شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 248قال و ذلك لأن الشاهدين إذا شهدا في الصدقة فحظهما منها كحظ صاحب الميراث بل سائر المسلمين و ليس كذلك حال تركة الرسول لأن كونها صدقة يحرمها على ورثته و يبيحها لسائر المسلمين. قلت هذا فرق غير مؤثر اللهم إلا أن يعني به تهمة أبي ر و الشهود الستة في جر النفع إلى أنفسهم يكون أكثر من تهمتهم لو شهدوا على أبي هريرة مثلا أن ما تركه صدقة لأن أهل أبي هريرة يشاركون في القسمة و أهل النبي ص لا يشاركون الشهود فيما يصيبهم إذ هم لا تحل لهم الصدقة فتكون حصة أبي بكر و الشهود مما تركه رسول الله أكثر من حصتهم مما يتركه أبو هريرة فيكون تطرق التهمة إلى أبي بكر و الشهود أكثر حسب زيادة حصتهم و ما وقفت للمرتضى على شي ء أطرف من هذا لأن رسول الله ص مات و المسلمون أكثر من خمسين ألف إنسان لأنه قاد في غزاة تبوك عشرين ألفا ثم وفدت إليه الوفود كلها بعد ذلك فلي شعري كم مقدار ما يتوفر على أبي بكر و ستة نفر معه و هم من جملة خمسين ألفا بين ما إذا كان بنو هاشم و بنو المطلب و هم حينئذ عشرة نفر لا يأخذون حصة و بين ما إذا كانوا يأخذون أ ترى أ يكون المتوفر على أبي بكر و شهوده من التركة عشر عشر درهم ما أظن أنه يبلغ ذلك و كم مقدار ما يقلل حصص الشهود على أبي هريرة إذا شركهم أهله في التركة لتكون هذه القلة موجبة رفع التهمة و تلك الزيادة و الكثرة موجبة حصول التهمة و هذا الكلام لا أرتضيه للمرتضى. قال المرتضى رضي الله عنه و أما قوله يخص القرآن بالخبر كما خصصناه في العبد و القاتل فليس بشي ء لأنا إنما خصصنا من ذكر بدليل مقطوع عليه معلوم و ليس هذا موجودا في الخبر الذي ادعاه فأما قوله و ليس ذلك ينقص الأنبياء بل هو إجلال لهم شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 249فمن الذي قال له إن فيه نقصا و كما أنه لا نقص فيه فلا إجلال فيه و لا فضيلة لأن اعي و إن كان قد يقوى على جمع المال ليخلف على الورثة فقد يقويه أيضا(17/221)
إرادة صرفه في وجوه الخير و البر و كلا الأمرين يكون داعيا إلى تحصيل المال بل الداعي الذي ذكرناه أقوى فيما يتعلق بالدين. قال و أما قوله إن فاطمة لما سمعت ذلك كفت عن الطلب فأصابت أولا و أصابت ثانيا فلعمري إنها كفت عن المنازعة و المشاحة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة و الأمر في غضبها و سخطها أظهر من أن يخفى على منصف فقد روى أكثر الرواة الذين لا يتهمون بتشيع و لا عصبية فيه من كلامها في تلك الحال و بعد انصرافها عن مقام المنازعة و المطالبة ما يدل على ما ذكرناه من سخطها و غضبها.
أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال حدثني الزيادي قال حدثنا الشرقي بن القطامي عن محمد بن إسحاق قال حدثنا صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها...(17/222)
قال المرتضى و أخبرنا المرزباني قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي قال حدثنا أبو العيناء بن القاسم اليماني قال حدثنا ابن عائشة قال لما قبض رسول الله ص أقبلت فاطمة إلى أبي بكر في لمة من حفدتها ثم اجتمعت الروايتان من هاهنا... و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 250حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء و ارتج المجلس ثم أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت كلامها بامد لله عز و جل و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله ص ثم قالت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة مائلا عن سنن المشركين ضاربا ثبجهم يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة آخذا بأكظام المشركين يهشم الأصنام و يفلق الهام حتى انهزم الجمع و ولوا الدبر و حتى تفرى الليل عن صبحه و أسفر الحق عن محضه و نطق زعيم الدين و خرست شقائق الشياطين و تمت كلمة الإخلاص و كنتم على شفا حفرة من النار نهزة الطامع و مذقة الشارب و قبسة العجلان و موطإ الأقدام تشربون الطرق و تقتاتون القد أذلة خاسئين يختطفكم الناس من حولكم حتى أنقذكم الله برسوله ص بعد اللتيا و التي و بعد أن مني بهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب و كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة قذف أخاه في لهواتها و لا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه و يطفئ عادية لهبها بسيفه أو قالت يخمد لهبها بحده مكدودا في ذات الله و أنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون(17/223)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 251إلى هنا انتهى خبر أبي العيناء عن ابن عائشة و أما عروة عن عائشة فزاد بعد هذا حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت حسيكة النفاق و شمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفكين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه صارخا بكم فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين و لقربه متلاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير شربكم هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لما يندمل إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين فهيهات و أنى بكم و أنى تؤفكون و كتاب الله بين أظهركم زواجره بينة و شواهده لائحة و أوامره واضحة أ رغبة عنه تريدون أم لغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا و من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تسرون حسوا في ارتغاء و نحن نصبر منكم على مثل حز المدى و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا أ فحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا ابن أبي قحافة أ ترث أباك و لا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون ثم انكفأت إلى قبر أبيها ع فقالت
قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إذا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختل قومك فاشهدهم و لا تغب. و روى حرمي بن أبي العلاء مع هذين البيتين بيتا ثالثا
فليت بعدك كان الموت صادفنا لما قضيت و حالت دونك الكتب(17/224)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 252قال فحمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ص و قال يا خير النساء و ابنة خير الآباء و الله ما عدوت رأي رسول الله ص و لا عملت إلا بإذنه و إن الرائد لا يكذب أهله و إني أشهد الله و كفى بالله شهيدا أني سمعت رسول الله يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا دارا و لا عقارا و إنما نورث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوة
قال فلما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب ع كلم في رد فدك فقال إني لأستحيي من الله أن أرد شيئا منع منه أبو بكر و أمضاه عمر
قال المرتضى و أخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال حدثني علي بن هارون قال أخبرني عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر عن أبيه قال ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع كلام فاطمة ع عند منع أبي بكر إياها فدك و قلت له إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع و أنه من كلام أبي العيناء لأن الكلام منسوق البلاغة فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم و يعلمونه أولادهم و قد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة ع على هذه الحكاية
و قد رواه مشايخ الشيعة و تدارسوه قبل أن يوجد جد أبي العيناء و قد حدث الحسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبد الله بن الحسن بن الحسن يذكر عن أبيه هذا الكلام. ثم قال أبو الحسن زيد و كيف تنكرون هذا من كلام فاطمة ع و هم شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 253يروونن كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة ع و يحققونه لو لا عداوتهم لنا أهل البيت ثم ذكر الحديث بطوله على نسقه و زاد في الأبيات بعد البيتين الأولين(17/225)