بين الزرع كي تفسد منابته فيفسد الحب الذي يخرج منه فشبه معاوية بالمدر و نحوه من مفسدات الحب و شبه الدين بالحب الذي هو ثمرة الزرع
وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَ هُوَ آخِرُهُ إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 293أَيْنَ الْقُرُونُ الَّينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمَ حَانَ انْسِلَاخُهُ
إليك عني أي ابعدي و حبلك على غاربك كناية من كنايات الطلاق أي اذهبي حيث شئت لأن الناقة إذا ألقي حبلها على غاربها فقد فسح لها أن ترعى حيث شاءت و تذهب أين شاءت لأنه إنما يردها زمامها فإذا ألقي حبلها على غاربها فقد أهملت. و الغارب ما بين السنام و العنق و المداحض المزالق. و قيل إن في النسخة التي بخط الرضي رضي الله عنه غررتيهم بالياء و كذلك فتنتيهم و ألقيتيهم و أسلمتيهم و أوردتيهم و الأحسن حذف الياء و إذا كانت الرواية وردت بها فهي من إشباع الكسرة كقوله
أ لم يأتيك و الأنباء تنمي بما فعلت لبون بني زياد(17/266)


و مضامين اللحود أي الذين تضمنتهم و في الحديث نهى عن بيع المضامين و الملاقيح و هي ما في أصلاب الفحول و بطون الإناث. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 294ثم قال لو كنت أيتها الدنيا إنسانا محسوسا كالواحد من البشر لأقمت عليك الحد كما فعلت بالناس. ثم شرح أفعالها فقامنهم من غررت و منهم من ألقيت في مهاوي الضلال و الكفر و منهم من أتلفت و أهلكت. ثم قال و من وطئ دحضك زلق مكان دحض أي مزلة. ثم قال لا يبالي من سلم منك إن ضاق مناخه لا يبالي بالفقر و لا بالمرض و لا بالحبوس و السجون و غير ذلك من أنواع المحن لأن هذا كله حقير لا اعتداد به في جنب السلامة من فتنة الدنيا. قال و الدنيا عند من قد سلم منها كيوم قرب انقضاؤه و فناؤه(17/267)


اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي شرح نهجلبلاغة ج : 16 ص : 295اللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ(17/268)


اعزبي ابعدي يقال عزب الرجل بالفتح أي بعد و لا أسلس لك بفتح اللام أي لا أنقاد لك سلس الرجل بالكسر يسلس فهو بين السلس أي سهل قياده. ثم حلف و استثنى بالمشيئة أدبا كما أدب الله تعالى رسوله ص ليروضن نفسه أي يدربها بالجوع و الجوع هو أصل الرياضة عند الحكماء و أرباب الطريقة. قال حتى أهش إلى القرص أي إلى الرغيف و أقنع من الإدام بالملح. و نضب معينها فني ماؤها. ثم أنكر على نفسه فقال أ تشبع السائمة من رعيها بكسر الراء و هو الكلأ و الربيضة جماعة من الغنم أو البقر تربض في أماكنها و أنا أيضا مثلها أشبع و أنام. لقد قرت عيني إذا حيث أشابه البهائم بعد الجهاد و السبق و العبادة و العم و الجد في السنين المتطاولة. قوله و عركت بجنبها بؤسها أي صبرت على بؤسها و المشقة التي تنالها يقال قد عرك فلان بجنبه الأذى أي أغضى عنه و صبر عليه. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 296قوله افترشت أرضها ألم يكن لها فراش إلا الأرض. و توسدت كفها لم يكن لها وسادة إلا الكف. و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم لفظ الكتاب العزيز تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. و همهمت تكلمت كلاما خفيا. و تقشعت ذنوبهم زالت و ذهبت كما يتقشع السحاب. قوله و لتكفف أقراصك إنما هو نهي لابن حنيف أن يكف عن الأقراص و إن كان اللفظ يقتضي أن تكف الأقراص عن ابن حنيف و قد رواها قوم بالنصب قالوا فاتق الله يا ابن حنيف و لتكفف أقراصك لترجو بها من النار خلاصك و التاء هاهنا للأمر عوض الياء و هي لغة لا بأس بها و قد قيل إن رسول الله ص قرأ فبذلك فلتفرحوا بالتاء(17/269)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 3الجزء السابع عشرتتمة أبواب الكتب و الرسائل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
46- و من كتاب له ع إلى بعض عماله
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ وَ ارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ وَ اعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ وَ اخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ التَّحِيَّةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ وَ لَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَ السَّلَامُ
قد أخذ الشاعر معنى قوله و آس بينهم في اللحظة و النظرة فقال شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : اقسم اللحظ بيننا إن في اللحظ لعنوان ما تجن الصدورإنما البر روضة فإذا ما كان بشر فروضة و غدير
قوله و آس بينهم في اللحظة أي اجعلهم أسوة و روي و ساو بينهم في اللحظة و المعنى واحد. و أستظهر به أجعله كالظهر. و النخوة الكبرياء و الأثيم المخطئ المذنب. و قوله و أسد به لهاة الثغر استعارة حسنة. و الضغث في الأصل قبضة حشيش مختلط يابسها بشي ء من الرطب و منه أغاث الأحلام للرؤيا المختلطة التي لا يصح تأويلها فاستعار اللفظة هاهنا و المراد امزج الشدة بشي ء من اللين فاجعلهما كالضغث و قال تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً. قوله فاعتزم بالشدة أي إذا جد بك الحد فدع اللين فإن في حال الشدة لا تغني إلا الشدة قال الفند الزماي(18/1)

142 / 150
ع
En
A+
A-