شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 263أن النبي ص لا يورث و قد سمعن على كل حال أن بنت النبي ص لم تورث ماله و لا بد أن يكن قد سألن عن السبب في دفعها فذكر لهن الخبر فكيف يقال إنهن لم يعرفنه. قلت الصحيح أن أمير المؤمنين ع لم ينازع بعد موت فاطمة في الميراث و إنما نا في الولاية لفدك و غيرها من صدقات رسول الله ص و جرى بينه و بين العباس في ذلك ما هو مشهور و أما أزواج النبي ص فما ثبت أنهن نازعن في ميراثه و لا أن عثمان كان المرسل لهن و المطالب عنهن إلا في رواية شاذة و الأزواج لما عرفن أن فاطمة ع قد دفعت عن الميراث أمسكن و لم يكن قد نازعن و إنما اكتفين بغيرهن و حديث فدك و حضور فاطمة عند أبي بكر كان بعد عشرة أيام من وفاة رسول الله ص و الصحيح أنه لم ينطق أحد بعد ذلك من الناس من ذكر أو أنثى بعد عود فاطمة ع من ذلك المجلس بكلمة واحدة في الميراث. قال المرتضى فإن قيل فإذا كان أبو بكر قد حكم بالخطإ في دفع فاطمة ع عن الميراث و احتج بخبر لا حجة فيه فما بال الأمة أقرته على هذا الحكم و لم تنكر عليه و في رضاها و إمساكها دليل على صوابه. قلت قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا إلا في هذا الموضع الذي لا يكون له وجه سوى الرضا و ذكرنا في ذلك قولا شافيا و قد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال جوابا حسن المعنى و اللفظ نحن شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 264نذكره على وجهه ليقابل بينه و بين كلامه في العثمانية و غيرها. قلت ما كناه المرتضى رحمه الله في غير هذا الموضع أصلا بل كان سطا عليه و كناه في هذا الموضع و استجاد قوله لأنه موافق غرضه فسبحان الله ما أشد حب الناس لعقائدهم. قال قال أبو عثمان و قد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما يعني أبا بكر و عمر في منع الميراث و براءة ساحتهما ترك أصحاب رسول الله ص النكير عليهما ثم قال قد يقال لهم لئن كان ترك النكير دليلا على صدقهما ليكونن ترك النكير على(17/236)


المتظلمين و المحتجين عليهما و المطالبين لهما دليلا على صدق دعواهم أو استحسان مقالتهم و لا سيما و قد طالت المناجاة و كثرت المراجعة و الملاحاة و ظهرت الشكية و اشتدت الموجدة و قد بلغ ذلك من فاطمة ع حتى إنها أوصت ألا يصلي عليها أبو بكر و لقد كانت قالت له حين أتته طالبة بحقها و محتجة لرهطها من يرثك يا أبا بكر إذا مت قال أهلي و ولدي قالت فما بالنا لا نرث النبي ص فلما منعها ميراثها و بخسها حقها و اعتل عليها و جلح في أمرها و عاينت التهضم و أيست من التورع و وجدت نشوة الضعف و قلة الناصر قالت و الله لأدعون الله عليك قال و الله لأدعون الله لك قالت و الله لا أكلمك أبدا قال و الله لا أهجرك أبدا فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلا على صواب منعها إن في ترك النكير على فاطمة ع دليلا على صواب طلبها و أدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت و تذكيرها ما نسيت و صرفها عن الخطإ و رفع قدرها عن البذاء و أن تقول هجرا أو تجور عادلا أو تقطع واصلا فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت(17/237)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 265الأمور و استوت الأسباب و الرجوع إلى أصل حكم الله من المواريث أولى بنا و بكم و أوجب علينا و عليكم. قال فإن قالوا كيف تظن به ظلمها و التعدي عليها و كلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا و رقة حيث تقول له و الله لا أكلمك أبدا فول و الله لا أهجرك أبدا ثم تقول و الله لأدعون الله عليك فيقول و الله لأدعون الله لك ثم يحتمل منها هذا الكلام الغليظ و القول الشديد في دار الخلافة و بحضرة قريش و الصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء و التنزيه و ما يجب لها من الرفعة و الهيبة ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا متقربا كلام المعظم لحقها المكبر لمقامها و الصائن لوجهها المتحنن عليها ما أحد أعز علي منك فقرا و لا أحب إلي منك غنى و لكني سمعت رسول الله ص يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة قيل لهم ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم و السلامة من الجور و قد يبلغ من مكر الظالم و دهاء الماكر إذا كان أريبا و للخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم و ذلة المنتصف و حدب الوامق و مقة المحق و كيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة و دلالة واضحة و قد زعمتم أن عمر قال على منبره متعتان كانتا على عهد رسول الله ص متعة النساء و متعة الحج أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما فما وجدتم أحدا أنكر قوله و لا استشنع مخرج نهيه و لا خطأه في معناه و لا تعجب منه و لا استفهمه و كيف تقضون بترك النكير و قد شهد عمر يوم السقيفة و بعد ذلك
أن النبي ص قال الأئمة من قريش(17/238)


ثم قال في شكاته لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه شك حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 266جعلهم شورى و سالم عبد لامرأة من الأنصار و هي أعتقته و حازت ميراثه ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر و لا قابل إنسان بين قوله و لا تع منه و إنما يكون ترك النكير على من لا رغبة و لا رهبة عنده دليلا على صدق قوله و صواب عمله فأما ترك النكير على من يملك الضعة و الرفعة و الأمر و النهي و القتل و الاستحياء و الحبس و الإطلاق فليس بحجة تشفي و لا دلالة تضي ء. قال و قال آخرون بل الدليل على صدق قوهما و صواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما و الخروج عليهما و هم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل و رد النصوص و لو كان كما تقولون و ما تصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلا كسبيلهم فيه و عثمان كان أعز نفرا و أشرف رهطا و أكثر عددا و ثروة و أقوى عدة. قلنا إنهما لم يجحدا التنزيل و لم ينكرا النصوص و لكنهما بعد إقرارهما بحكم الميراث و ما عليه الظاهر من الشريعة ادعيا رواية و تحدثا بحديث لم يكن محالا كونه و لا ممتنعا في حجج العقول مجيئه و شهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه و لعل بعضهم كان يرى تصديق الرجل إذا كان عدلا في رهطه مأمونا في ظاهره و لم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة و لا جرت عليه غدرة فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن و تعديل الشاهد و لأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج و الذي يقطع بشهادته على الغيب و كان ذلك شبهة على أكثرهم فلذلك قل النكير و تواكل الناس فاشتبه الأمر فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلا العالم المتقدم أو المؤيد المرشد و لأنه لم يكن لعثمان في صدور العوام و قلوب السفلة و الطغام ما كان لهما من المحبة و الهيبة و لأنهما كانا أقل استئثارا بالفي ء و تفضلا بمال الله منه و من شأن الناس إهال السلطان ما وفر عليهم أموالهم و لم يستأثر بخراجهم و لم يعطل(17/239)


ثغورهم و لأن الذي صنع أبو بكر
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 267من منع العترة حقها و العمومة ميراثها قد كان موافقا لجلة قريش و كبراء العرب و لأن عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه مستخفا بقدره لا يمنع ضيما و لا يقمع عدوا و لقد وثب ناس على عثمان بالشتم و القذف و التشنيع و النكير لأمور لو أتى عافها و بلغ أقصاها لما اجترءوا على اغتيابه فضلا على مبادأته و الإغراء به و مواجهته كما أغلظ عيينة بن حصن له فقال له أما إنه لو كان عمر لقمعك و منعك فقال عيينة إن عمر كان خيرا لي منك أرهبني فاتقاني. ثم قال و العجب أنا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه و القدر و الوعيد يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه و خصومه ما هو أقرب إسنادا و أصح رجالا و أحسن اتصالا حتى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبي ص نسخوا الكتاب و خصوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما ردوه و أكذبوا قائليه و ذلك أن كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه و يصدق ما وافق رضاه. هذا آخر كلام الجاحظ ثم قال المرتضى رضي الله عنه فإن قيل ليس ما عارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكير و قوله كما لم ينكروا على أبي بكر فلم ينكروا أيضا على فاطمة ع و لا على غيرها من الطالبين بالإرث كالأزواج و غيرهن معارضة صحيحة و ذلك أن نكير أبي بكر لذلك و دفعها و الاحتجاج عليها و يكفيهم و يغنيهم عن تكلف نكير آخر و لم ينكر على أبي بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره. قلنا أول ما يبطل هذا السؤال أن أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه بعد شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 268تجاجها من التظلم و التألم و التعنيف و التبكيت و قولها على ما روي و الله لأدعون الله عليك و لا أكلمك أبدا و ما جرى هذا المجرى فقد كان يجب أن ينكره غيره و من المنكر الغضب على المنصف و بعد فإن كان إنكار أبي بكر مقنعا و مغنيا عن إنكار غيره من المسلمين فإنكار فاطمة حكمه و مقامها على التظلم منه(17/240)

136 / 150
ع
En
A+
A-