتاب كتبه علي ع إلى عمرو بن العاص فكتب إليه عمرو جوابه أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا و ألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق و أن تجيب إلى ما ندعوكم إليه من الشورى فصبر الرجل منا نفسه على الحق و عذره الناس بالمحاجزة و السلام. قال نصر فكتب علي ع إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا. و هو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل و هو مذكور في نهج البلاغة و اللهج الحرص. و معنى قوله ع لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي أي لو اعتبرت بما مضى من عمرك لحفظت باقيه أن تنفقه في الضلال و طلب الدنيا و تضيعه(18/9)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 5016- و من كتاب له ع إلى أمرائه على الجيوشمِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَفَعَهُ إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَ لَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ وَ أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَ عَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ أَلَا وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلَّا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي حَرْبٍ وَ لَا أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلَّا فِي حُكْمٍ وَ لَا أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ وَ لَا أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ وَ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَ لِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ وَ أَلَّا تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ وَ لَا تُفَرِّطُوا فِي صَلَاحٍ وَ أَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اعْوَجَّ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ وَ لَا يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ أَمْرَكُمْ وَ السَّلَامُ
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 17أصحاب المسالح جماعات تكون بالثغر يحمون البيضة و المسلحة هي الثغر كالمرغبة و في الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب(18/10)
قال يجب على الوالي ألا يتطاول على الرعية بولايته و ما خص به عليهم من الطول و هو الفضل و أن تكون تلك الزيادة التي أعطيها سببا لزيادة دنوه من الرعية و حنوه عليهم. ثم قال لكم عندي ألا أحتجز دونكم بسر أي لا أستتر قال إلا في حرب و ذلك لأن الحرب يحمد فيها طي الأسرار و الحرب خدعة. ثم قال و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم أي أظهركم على كل ما نفسي مما يحسن أن أظهركم عليه فأما أحكام الشريعة و القضاء على أحد الخصمين فإني لا أعلمكم به قبل وقوعه كيلا تفسد القضية بأن يحتال ذلك الشخص لصرف الحكم عنه. ثم ذكر أنه لا يؤخر لهم حقا عن محله يعني العطاء و أنه لا يقف دون مقطعه و الحق هاهنا غير العطاء بل الحكم قال زهير
فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء
أي متى تعين الحكم حكمت به و قطعت و لا أقف و لا أتحبس. و لما استوفى ما شرط لهم قال فإذا أنا وفيت بما شرطت على نفسي وجبت لله عليكم النعمة و لي عليكم الطاعة. ثم أخذ في الاشتراط عليهم كما شرط لهم فقال و لي عليكم ألا تنكصوا عن شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 18دعوأي لا تتقاعسوا عن الجهاد إذا دعوتكم إليه و لا تفرطوا في صلاح أي إذا أمكنتكم فرصة أو رأيتم مصلحة في حرب العدو أو حماية الثغر فلا تفرطوا فيها فتفوت و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق أي تكابدوا المشاق العظيمة و لا يهولنكم خوضها إلى الحق. ثم توعدهم إن لم يفعلوا ذلك ثم قال فخذوا هذا من أمرائكم ليس يعني به أن على هؤلاء أصحاب المسالح أمراء من قبله ع كالواسطة بينهم و بينه بل من أمرائكم يعني مني و ممن يقوم في الخلافة مقامي بعدي لأنه لو كان الغرض هو الأول لما كان محلهم عنده أن يقول ألا أحتجز دونكم بسر و لا أطوي دونكم أمرا لأن محل من كان بتلك الصفة دون هذا(18/11)