شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 283عدوله مؤثرا في دلالتها فكم قد عدل من العقلاء و ذوي الأحلام الراجحة و الألباب الصحيحة عن تأمل هذه الأعلام و إصابة الحق منها و لم يكن ذلك عندنا و عند صاحب الكتاب قادحا في دلالة الأعلام على أن هذا القول يوجب أن ينفي الشك و النق عن كل من صحب النبي ص و عاصره و شاهد أعلامه كأبي سفيان و ابنه و عمرو بن العاص و فلان و فلان ممن قد اشتهر نفاقهم و ظهر شكهم في الدين و ارتيابهم باتفاق بيننا و بينه و إن كانت إضافة النفاق إلى هؤلاء لا تقدح في دلالة الأعلام فكذلك القول في غيرهم. فأما قوله إن حديث الإحراق لم يصح و لو صح لساغ لعمر مثل ذلك فقد بينا أن خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة. و قوله إنه يسوغ مثل ذلك فكيف يسوغ إحراق بيت علي و فاطمة ع و هل في ذلك عذر يصغى إليه أو يسمع و إنما يكون علي و أصحابه خارقين للإجماع و مخالفين للمسلمين لو كان الإجماع قد تقرر و ثبت و ليس بمتقرر و لا ثابت مع خلاف علي وحده فضلا عن أن يوافقه على ذلك غيره و بعد فلا فرق بين أن يهدد بالإحراق لهذه العلة و بين أن يضرب فاطمة ع لمثلها فإن إحراق المنازل أعظم من ضرب سوط أو سوطين فلا وجه لامتعاض المخالف من حديث الضرب إذا كان عنده مثل هذا الاعتذار قلت أما الكلام في عصمة فاطمة ع فهو بفن الكلام أشبه و للقول فيه موضع غير هذا. و أما قول المرتضى إذا كانت صادقة لم يبق حاجة إلى من يشهد لها فلقائل أن شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 284يقول لم قلت ذلك و لم زعمت أن الحاجة إلى البينة إنما كانت لزية غلبة الظن و لم لا يجوز أن يكون الله تعالى يعبد بالبينة لمصلحة يعلمها و إن كان المدعي لا يكذب أ ليس قد تعبد الله تعالى بالعدة في العجوز التي قد أيست من الحمل و إن كان أصل وضعها لاستبراء الرحم. و أما قصة خزيمة بن ثابت فيجوز أن يكون الله تعالى قد علم أن مصلحة المكلفين في تلك الصورة أن يكتفى بدعوى النبي ص وحدها و يستغنى(17/256)


فيها عن الشهادة. و لا يمتنع أن يكون غير تلك الصورة مخالفا لها و إن كان المدعي لا يكذب و يبين ذلك أن مذهب المرتضى جواز ظهور خوارق العادات على أيدي الأئمة و الصالحين و لو قدرنا أن واحدا من أهل الصلاح و الخير ادعى دعوى و قال بحضرة جماعة من الناس من جملتهم القاضي اللهم إن كنت صادقا فأظهر علي معجزة خارقة للعادة فظهرت عليه لعلمنا أنه صادق و مع ذلك لا تقبل دعواه إلا ببينة. و سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له أ كانت فاطمة صادقة قال نعم قلت فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك و هي عنده صادقة فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا و ادعت لزوجها الخلافة و زحزحته عن مقامه و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشي ء لأه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيها تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة و لا شهود و هذا كلام صحيح و إن كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل. فأما قول قاضي القضاة لو كان في يدها لكان الظاهر أنها لها و اعتراض المرتضى عليه بقوله إنه لم يعتمد في إنكار ذلك على حجة بل قال لو كانت في يدها لكان الظاهر إنها لها و الأمر على ما قال فمن أين أنها لم تخرج عن يدها على وجه كما أن الظاهر(17/257)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 285يقتضي خلافه فإنه لم يجب عما ذكره قاضي القضاة لأن معنى قوله إنها لو كانت في يدها أي متصرفة فيها لكانت اليد حجة في الملكية لأن اليد و التصرف حجة لا محالة فلو كانت في يدها تتصرف فيها و في ارتفاقها كما يتصرف الناس في ضياعهم و أاكهم لما احتاجت إلى الاحتجاج بآية الميراث و لا بدعوى النحل لأن اليد حجة فهلا قالت لأبي بكر هذه الأرض في يدي و لا يجوز انتزاعها مني إلا بحجة و حينئذ كان يسقط احتجاج أبي بكر بقوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث لأنها ما تكون قد ادعتها ميراثا ليحتج عليها بالخبر و خبر أبي سعيد في قوله فأعطاها فدك يدل على الهبة لا على القبض و التصرف و لأنه يقال أعطاني فلان كذا فلم أقبضه و لو كان الإعطاء هو القبض و التصرف لكان هذا الكلام متناقضا. فأما تعجب المرتضى من قول أبي علي إن دعوى الإرث كانت متقدمة على دعوى النحل و قوله إنا لا نعرف له غرضا في ذلك فإنه لا يصح له بذلك مذهب و لا يبطل على مخالفيه مذهب فإن المرتضى لم يقف على مراد الشيخ أبي علي في ذلك و هذا شي ء يرجع إلى أصول الفقه فإن أصحابنا استدلوا على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بإجماع الصحابة لأنهم أجمعوا على تخصيص قوله تعالى ُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ
برواية أبي بكر عن النبي ص لا نورث ما تركناه صدقة(17/258)


قالوا و الصحيح في الخبر أن فاطمة ع طالبت بعد ذلك بالنحل لا بالميراث فلهذا قال الشيخ أبو علي إن دعوى الميراث تقدمت على دعوى النحل و ذلك لأنه ثبت أن فاطمة انصرفت عن ذلك المجلس غير راضية و لا موافقة لأبي بكر فلو كانت دعوى الإرث متأخرة و انصرفت عن سخط لم يثبت الإجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد أما إذا كانت دعوى الإرث متقدمة فلما روى لها الخبر أمسكت و انتقلت إلى النزاع من جهة أخرى فإنه يصح حينئذ الاستدلال بالإجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 286فأما أنا فإن الأخبار عندي متعارضة ي بعضها على أن دعوى الإرث متأخرة و يدل بعضها على أنها متقدمة و أنا في هذا الموضع متوقف. و ما ذكره المرتضى من أن الحال تقتضي أن تكون البداية بدعوى النحل فصحيح و أما إخفاء القبر و كتمان الموت و عدم الصلاة و كل ما ذكره المرتضى فيه فهو الذي يظهر و يقوى عندي لأن الروايات به أكثر و أصح من غيرها و كذلك القول في موجدتها و غضبها فأما المنقول عن رجال أهل البيت فإنه يختلف فتارة و تارة و على كل حال فميل أهل البيت إلى ما فيه نصرة أبيهم و بيتهم. و قد أخل قاضي القضاة بلفظة حكاها عن الشيعة فلم يتكلم عليها و هي لفظة جيدة قال قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرم مما ارتكبا منها فضلا عن الدين و هذا الكلام لا جواب عنه و لقد كان التكرم و رعاية حق رسول الله ص و حفظ عهده يقتضي أن تعوض ابنته بشي ء يرضيها إن لم يستنزل المسلمون عن فدك و تسلم إليها تطييبا لقلبها و قد يسوغ للإمام أن يفعل ذلكمن غير مشاورة المسلمين إذا رأى المصلحة فيه و قد بعد العهد الآن بيننا و بينهم و لا نعلم حقيقة ما كان و إلى الله نرجع الأمور(17/259)


وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ بِالْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ
وَ حَسْبُكَ عَاراً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 287أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ
قد روي و لو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفى و لباب هذا البر المنقى فضربت هذا بذاك حتى ينضج وقودا و يستحكم معقودا. و
روي و لعل بالمدينة يتيما تربا يتضور سغبا أ أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى إذن يحضرني يوم القيامة و هم من ذكر و أنثى(17/260)

140 / 150
ع
En
A+
A-