مولى آل عثمان قال لما ولي عمر بن عبد العزيز رد فدك على ولد فاطمة و كتب إلى واليه على المدينة أبي بكر بن عمرو بن حزم يأمره بذلك فكتب إليه إن فاطمة قد ولدت في آل عثمان و آل فلان و فلان فعلى من أرد منهم فكتب إليه أما بعد فإني لو كتبت إليك آمرك أن تذبح شاة لكتبت إلي أ جماء أم قرناء أو كتبت إليك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة ع من علي ع و السلام. قال أبو المقدام فنقمت بنو أمية ذلك على عمر بن عبد العزيز و عاتبوه فيه و قالوا له هجنت فعل الشيخين و خرج إليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة فلما عاتبوه على فعله قال إنكم جهلتم و علمت و نسيتم و ذكرت إن أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم حدثني عن أبيه عن جده
أن رسول الله ص قال فاطمة بضعة مني يسخطها ما يسخطني و يرضيني ما أرضاها(17/251)


و إن فدك كان صافية على عهد أبي بكر و عمر ثم صار أمرها إلى مروان فوهبها لعبد العزيز أبي فورثتها أنا و إخوتي عنه فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها فمن بائع و واهب حتى استجمعت لي فرأيت أن أردها على ولد فاطمة قالوا فإن أبيت إلا هذا فأمسك الأصل و اقسم الغلة ففعل. و أما ما ذكره من ترك أمير المؤمنين ع فدك لما أفضى الأمر إليه و استدلاله بذلك على أنه لم يكن الشاهد فيها فالوجه في تركه ع رد فدك هو الوجه في إقراره شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 279أحكام القوم و كفه عن نقضها و تغييرها و قد بينا ذلك فيما سبق و ذكرنا أنه كان فينتهاء الأمر إليه في بقية من التقية قوية. فأما استدلاله على أن حجر أزواج النبي ص كانت لهن بقوله تعالى وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ فمن عجيب الاستدلال لأن هذه الإضافة لا تقتضي الملك بل العادة جارية فيها أن تستعمل من جهة السكنى و لهذا يقال هذا بيت فلان و مسكنه و لا يراد بذلك الملك و قد قال تعالى لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ و لا شبهة في أنه تعالى أراد منازل الرجال التي يسكنون فيها زوجاتهم و لم يرد بهذه الإضافة الملك. فأما ما رواه من أن رسول الله ص قسم حجره على نسائه و بناته فمن أين له إذا كان الخبر صحيحا أن هذه القسمة على وجه التمليك دون الإسكان و الإنزال و لو كان قد ملكهن ذلك لوجب أن يكون ظاهرا مشهورا. فأما الوجه في ترك أمير المؤمنين لما صار الأمر إليه في يده منازعة الأزواج في هذه الحجر فهو ما تقدم و تكرر. و أما قوله إن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة و كبر أربعا و إن كثيرا من الفقهاء يستدلون به في التكبير على الميت و هو شي ء ما سمع إلا منه و إن كان تلقاه عن غيره فممن يجري مجراه في العصبية و إلا فالروايات المشهورة و كتب الآثار و السير خالية من ذل و لم يختلف أهل النقل في أن عليا ع هو الذي صلى على فاطمة إلا رواية(17/252)


نادرة شاذة وردت بأن العباس رحمه الله صلى عليها. و روى الواقدي بإسناده في تاريخه عن الزهري قال سألت ابن عباس شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 280متى دفنتم فاطمة ع قال دفناها بليل بعد هدأة قال قلفمن صلى عليها قال علي. و روى الطبري عن الحارث بن أبي أسامة عن المدائني عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة ع عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت إليه فقالت سترتموني ستركما الله. قال أبو جعفر محمد بن جرير و الثبت في ذلك أنها زينب لأن فاطمة دفنت ليلا و لم يحضرها إلا علي و العباس و المقداد و الزبير. و روى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري قال حدثني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن فاطمة عاشت بعد رسول الله ص ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي ليلا و صلى عليها و ذكر في كتابه هذا أن عليا و الحسن و الحسين ع دفنوها ليلا و غيبوا قبرها. و روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن بن محمد بن الحنفية أن فاطمة دفنت ليلا. و روى عبد الله بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن معمر عن الزهري مثل ذلك. و قال البلاذري في تاريخه إن فاطمة ع لم تر متبسمة بعد وفاة النبي ص و لم يعلم أبو بكر و عمر بموتها. و الأمر في هذا أوضح و أشهر من أن نطنب في الاستشهاد عليه و نذكر الروايات فيه(17/253)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 281فأما قوله و لا يصح أنها دفنت ليلا و إن صح فقد دفن فلان و فلان ليلا فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة أظهر من الشمس و أن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات و لم يجعل دفنها ليلا بمجرده هو الحجة ليقال لقد دفن فلان و فلان ليلا بل يقع الاجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي الرجلان عليها و صرحت بذلك و عهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلما طالت عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين ع في أن يستأذن لهما و جعلاها حاجة إليه و كلمها ع في ذلك و ألح عليها فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلمهما فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين ع هل صنعت ما أردت قال نعم قالت فهل أنت صانع ما آمرك به قال نعم قالت فإني أنشدك الله ألا يصليا على جنازتي و لا يقوما على قبري. و روى أنه عفى قبرها و علم عليه و رش أربعين قبرا في البقيع و لم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما الصلاة عليها فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه لم يكن فيه حجة. و أما حكايته عن أبي علي إنكار ضرب الرجل لها و قوله إن جعفر بن محمد و أباه و جده كانوا يتولونهما فكيف لا ينكر أبو علي ذلك و اعتقاده فيهما اعتقاده و قد كنا نظن أن مخالفينا يقتنعون أن ينسبوا إلى أئمتنا الكف عن القوم و الإمساك و ما ظننا أنهم يحملون أنفسهم على أن ينسبوا إليهم الثناء و الولاء شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 282و قد علم كل أحد أن أصحاب هؤلاء السادة المختصين بهم قد رووا عنهم ضد ما روى شعبة بن الحجاج و فلان و فلان و قولهم هما أول من ظلمنا حقنا و حمل الناس على رقابنو قولهم أنهما أصفيا بإنائنا و اضطجعا بسبلنا و جلسا مجلسا نحن أحق به(17/254)


منهما إلى غير ذلك من فنون التظلم و الشكاية و هو طويل متسع و من أراد استقصاء ذلك فلينظر في كتاب المعرفة لأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفي فإنه قد ذكر عن رجل من أهل البيت بالأسانيد النيرة ما لا زيادة عليه ثم لو صح ما ذكره شعبة لجاز أن يحمل على التقية. و أما ذكره إسرافيل و ميكائيل فما كنا نظن أن مثله يذكر ذلك و هذا من أقوال الغلاة الذين ضلوا في أمير المؤمنين ع و أهل البيت و ليسوا من الشيعة و لا من المسلمين فأي عيب علينا فيما يقولونه ثم إن جماعة من مخالفينا قد غلوا في أبي بكر و عمر و رووا روايات مختلفة فيهما تجري مجرى ما ذكره في الشناعة و لا يلزم العقلاء و ذوي الألباب من المخالفين عيب من ذلك. و أما معارضة ما روي في فاطمة ع بما روي في أن حبهما إيمان و بغضهما نفاق فالخبر الذي رويناه مجمع عليه و الخبر الآخر مطعون فيه فكيف يعارض ذلك بهذا. و أما قوله إنما قصد من يورد هذه الأخبار تضعيف دلالة الأعلام في النفوس من حيث أضاف النفاق إلى من شاهدها فتشنيع في غير موضعه و استناد إلى ما لا يجدي نفعا لأن من شاهد الأعلام لا يضعفها و لا يوهن دليلها و لا يقدح في كونها حجة لأن الأعلام ليست ملجئة إلى العلم و لا موجبة لحصوله على كل حال و إنما تثمر العلم لمن أمعن النظر فيها من الوجه الذي تدل منه فمن عدل عن ذلك لسوء اختياره لا يكون(17/255)

139 / 150
ع
En
A+
A-