سراقة بما صنع يومئذ فيقول و الله ما صنعت شيئا. قال الواقدي فحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد الله مولى بني العباس عن عمارة الليثي قال حدثني شيخ صياد من الحي و كان يومئذ على ساحل البحر قال سمعت صياحا يا ويلاه يا ويلاه قد ملأ الوادي يا حرباه يا حرباه فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقلت ما لك فداك أبي و أمي فلم يرجع إلي شيئا ثم أراه اقتحم البحر و رفع يديه مادا يقول يا رب ما وعدتني فقلت
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 159في نفسي جن و بيت الله سراقة و ذلك حين زاغت الشمس و ذلك عند انهزامهم يوم بدر. قال الواقدي قالوا كانت سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضراء و صفراء و حمراء من نور و الصوف في نواصي خيلهم. قال الواقدي حدثني محمد بن صح عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال قال رسول الله ص يوم بدر إن الملائكة قد سومت فسوموا فأعلم المسلمون بالصوف في مغافرهم و قلانسهم قال الواقدي حدثني محمد بن صالح قال كان أربعة من أصحاب محمد ص يعلمون في الزحوف حمزة بن عبد المطلب كان يوم بدر معلما بريشة نعامة و كان علي ع معلما بصوفة بيضاء و كان الزبير معلما بعصابة صفراء و كان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء و كان الزبير يحدث أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر فكانت على صورة الزبير. قال الواقدي فروي عن سهيل بن عمرو قال لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض معلمين يقبلون و يأسرون. قال الواقدي و كان أبو أسد الساعدي يحدث بعد أن ذهب بصره و يقول لو كنت معكم الآن ببدر و معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه و لا أمتري قال و كان أسيد يحدث عن رجل من بني غفار حدثه قال أقبلت أنا و ابن عم لي يوم بدر حتى صعدنا على جبل و نحن يومئذ على الشرك ننظر الوقعة و على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب إذ رأيت سحابة دنت منا فسمعت منها شرح نهج البلاغة ج :(15/136)
14 ص : 160همهمة الخيل و قعقعة الحديد و سمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن ع فانكشف قناع قلبه فمات و أما أنا فكدت أهلك فتماسكت و أتبعت بصري حيث تذهب السحابة فجاءت إلى النبي ص و أصحابه ثم رجعت و ليس فيها شي ء مما كنت أسمع. قال الواقدي و حدثني خارجة بن إبراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال سأل رسول الله ص جبرائيل من القائل يوم بدر أقبل حيزوم فقال جبرائيل يا محمد ما كل أهل السماء أعرف
قال الواقدي و حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه عن جده عبيدة بن أبي عبيدة عن أبي رهم الغفاري عن ابن عم له قال بينا أنا و ابن عم لي على ماء بدر فلما رأينا قلة من مع محمد و كثرة قريش قلنا إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد و أصحابه فانتهبناه فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحاب محمد و نحن نقول هؤلاء ربع قريش فبينا نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا لها فسمعنا أصوات الرجال و السلاح و سمعنا قائلا يقول لفرسه أقدم حيزوم و سمعناهم يقولون رويدا تتاءم أخراكم فنزلوا على ميمنة رسول الله ص ثم جاءت أخرى مثل تلك فكانت مع النبي ص فنظرنا إلى أصحاب محمد و إذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمي و أما أنا فتماسكت و أخبرت النبي ص بذلك و أسلمت.
قال الواقدي و قد روي عن رسول الله ص أنه قال ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر و لا أحقر و لا أدحر و لا أغضب منه في يوم عرفة و ما ذاك إلا لما رأى من نزول الرحمة و تجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر قيل و ما رأى شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 1يا رسول الله يوم بدر قال أما إنه رأى جبريل يوزع الملائكة
قال و قد روي عن رسول الله ص أنه قال يومئذ هذا جبرائيل يسوق بريح كأنه دحية الكلبي إني نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور(15/137)
قال الواقدي و كان عبد الرحمن بن عوف يقول رأيت يوم بدر رجلين أحدهما عن يمين النبي ص و الآخر عن يساره يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهما رابع أمامه. قال و قد روى سعد بن أبي وقاص مثل ذلك قال رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن النبي ص أحدهما عن يمينه و الآخر عن يساره و إني لأراه ينظر إلى ذا مرة و إلى ذا مرة سرورا بما فتحه الله تعالى. قال الواقدي و حدثني إسحاق بن يحيى عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال ما أدري كم يد مقطوعة و ضربة جائفة لم يدم كلمها يوم بدر قد رأيتها. قال الواقدي و روى أبو بردة بن نيار قال جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتها بين يدي رسول الله ص فقلت يا رسول الله أما اثنان فقتلتهما و أما الثالث فإني رأيت رجلا طويلا أبيض ضربه فتدهده أمامه فأخذت رأسه فقال رسول الله ص ذاك فلان من الملائكة.
قال الواقدي و كان ابن عباس رحمه الله يقول لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 162 قال و حدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الملك يتصور في صورة من يعرفه المسلمون من الناس ليثبتهم فيقول إني قد دنوت من المشركين فسمعتهم يقولون لو حملوا علينا ما ثبتنا لهم و ليسوا بشي ء فاحملوليهم و ذلك قول الله عز و جل إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا الآية(15/138)
قال الواقدي و حدثني موسى بن محمد عن أبيه قال كان السائب بن أبي حبيش الأسدي يحدث في زمن عمر بن الخطاب فيقول و الله ما أسرني يوم بدر أحد من الناس فيقال فمن فيقول لما انهزمت قريش انهزمت معها فيدركني رجل أبيض طويل على فرس أبلق بين السماء و الأرض فأوثقني رباطا و جاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا و كان عبد الرحمن ينادي في العسكر من أسر هذا فليس أحد يزعم أنه أسرني حتى انتهى بي إلى رسول الله ص فقال لي رسول الله يا ابن أبي حبيش من أسرك قلت لا أعرفه و كرهت أن أخبره بالذي رأيت فقال رسول الله ص أسره ملك من الملائكة كريم اذهب يا ابن عوف بأسيرك فذهب بي عبد الرحمن قال السائب و ما زالت تلك الكلمة أحفظها و تأخر إسلامي حتى كان من إسلامي ما كان. قال الواقدي و كان حكيم بن حزام يقول لقد رأيتنا يوم بدر و قد وقع بوادي خلص بجاد من السماء قد سد الأفق قال و وادي خلص ناحية الرويثة قال فإذا الوادي يسيل نملا فوقع في نفسي أن هذا شي ء من السماء أيد به محمد فما كانت إلا الهزيمة و هي الملائكة. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 163قال الواقدي و قد قالوا إنه لما التحم القتال و رسول الله ص رافع يديه يسأل الله النصر و ما وعده و يقول اللهم إن ظهرت هذه العصابة ظهر الشرك و لا يقوم لك دين و أبو بكر يقول و الله لينصرنك الله و ليبيضن وجهك فأنزل الله تعالى ألفا من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو فقال رسول الله ص يا أبا بكر أبشر هذا جبرائيل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء و الأرض ثم قال إنه لما نزل الأرض تغيب عني ساعة ثم طلع على ثناياه النقع يقول أتاك النصر من الله إذ دعوته. قال الواقدي و حدثني موسى بن يعقوب عن عمه قال سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة يقول سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألح عليه فقال حكيم التقينا فاقتتلنا فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الأرض مثل وقع(15/139)
الحصاة في الطست و قبض النبي ص القبضة فرمى بها فانهزمنا. قال الواقدي و قد روى عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال سمعت نوفل بن معاوية الدؤلي يقول انهزمنا يوم بدر و نحن نسمع كوقع الحصى في الطساس بين أيدينا و من خلفنا فكان ذلك أشد الرعب علينا فأما الذين قالوا نزلت الملائكة و لم تقاتل فذكر الزمخشري في كتابه في تفسير القرآن المعروف بالكشاف أن قوما أنكروا قتال الملائكة يوم بدر و قالوا لو قاتل واحد من الملائكة جميع البشر لم يثبتوا له و لاستأصلهم بأجمعهم ببعض قوته فإن جبرائيل ع رفع مدائن قوم لوط كما جاء في الخبر على خافقة من جناحه شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 164حتى بلغ بها إلى السماء ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فما عسى أن يبلغ قوة ألف رجل من قريش ليحتاج في مقاومتها و حربها إلى ألف ملك من ملائكة السماء مضان إلى ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من بني آدم و جعل هؤلاء قوله تعالى فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ أمرا للمسلمين لا أمرا للملائكة. و رووا في نصرة قولهم روايات قالوا و إنما كان نزول الملائكة ليكثروا سواد المسلمين في أعين المشركين فإنهم كانوا يرونهم في مبدأ الحال قليلين في أعينهم كما قال تعالى وَ يُقَلِّلُكُمْ ليطمع المشركون فيهم و يجترءوا على حربهم فلما نشبت الحرب كثرهم الله تعالى بالملائكة في أعين المشركين ليفروا و لا يثبتوا و أيضا فإن الملائكة نزلت و تصورت بصور البشر الذين يعرفهم المسلمون و قالوا لهم ما جرت العادة أن يقال مثله من تثبيت القلوب يوم الحرب نحو قولهم ليس المشركون بشي ء لا قوة عندهم لا قلوب لهم لو حملتم عليهم لهزمتموهم و أمثال ذلك. و لقائل أن يقول إذا كان قادرا على أن يقلل ثلاثمائة إنسان في أعين قريش حتى يظنوهم مائة فهو قادر على أن يكثرهم في أعين ريش بعد التقاء حلقتي البطان فيظنوهم ألفين و أكثر من غير حاجة إلى إنزال الملائكة. فإن قلت لعل في إنزالهم لطفا للمكلفين قلت و لعل في(15/140)