قال أبو بكر حدثنا أبو زيد عن هارون بن عمير عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عباس عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن مولى أم هانئ قال دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له لئن مت اليوم من كان يرثك قال ولدي و أهلي قالت فلم ورثت أنت رسول الله ص دون ولده و أهله قال فما فعلت يا بنت رسول الله ص قالت بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله ص فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال يا بنت رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 233ص لم أفعل حدثني رسول الله أن الله تعالى يطعم النبي ص الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه الله إليه رفعت فقالت أنت و رسول الله أعلم ما أنا بسائلتك بعد مجلسي ثم انصرفت(17/206)
قال أبو بكر و حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين ع قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله ص الوجع و ثقلت في علتها اجتمع عندها نساء من نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها كيف أصبحت يا ابنة رسول الله ص قالت و الله أصبحت عائفة لدنياكم قالية لرجالكم لفظتهم بعد أن عجمتهم و شنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد و خور القناة و خطل الرأي و بئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون لا جرم قد قلدتهم ربقتها و شنت عليهم غارتها فجدعا و عقرا و سحقا للقوم الظالمين ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوة و مهبط الروح الأمين و الطيبين بأمر الدنيا و الدين ألا ذلك هو الخسران المبين و ما الذي نقموا من أبي حسن نقموا و الله نكير سيفه و شدة وطأته و نكال وقعته و تنمره في ذات الله و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله ص لاعتلقه و لسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشته و لا يتعتع راكبه و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه و لأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمر الناهل و ردعه سورة الساغب و لفتحت عليهم بركات من السماء و الأرض و سيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ألا هلم فاستمع و ما عشت شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 234أراك الدهر عجبه و إن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي لجإ استندوا و بأي عروة تمسكوا لبئس المولى و لبئس العشير و لبئس للظالم بدلا استبدلوا و الله الذنابى بالقوادم و العجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون ويحهم أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا و ذعاقا ممقرا هنالك يخسر المبطلون(17/207)
و يعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا و اطمئنوا للفتنة جأشا و أبشروا بسيف صارم و هرج شامل و استبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا و جمعكم حصيدا فيا حسرة عليكم و أنى لكم و قد عميت عليكم أ نلزمكموها و أنتم لها كارهون و الحمد لله رب العالمين و صلاته على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين
قلت هذا الكلام و إن لم يكن فيه ذكر فدك و الميراث إلا أنه من تتمة ذلك و فيه إيضاح لما كان عندها و بيان لشدة غيظها و غضبها فإنه سيأتي فيما بعد ذكر ما يناقض به قاضي القضاة و المرتضى في أنها هل كانت غضبى أم لا و نحن لا ننصر مذهبا بعينه و إنما نذكر ما قيل و إذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا منه. و اعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث و ثقاتهم و ما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه و هو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث و أما ما يرويه رجال الشيعة و الأخباريون منهم في كتبهم من قولهم إنهما أهاناها و أسمعاها كلاما غليظا و إن أبا بكر رق لها حيث لم يكن عمر حاضرا فكتب لها بفدك كتابا فلما خرجت به وجدها عمر فمد يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته فدفع بيده في صدرها شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 235و أخذ الصحيفة فخرقها بعد أن تفل فيها فمحاها و إنها د عليه فقالت بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي فشي ء لا يرويه أصحاب الحديث و لا ينقلونه و قدر الصحابة يجل عنه و كان عمر أتقى لله و أعرف لحقوق الله من ذلك و قد نظمت الشيعة بعض هذه الواقعة التي يذكرونها شعرا أوله أبيات لمهيار بن مرزويه الشاعر من قصيدته التي أوله
يا ابنة القوم تراك بالغ قتلي رضاك(17/208)
و قد ذيل عليها بعض الشيعة و أتمها و الأبيات يا ابنة الطاهر كم تقرع بالظلم عصاك غضب الله لخطب ليلة الطف عراك و رعى النار غدا قط رعى أمس حماك مر لم يعطفه شكوى و لا استحيا بكاك و اقتدى الناس به بعد فأردى ولداك يا ابنة الراقي إلى السدرة في لوح السكاك لهف نفسي و على مثلك فلتبك البواكي كيف لم تقطع ليك ابن صحاك فرحوا يوم أهانوك بما ساء أباك و لقد أخبرهم أن رضاه في رضاك دفعا النص على إرثك لما دفعاك و تعرضت لقدر تافه و انت شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 236و ادعيت النحلة المشهود فيها بالصكاك فاستشاطا ثم ما إن كذبا إن كذباك فزوى الله عن الرحمة زنديقا ذواك و نفى عن بابه الواسع شيطانا فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء على سادات المسلمين و أعلام المهاجرين و ليس ذلك بقادح في علو شأنهم و جلالة مكانهم كما أن مبغضي الأنبياء و حسدتهم و مصنفي الكتب في إلحاق العيب و التهجين لشرائعهم لم تزدد لأنبيائهم إلا رفعة و لا زادت شرائعهم إلا انتشارا في الأرض و قبولا في النفس و بهجة و نورا عند ذوي الألباب و العقول. و قال لي علوي في الحلة يعرف بعلي بن مهنإ ذكي ذو فضائل ما تظن قصد أبي بكر و عمر بمنع فاطمة فدك قلت ما قصدا قال أرادا ألا يظهرا لعلي و قد اغتصباه الخلافة رقة ولينا و خذلانا و لا يرى عندهما خورا فأتبعا القرح بالقرح. و قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل و هل كانت فدك إلا نخلا يسيرا و عقارا ليس بذلك الخطير فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا و كان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل و ما قصد أبو بكر و عمر بمنع فاطمة عنها إلا ألا يتقوى علي بحاصلها و غلتها على المنازعة في الخلافة و لهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة و علي و سائر بني هاشم و بني المطلب حقهم في الخمس فإن شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 237الفقير الذي لا مال له تضعف همته و يتصاغر عند نفسه و يكون مشغولا بالاحتراف(17/209)
الاكتساب عن طلب الملك و الرئاسة فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء و هو داء لا دواء له و ما أكثر ما تزول الأخلاق و الشيم فأما العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها
الفصل الثاني في النظر في أن النبي ص هل يورث أم لا
نذكر في هذا الموضع ما حكاه المرتضى رحمه الله في الشافي عن قاضي القضاة في هذا المعنى و ما اعترضه به و إن استضعفنا شيئا من ذلك قلنا ما عندنا و إلا تركناه على حاله. قال المرتضى أول ما ابتدأ به قاضي القضاة حكايته عنا استدلالنا على أنه ص مورث بقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و هذا الخطاب عام يدخل فيه النبي و غيره. ثم أجاب يعني قاضي القضاة عن ذلك فقال إن الخبر الذي احتج به أبو بكر يعني
قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث(17/210)