أنه لم يقل يرث آل يعقوب بل قال يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ تنبيها بذلك على أنه يرث من كان أحق بميراثه في القرابة. فأما طعنه على من تأول الخبر بأنه ع لا يورث ما تركه للصدقة بقوله إن أحدا من الصحابة لم يتأوله على هذا الوجه فهذا التأويل الذي ذكرناه أحد ما قاله أصحابنا في هذا الخبر فمن أين له إجماع الصحابة على خلافه و إن أحدا لم يتأوله على هذا الوجه. فإن قال لو كان ذلك لظهر و اشتهر و لوقف أبو بكر عليه فقد مضى من الكلام فيما يمنع من الموافقة على هذا المعنى ما فيه كفاية. قلت لم يكن ذلك اليوم أعني يوم حضور فاطمة ع و قولها لأبي بكر ما قالت يوم تقية و خوف و كيف يكون يوم تقية و هي تقول له و هو الخليفة يا ابن أبي قحافة أ ترث أباك و لا أرث أبي و تقول له أيضا لقد جئت شيئا فريا فكان ينبغي إذا لم يؤثر أمير المؤمنين ع أن يفسر لأبي بكر معنى الخبر أن يعلم فاطمة ع(17/231)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 259تفسيره فتقول لأبي بكر أنت غالط فيما ظننت إنما قال أبي ما تركناه صدقة فإنه لا يورث. و اعلم أن هذا التأويل كاد يكون مدفوعا بالضرورة لأن من نظر في الأحاديث التي ذكرناها و ما جرت عليه الحال يعلم بطلانه علما قطعيا. قال المرتضى ووله إنه لا يكون إذ ذلك تخصيص للأنبياء و لا مزية ليس بصحيح و قد قيل في الجواب عن هذا إن النبي ص يجوز أن يريد أن ما ننوي فيه الصدقة و نفرده لها من غير أن نخرجه عن أيدينا لا تناله ورثتنا و هذا تخصيص للأنبياء و مزية ظاهرة. قلت هذه مخالفة لظاهر الكلام و إحالة اللفظ عن وضعه و بين قوله ما ننوي فيه الصدقة و هو بعد في ملكنا ليس بموروث و قوله ما نخلفه صدقة ليس بموروث فرق عظيم فلا يجوز أن يراد أحد المعنيين باللفظ المفيد للمعنى الآخر لأنه إلباس و تعمية و أيضا فإن العلماء ذكروا خصائص الرسول في الشرعيات عن أمته و عددوها نحو حل الزيادة في النكاح على أربع و نحو النكاح بلفظ الهبة على قول فرقة من المسلمين و نحو تحريم أكل البصل و الثوم عليه و إباحة شرب دمه و غير ذلك و لم يذكروا في خصائصه أنه إذا كان قد نوى أن يتصدق بشي ء فإنه لا يناله ورثته لو قدرنا أنه يورث الأموال و لا الشية قبل المرتضى ذكرت ذلك و لا رأينا في كتاب من كتبهم و هو مسبوق بإجماع طائفته عليه و إجماعهم عندهم حجة. قال المرتضى فأما قوله إن قوله ع ما تركناه صدقة جملة من الكلام شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 260مستقلة بنفسها فصحيح إذا كانت لفظة ما مرفوعة على الابتداء و لتكن منصوبة بوقوع الفعل عليها و كانت لفظة صدقة أيضا مرفوعة غير منصوبة و في هذا وقع النزاع فكيف يدعى أنها جملة مستقلة بنفسها و أقوى ما يمكن أن نذكره أن نقول الرواية جاءت بلفظ صدقة بالرفع و على ما تأولتموه لا تكون إلا منصوبة و الجواب عن ذلك إنا لا نسلم الرواية بالرفع و لم تجر عادة الرواة بضبط ما جرى هذا المجرى من الإعراب و(17/232)
الاشتباه يقع في مثله فمن حقق منهم و صرح بالرواية بالرفع يجوز أن يكون اشتبه عليه فظنها مرفوعة و هي منصوبة قلت و هذا أيضا خلاف الظاهر و فتح الباب فيه يؤدي إلى إفساد الاحتجاج بكثير من الأخبار. قال و أما حكايته عن أبي علي أن أبا بكر لم يدفع إلى أمير المؤمنين ع السيف و البغلة و العمامة على جهة الإرث و قوله كيف يجوز ذلك مع الخبر الذي رواه و كيف خصصه بذلك دون العم الذي هو العصبة فما نراه زاد على التعجب و مما عجب منه عجبنا و لم يثبت عصمة أبي بكر فينتفي عن أفعاله التناقض. قلت لا يشك أحد في أن أبا بكر كان عاقلا و إن شك قوم في ذلك فالعاقل في يوم واحد لا يدفع فاطمة ع عن الإرث و يقول إن أباك قال لي إنني لا أورث ثم يورث في ذلك اليوم شخصا آخر من مال ذلك المتوفى الذي حكى عنه أنه لا يورث و ليس انتفاء هذا التناقض عن أفعاله موقوفا على العصمة بل على العقل.(17/233)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 261قال المرتضى و قوله يجوز أن يكون النبي ص نحله إياه و تركه أبو بكر في يده لما في ذلك من تقوية الدين و تصدق ببدله و كل ما ذكره جائز إلا أنه قد كان يجب أن يظهر أسباب النحلة و الشهادة بها و الحجة عليها و لم يظهر من ذلك شي ء فنع و من العجائب أن تدعي فاطمة فدك نحلة و تستشهد على قولها أمير المؤمنين ع و غيره فلا يصغى إلى قولها و يترك السيف و البغلة و العمامة في يد أمير المؤمنين على سبيل النحلة بغير بينة ظهرت و لا شهادة قامت. قلت لعل أبا بكر سمع الرسول ص و هو ينحل ذلك عليا ع فلذلك لم يحتج إلى البينة و الشهادة فقد روى أنه أعطاه خاتمه و سيفه في مرضه و أبو بكر حاضر و أما البغلة فقد كان نحله إياها في حجة الوداع على ما وردت به الرواية و أما العمامة فسلب الميت و كذلك القميص و الحجزة و الحذاء فالعادة أن يأخذ ذلك ولد الميت و لا ينازع فيه لأنه خارج أو كالخارج عن التركة فلما غسل ع أخذت ابنته ثيابه التي مات فيها و هذه عادة الناس على أنا قد ذكرنا في الفصل الأول كيف دفع إليه آلة النبي ص و حذاءه و دابته و الظاهر أنه فعل ذلك اجتهادا لمصلحة رآها و للإمام أن يفعل ذلك. قال المرتضى على أنه كان يجب على أبي بكر أن يبين ذلك و يذكر وجهه بعينه لما نازع العباس فيه فلا وقت لذكر الوجه في ذلك أولى من هذا الوقت. قلت لم ينازع العباس في أيام أبي بكر لا في البغلة و العمامة و نحوها و لا في غير شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 262ذلك و إنما نازع عليا في أيام عمر و قد ذكرنا فية المنازعة و فيما ذا كانت. قال المرتضى رضي الله عنه في البردة و القضيب إن كان نحلة أو على الوجه الآخر يجري مجرى ما ذكرناه في وجوب الظهور و الاستشهاد و لسنا نرى أصحابنا يعني المعتزلة يطالبون أنفسهم في هذه المواضع بما يطالبوننا بمثله إذا ادعينا وجوها و أسبابا و عللا مجوزة لأنهم لا يقنعون منا بما يجوز و يمكن بل يوجبون فيما(17/234)
ندعيه الظهور و الاستشهاد و إذا كان هذا عليهم نسوه أو تناسوه. قلت أما القضيب فهو السيف الذي نحله رسول الله ص عليا ع في مرضه و ليس بذي الفقار بل هو سيف آخر و أما البردة فإنه وهبها كعب بن زهير ثم صار هذا السيف و هذه البردة إلى الخلفاء بعد تنقلات كثيرة مذكورة في كتب التواريخ. قال المرتضى فأما قوله فإن أزواج النبي ص إنما طلبن الميراث لأنهن لم يعرفن رواية أبي بكر للخبر و كذلك إنما نازع علي ع بعد موت فاطمة ع في الميراث لهذا الوجه فمن أقبح ما يقال في هذا الباب و أبعده عن الصواب و كيف لا يعرف أمير المؤمنين ع رواية أبي بكر و بها دفعت زوجته عن الميراث و هل مثل ذلك المقام الذي قامته و ما رواه أبو بكر في دفعها يخفى على من هو في أقاصي البلاد فضلا عمن هو في المدينة حاضر شاهد يراعي الأخبار و يعني بها إن هذا لخروج في المكابرة عن الحد و كيف يخفى على الأزواج ذلك حتى يطلبنه مرة بعد أخرى و يكون عثمان الرسول لهن و المطالب عنهن و عثمان على زعمهم أحد من شهد(17/235)