و روي بطون غرثى بإضافة بطون إلى غرثى. و القمح الحنطة. و الجشع أشد الحرص. و المبطان الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل فأما المبطن فالضامر البطن و أما البطين فالعظيم البطن لا من الأكل و أما البطن فهو الذي لا يهمه إلا بطنه و أما المبطون فالعليل البطن و بطون غرثى جائعة و البطنة الكظة و ذلك أن يمتلئ الإنسان من الطعام امتلاء شديدا و كان يقال ينبغي للإنسان أن يجعل وعاء بطنه أثلاثا فثلث للطعام و ثلث للشراب و ثلث للنفس. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 288و التقمم أكل الشاة ما بين يديها بمقمتها أي بشفتها و كل ذي ظلفالثور و غيره فهو ذو مقمة. و تكترش من أعلافها تملأ كرشها من العلف. قوله أو أجر حبل الضلالة منصوب بالعطف على يشغلني و كذلك أترك و يقال أجررته رسنه إذا أهملته. و الاعتساف السلوك في غير طريق واضح. و المتاهة الأرض يتاه فيها أي يتحير. و في قوله لو شئت لاهتديت شبه من قول عمر لو نشاء لملأنا هذا الرحاب من صلائق و صناب و قد ذكرناه فيما تقدم. و هذا البيت من أبيات منسوبة إلى حاتم بن عبد الله الطائي الجواد و أولها
أيا ابنة عبد الله و ابنة مالك و يا ابنة ذي الجدين و الفرس الوردإذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي قصيا بعيدا أو قريبا فإنني أخاف مذمات الأحاديث من بعدي كفى بك عارا أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحن إلى القدو إني لعبد الضيف ما دام نازلا و من خلالي غيرها شيمة العبد(17/261)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 289وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَ الَوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً. وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ(17/262)
الشجرة البرية التي تنبت في البر الذي لا ماء فيه فهي أصلب عودا من الشجرة التي تنبت في الأرض الندية و إليه وقعت الإشارة بقوله و الرواتع الخضرة أرق جلودا. ثم قال و النابتات العذية التي تنبت عذيا و العذي بسكون الذال الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر و هو يكون أقل أخذا من الماء من النبت سقيا قال ع إنها تكون أقوى وقودا مما يشرب الماء السائح أو ماء الناضح و أبطأ خمودا و ذلك لصلابة جرمها. ثم قال و أنا من رسول الله ص كالضوء من الضوء و الذراع من العضد شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 290و ذلك لأن الضوء الأول يكون علة في الضوءلثاني أ لا ترى أن الهواء المقابل للشمس يصير مضيئا من الشمس فهذا الضوء هو الضوء الأول ثم إنه يقابل وجه الأرض فيضي ء وجه الأرض منه فالضوء الذي على وجه الأرض هو الضوء الثاني و ما دام الضوء الأول ضعيفا فالضوء الثاني ضعيف فإذا ازداد الجو إضاءة ازداد وجه الأرض ضاءة لأن المعلول يتبع العلة فشبه ع نفسه بالضوء الثاني و شبه رسول الله ص بالضوء الأول و شبه منبع الأضواء و الأنوار سبحانه و جلت أسماؤه بالشمس التي توجب الضوء الأول ثم الضوء الأول يوجب الضوء الثاني و هاهنا نكتة و هي أن الضوء الثاني يكون أيضا علة لضوء ثالث و ذلك أن الضوء الحاصل على وجه الأرض و هو الضوء الثاني إذا أشرق على جدار مقابل ذلك الجدار قريبا منه مكان مظلم فإن ذلك المكان يصير مضيئا بعد أن كان مظلما و إن كان لذلك المكان المظلم باب و كان داخل البيت مقابل ذلك الباب جدار كان ذلك الجدار أشد إضاءة من باقي البيت ثم ذلك الجدار إن كان فيه ثقب إلى موضع آخر كان ما يحاذي ذلك البيت أشد إضاءة مما حواليه و هكذا لا تزال الأضواء يوجب بعضها بعضا على وجه الانعكاس بطريق العلية و بشرط المقابلة و لا تزال تضعف درجة درجة إلى أن تضمحل و يعود الأمر إلى الظلمة و هكذا عالم العلوم و الحكم المأخوذة من أمير المؤمنين ع لا تزال تضعف كما انتقلت من قوم(17/263)
إلى قوم إلى أن يعود الإسلام غريبا كما بدأ بموجب الخبر النبوي الوارد في الصحاح. و أما قوله و الذراع من العضد فلأن الذراع فرع على العضد و العضد أصل أ لا ترى أنه لا يمكن أن يكون ذراع إلا إذا كان عضد و يمكن أن يكون عضد لا ذراع له و لهذا قال الراجز لولده
يا بكر بكرين و يا خلب الكبد أصبحت مني كذراع من عضد
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 291فشبه ع بالنسبة إلى رسول الله ص بالذراع الذي العضد أصله و أسه و المراد من هذا التشبيه الإبابة عن شدة الامتزاج و الاتحاد و القرب بينهما فإن الضوء الثاني شبيه بالضوء الأول و الذراع متصل بالعضد اتصالا بينا و هذه المنزلة قد أعطاإياها رسول الله ص في مقامات كثيرة نحو
قوله في قصة براءة قد أمرت أن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني
و قوله لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا مني أو قال عديل نفسي و قد سماه الكتاب العزيز نفسه فقال وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ و
قد قال له لحمك مختلط بلحمي و دمك مسوط بدمي و شبرك و شبري واحد(17/264)
فإن قلت أما قوله لو تظاهرت العرب علي لما وليت عنها فمعلوم فما الفائدة في قوله و لو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها و هل هذا مما يفخر به الرؤساء و يعدونه منقبة و إنما المنقبة أن لو أمكنته الفرصة تجاوز و عفا. قلت غرضه أن يقرر في نفوس أصحابه و غيرهم من العرب أنه يحارب على حق و أن حربه لأهل الشام كالجهاد أيام رسول الله ص و أن من يجاهد الكفار يجب عليه أن يغلظ عليهم و يستأصل شأفتهم أ لا ترى أن رسول الله ص لما جاهد بني قريظة و ظفر لم يبق و لم يعف و حصد في يوم واحد رقاب ألف إنسان صبرا في مقام واحد لما علم في ذلك من إعزاز الدين و إذلال المشركين فالعفو له مقام و الانتقام له مقام. قوله و سأجهد في أن أطهر الأرض الإشارة في هذا إلى معاوية سماه شخصا معكوسا و جسما مركوسا و المراد انعكاس عقيدته و أنها ليست عقيدة هدى بل هي معاكسة للحق و الصواب و سماه مركوسا من قولهم ارتكس في الضلال و الركس شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 292رد الشي ء مقلوبا قال تعالى وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أي قلبهم و ردهم إلى كفرهم فلما كان تاركا للفطرة التي كل مولود يولد عليها كان مرتكسا في ضلالة و أصحاب التناسخ يفسرون هذا بتفسير آخر قالوا الان على ضربين منتصب و منحن فالمنتصب الإنسان و المنحني ما كان رأسه منكوسا إلى جهة الأرض كالبهائم و السباع. قالوا و إلى ذلك وقعت الإشارة بقوله أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. قالوا فأصحاب الشقاوة تنتقل أنفسهم عند الموت إلى الحيوان المكبوب و أصحاب السعادة تنتقل أنفسهم إلى الحيوان المنتصب و لما كان معاوية عنده ع من أهل الشقاوة سماه معكوسا و مركوسا رمزا إلى هذا المعنى. قوله حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد أي حتى يتطهر الدين و أهله منه و ذلك لأن الزراع يجتهدون في إخراج المدر و الحجر و الشوك و العوسج و نحو ذلك من(17/265)