و اعلم أنا نتكلم في شرح هذه الكلمات بثلاثة فصول الفصل الأول فيما ورد في الحديث و السير من أمر فدك و الفصل الثاني في هل النبي ص يورث أم لا و الفصل الثالث في أن فدك هل صح كونها نحلة من رسول الله ص لفاطمة أم لا جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم ثم التفتت إلى قبر أبيها فتمثلت بقول هند بنت أثاثة(17/186)
قد كان بعدك أنباء و هينمة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما قضيت و حالت دونك الكتب تجهمتنا رجال و استخف بنا إذا غبت عنا فنحن اليوم نغتصقال و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت يا معشر البقية و أعضاد الملة و حضنة الإسلام ما هذه الفترة عن نصرتي و الونية عن معونتي و الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي أ ما كان رسول الله ص يقول المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ما أتيتم أ لأن مات رسول الله ص أمتم دينه ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 213و استبهم فتقه و فقد راتقه و أظلمت الأرض له و خشعت الجبال و أكدت الآمال أضيع بعده الحريم و هتكت الحرمة و أذيلت المصونة و تلك نازلة أع بها كتاب الله قبل موته و أنبأكم بها قبل وفاته فقال وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي و أنتم بمرأى و مسمع تبلغكم الدعوة و يشملكم الصوت و فيكم العدة و العدد و لكم الدار و الجنن و أنتم نخبة الله التي انتخب و خيرته التي اختار باديتم العرب و بادهتم الأمور و كافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الإسلام و در حلبه و خبت نيران الحرب و سكنت فورة الشرك و هدأت دعوة الهرج و استوثق نظام الدين أ فتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدة و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض و ركنتم إلى الدعة فجحدتم الذي وعيتم و سغتم الذي سوغتم و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألا و قد قلت لكم ما قلت(17/187)
على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم و خور القناة و ضعف اليقين فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ناقبة الخف باقية العار موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فبعين الله ما تعملون وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
قال و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن الضحاك قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم قال لما كلمت فاطمة ع أبا بكر بما كلمته به حمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال يا خيرة النساء و ابنة خير الآباء و الله ما عدوت رأي رسول الله ص و ما عملت إلا بأمره و إن الرائد شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 214لا يكذب أهله و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت فغفر الله لنا و لك أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله و دابته و حذاءه إلى علي ع و أما ما سوى ذلك فإني سمعت رسول الله ص يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا وا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لكنا نورث الإيمان و الحكمة و العلم و السنة فقد عملت بما أمرني و نصحت له و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب(17/188)
قال أبو بكر و روى هشام بن محمد عن أبيه قال قالت فاطمة لأبي بكر إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها يا ابنة رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك و أنت بنت رسول الله ص إن هذا المال لم يكن للنبي ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه قالت و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا قالت و الله لأدعون الله عليك قال و الله لأدعون الله لك فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة.
قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 215ألا سمع فليقل و من شهد فليتكلم إنما هو ثعالة شهيده ذنبه مرب لكل فتنة هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كأم طحال أحب أهلها إليها البغي ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت إني ساكت ما تركت ثم التفت إلى الأنصار فقال قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم و أحق من لزم عهد رسول الله ص أنتم فقد جاءكم فآويتم و نصرتم ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا(17/189)
ثم نزل فانصرفت فاطمة ع إلى منزلها. قلت قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري و قلت له بمن يعرض فقال بل يصرح قلت لو صرح لم أسألك فضحك و قال بعلي بن أبي طالب ع قلت هذا الكلام كله لعلي يقوله قال نعم إنه الملك يا بني قلت فما مقالة الأنصار قال هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم فسألته عن غريبه فقال أما الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء و القالة القول و ثعالة اسم الثعلب علم غير مصروف و مثل ذؤالة للذئب و شهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه و جزء منه و أصله مثل قالوا إن الثعلب أراد أن يغرى الأسد بالذئب فقال إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك و كنت حاضرا قال فمن يشهد لك بذلك فرفع ذنبه و عليه دم و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته و قتل الذئب و مرب ملازم أرب بالمكان و كروها جذعة أعيدوها إلى الحال الأولى يعني الفتنة و الهرج و أم طحال امرأة بغي في الجاهلية و يضرب بها المثل فيقال أزنى من أم طحال. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 216قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثني ابن عائشة قال حدثني أبي عن عمه قال لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال يا ابنة رسول الله الله ما ورث أبوك دينارا و لا درهما و إنه قال إن الأنبياء لا يورثون فقالت إن فدك وهبها لي رسول الله ص قال فمن يشهد بذلك فجاء علي بن أبي طالب ع فشهد و جاءت أم أيمن فشهدت أيضا فجاء عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف فشهد أن رسول الله ص كان يقسمها قال أبو بكر صدقت يا ابنة رسول الله ص و صدق علي و صدقت أم أيمن و صدق عمر و صدق عبد الرحمن بن عوف و ذلك أن مالك لأبيك كان رسول الله ص يأخذ من فدك قوتكم و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله فما تصنعين بها قالت أصنع بها كما يصنع بها أبي قال فلك على الله أن أصنع فيها كما يصنع فيها أبوك قالت الله لتفعلن قال الله لأفعلن قالت اللهم اشهد و(17/190)