هذا الأمر أن الله تبارك و تعالى خص رسوله ص في هذا الفي ء بشي ء لم يعطه غيره قال تعالى وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ ياءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ و كانت هذه خاصة لرسول الله ص فما اختارها دونكم و لا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها و ثبتها فيكم حتى بقي منها هذا المال و كان ينفق منه على أهله سنتهم ثم يأخذ ما بقي فيجعله فيما يجعل مال الله عز و جل فعل ذلك في حيات ثم توفي فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله ص فقبضه الله و قد عمل فيها بما عمل به رسول الله ص و أنتما حينئذ و التفت إلى علي و العباس تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر و الله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا أولى الناس بأبي بكر و برسول الله ص فقبضتها سنتين أو قال سنين من إمارتي أعمل فيها مثل ما عمل به رسول الله ص و أبو بكر ثم قال و أنتما و أقبل على العباس و علي تزعمان أني فيها ظالم فاجر و الله يعلم أني فيها بار راشد تابع للحق ثم جئتماني و كلمتكما واحدة و أمركما جميع فجئتني يعني العباس تسألني نصيبك من ابن أخيك و جاءني هذا يعني عليا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة فلما بدا لي أن شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 223أدفعها إليكما قلت أدفعها على أن عليكما عهد الله و ميثاقه لتعملان فيها بما ل رسول الله ص و أبو بكر و بما عملت به فيها و إلا فلا تكلماني فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك أ فتلتمسان مني قضاء غير ذلك و الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض لا أقضي بينكما بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها.(17/196)
قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثني يونس عن الزهري قال حدثني مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه قال فذكرت ذلك لعروة فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة تقول أرسل أزواج النبي ص عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأل لهن ميراثهن من رسول الله ص مما أفاء الله عليه حتى كنت أردهن عن ذلك فقلت أ لا تتقين الله أ لم تعلمن أن رسول الله ص كان يقول لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه إنما يأكل آل محمد من هذا المال فانتهى أزواج النبي ص إلى ما أمرتهن به(17/197)
قلت هذا مشكل لأن الحديث الأول يتضمن أن عمر أقسم على جماعة فيهم عثمان فقال نشدتكم الله أ لستم تعلمون أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه فقالوا نعم و من جملتهم عثمان فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي ص يسأله أن يعطيهن الميراث اللهم إلا أن يكون عثمان و سعد و عبد الرحمن و الزبير صدقوا عمر على سبيل التقليد لأبي بكر فيما رواه و حسن الظن و سموا ذلك علما لأنه قد يطلق على الظن اسم العلم. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 224فإن قال قائل فهلا حسن ظن عثمان برواية أبي بكر في مبدإ الأمر فلم يكن رسولا وجات النبي ص في طلب الميراث قيل له يجوز أن يكون في مبدإ الأمر شاكا ثم يغلب على ظنه صدقه لأمارات اقتضت تصديقه و كل الناس يقع لهم مثل ذلك. و هاهنا إشكال آخر و هو أن عمر ناشد عليا و العباس هل تعلمان ذلك فقالا نعم فإذا كانا يعلمانه فكيف جاء العباس و فاطمة إلى أبي بكر يطلبان الميراث على ما ذكره في خبر سابق على هذا الخبر و قد أوردناه نحن و هل يجوز أن يقال كان العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث الذي لا يستحقه و هل يجوز أن يقال أن عليا كان يعلم ذلك و يمكن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه خرجت من دارها إلى المسجد و نازعت أبا بكر و كلمته بما كلمته إلا بقوله و إذنه و رأيه و أيضا فإنه إذا كان ص لا يورث فقد أشكل دفع آلته و دابته و حذائه إلى علي ع لأنه غير وارث في الأصل و إن كان أعطاه ذلك لأن زوجته بعرضه أن ترث لو لا الخبر فهو أيضا غير جائز لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئا قليلا كان أو كثيرا. فإن قال قائل نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا قيل هذا الكلام يفهم من مضمونه أنهم لا يورثون شيئا أصلا لأن عادة العرب جارية بمثل ذلك و ليس يقصدون نفي ميراث هذه الأجناس المعدودة دون غيرها بل يجعلون ذلك كالتصريح بنفي أن يورثوا شيئا ما على الإطلاق. و أيضا فإنه جاء في خبر(17/198)
الدابة و الآلة و الحذاء أنه روي عن النبي ص لا نورث ما تركناه صدقة و لم يقل لا نورث كذا و لا كذا و ذلك يقتضي عموم انتفاء الإرث عن كل شي ء شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 225و أما الخبر الثاني و هو ا رواه هشام بن محمد الكلبي عن أبيه ففيه إشكال أيضا لأنه قال إنها طلبت فدك و قالت إن أبي أعطانيها و إن أم أيمن تشهد لي بذلك فقال لها أبو بكر في الجواب إن هذا المال لم يكن لرسول الله ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلقائل أن يقول له أ يجوز للنبي ص أن يملك ابنته أو غير ابنته من أفناء الناس ضيعة مخصوصة أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين لوحي أوحى الله تعالى إليه أو لاجتهاد رأيه على قول من أجاز له أن يحكم بالاجتهاد أو لا يجوز للنبي ص ذلك فإن قال لا يجوز قال ما لا يوافقه العقل و لا المسلمون عليه و إن قال يجوز ذلك قيل فإن المرأة ما اقتصرت على الدعوى بل قالت أم أيمن تشهد لي فكان ينبغي أن يقول لها في الجواب شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة و لم يتضمن هذا الخبر ذلك بل قال لها لما ادعت و ذكرت من يشهد لها هذا مال من مال الله لم يكن لرسول الله ص و هذا ليس بجواب صحيح. و أما الخبر الذي رواه محمد بن زكريا عن عائشة ففيه من الإشكال مثل ما في هذا الخبر لأنه إذا شهد لها علي ع و أم أيمن أن رسول الله ص وهب لها فدك لم يصح اجتماع صدقها و صدق عبد الرحمن و عمر و لا ما تكلفه أبو بكر من تأويل ذلك بمستقيم لأن كونها هبة من رسول الله ص لها يمنع من قوله كان يأخذ منها قوتكم و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله لأن هذا ينافي كونها هبة لها لأن معنى كونها لها انتقالها إلى ملكيتها و أن تتصرف فيها خاصة دون كل أحد من الناس و ما هذه صفته كيف يقسم و يحمل منه في سبيل الله.(17/199)
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 226فإن قال قائل هو ص أبوها و حكمه في مالها كحكمه في ماله و في بيت مال المسلمين فلعله كان بحكم الأبوة يفعل ذلك قيل فإذا كان يتصرف فيها تصرف الأب في مال ولده لا يخرجه ذلك عن كونه مال ولده فإذا مات الأب لم يجز لأحد أن يتصرف في ماذلك الولد لأنه ليس باب له فيتصرف في ماله تصرف الآباء في أموال أولادهم على أن الفقهاء أو معظمهم لا يجيزون للأب أن يتصرف في مال الابن. و هاهنا إشكال آخر و هو قول عمر لعلي ع و العباس و أنتما حينئذ تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر ثم قال لما ذكر نفسه و أنتما تزعمان أني فيها ظالم فاجر فإذا كانا يزعمان ذلك فكيف يزعم هذا الزعم مع كونهما يعلمان أن رسول الله ص قال لا أورث إن هذا لمن أعجب العجائب و لو لا أن هذا الحديث أعني حديث خصومة العباس و علي عند عمر مذكور في الصحاح المجمع عليها لما أطلت العجب من مضمونه إذ لو كان غير مذكور في الصحاح لكان بعض ما ذكرناه يطعن في صحته و إنما الحديث في الصحاح لا ريب في ذلك. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن مالك بن أوس بن الحدثان قال جاء العباس و علي إلى عمر فقال العباس اقض بيني و بين هذا الكذا و كذا أي يشتمه فقال الناس افصل بينهما فقال لا أفصل بينهما قد علما أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة. قلت و هذا أيضا مشكل لأنهما حضرا يتنازعان لا في الميراث بل في ولاية صدقة رسول الله ص أيهما يتولاها ولاية لا إرثا و على هذا كانت الخصومة شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 227فهل يكون جواب ذلك قد علما أن رسول الله ص قال لا نورث. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثني يحيى بن كثير أبو غسان قال حدثنا شعبة عن عمر بن مرة عن أبي البختري قال جاء العباس و علي إلى عمر و هما يختصمان فقال عمر لطلحة و ابير و عبد الرحمن و سعد أنشدكم الله أ سمعتم رسول الله ص يقول كل مال(17/200)