فإنه إن أبطأ
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 200ساعة فسد تدبير سنة و طارق الليل فشر ما جاء به و الطباخ إذا فرغ من الطعام فإنه متى أعيد عليه التسخين فسد. و كان حارثة بن بدر الغداني قد غلب على زياد و كان حارثة مشتهرا بالشراب فقيل لزياد في ذلك فقال كيف بإطراح رجل هو يسايرنينذ قدمت العراق فلا يصل ركابه ركابي و لا تقدمني قط فنظرت إلى قفاه و لا تأخر عني فلويت عنقي إليه و لا أخذ علي الشمس في شتاء قط و لا الروح في صيف قط و لا سألته عن علم إلا ظننته لا يحسن غيره. و من كلامه كفى بالبخل عارا أن اسمه لم يقع في حمد قط و كفى بالجود فخرا أن اسمه لم يقع في ذم قط. و قال ملاك السلطان الشدة على المريب و اللين للمحسن و صدق الحديث و الوفاء بالعهد. و قال ما أتيت مجلسا قط إلا تركت منه ما لو أخذته لكان لي و ترك ما لي أحب إلي من أخذ ما ليس لي. و قال ما قرأت مثل كتب الربيع بن زياد الحارثي ما كتب إلي كتابا قط إلا في اجترار منفعة أو دفع مضرة و لا شاورته يوما قط في أمر مبهم إلا و سبق إلى الرأي. و قال يعجبني من الرجل إذا أتى مجلسا أن يعلم أين مكانه منه فلا يتعداه إلى غيره و إذا سيم خطة خسف أن يقول لا بمل ء فيه. فأما خطبة زياد المعروفة بالبتراء و إنما سيت بذلك لأنه لم يحمد الله فيها و لا صلى على رسوله فقد ذكرها علي بن محمد المدائني قال قدم زياد البصرة أميرا عليها أيام معاوية و الفسق فيها فاش جدا و أموال الناس منتهبة و السياسة ضعيفة فصعد المنبر فقال شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 201أما بعد فإن الجاهلية الجاء و الضلالة العمياء و الغي الموفد لأهله على النار ما فيه سفهاؤكم و يشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير و لا يتحاشى منها الكبير كأنكم لم تقرءوا كتاب الله و لم تستمعوا ما أعد من الثواب الكثير لأهل طاعته و العذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذي لا يزول. أ تكونون كمن طرفت عينه الدنيا و(17/176)


سدت مسامعه الشهوات و اختار الفانية على الباقية لا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به من ترككم الضعيف يقهر و يؤخذ ماله و الضعيفة المسلوبة في النهار المبصر هذا و العدد غير قليل. أ لم يكن منكم نهاه تمنع الغواة عن دلج الليل و غارة النهار قربتم القرابة و باعدتم الذين يعتذرون بغير العذر و يعطون على المختلس كل امرئ منكم يذب عن سيفه صنيع من لا يخاف عاقبة و لا يرجو معادا ما أنتم بالحلماء و قد اتبعتم السفهاء فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرمة الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب حرم علي الطعام و الشراب حتى أسويها بالأرض هدما و إحراقا إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله لين في غير ضعف و شدة في غير عنف و أنا أقسم بالله لآخذن الولي بالولي و الظاعن بالظاعن و المقبل بالمدبر و الصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل أخاه(17/177)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 202فيقول انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة المنبر تلفى مشهورة فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي من نقب عليه منكم فأنا ضامن لما ذهب منه فإياكم و دلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه و قد أجلتكم بقدر يأتي الخبر الكوفة و يرجع إليكم. إياكم و دعوى الجاهلية فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه و قد أحدثتم أحداثا و قد أحدثنا لكل ذنب عقوبة فمن غرق بيوت قوم غرقناه و من حرق على قوم حرقناه و من نقب على أحد بيتا نقبنا على قلبه و من نبش قبرا دفناه فيه حيا. كفوا عني أيديكم و ألسنتكم أكف عنكم يدي و لساني و لا يظهرن من أحدكم خلاف ما عليه عامتكم فأضرب عنقه و قد كانت بيني و بين أقوام إحن فقد جعلت ذلك وراء أذني و تحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا و من كان مسيئا فلينزع عن إساءته إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلال من بغضي لم أكشف عنه قناعا و لم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فإذا فعل لم أناظره فاستأنفوا أموركم و أعينوا على أنفسكم فرب مبتئس بقدومنا سيسر و مسرور بقدومنا سيبأس أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة و عنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناه و نذود عنكم بفي ء الله الذي خولناه فلنا عليكم السمع و الطاعة فيما أحببنا و لكم علينا العدل و الإنصاف فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا و فيئنا بمناصحتكم لنا و اعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاث لست محتجبا عن طالب حاجة منكم شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 203و لا حابسا ع و لا مجمرا بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون و كهفكم الذي إليه تأوون و متى يصلحوا تصلحوا فلا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم و يطول لذلك حزنكم و لا تدركوا حاجتكم مع أنه لو استجيب لأحد منكم لكان شرا لكم أسأل الله أن يعين كلا على كل و إذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فانفذوه على أذلاله و ايم الله إن لي(17/178)


فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي. فقام عبد الله بن الأهتم فقال أشهد أيها الأمير لقد أوتيت الحكمة و فصل الخطاب. فقال كذبت ذاك نبي الله داود. فقام الأحنف فقال إنما الثناء بعد البلاء و الحمد بعد العطاء و إنا لا نثني حتى نبتلى و لا نحمد حتى نعطى فقال زياد صدقت فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس و يقول أنبأنا الله بغير ما قلت فقال وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فسمعها زياد فقال يا أبا بلال إنا لا نبلغ ما نريد بأصحابك حتى نخوض إليهم الباطل خوضا. و روى الشعبي قال قدم زياد الكوفة لما جمعت له مع البصرة فدنوت من المنبر لأسمع كلامه فلم أر أحدا يتكلم فيحسن إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يسي ء إلا زيادا فإنه كان لا يزداد إكثارا إلا ازداد إحسانا فكنت أتنى ألا يسكت.(17/179)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 204و روى الشعبي أيضا قال لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة و نزل سمع تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون فقال ما هذا قالوا إن البلد مفتونة و إن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق فيقال لها نادي ثلاث أصوات فإن أجابك أحد و ا فلا لوم علينا فيما نصنع فغضب فقال ففيم أنا و فيم قدمت فلما أصبح أمر فنودي في الناس فاجتمعوا فقال أيها الناس إني قد نبئت بما أنتم فيه و سمعت ذروا منه و قد أنذرتكم و أجلتكم شهرا مسير الرجل إلى الشام و مسيره إلى خراسان و مسيره إلى الحجاز فمن وجدناه بعد شهر خارجا من منزله بعد العشاء الآخرة فدمه هدر فانصرف الناس يقولون هذا القول كقول من تقدمه من الأمراء فلما كمل الشهر دعا صاحب شرطته عبد الله بن حصين اليريوعي و كانت رجال الشرطة معه أربعة آلاف فقال له هيئ خيلك و رجلك فإذا صليت العشاء الآخرة و قرأ القارئ مقدار سبع من القرآن و رفع الطن القصب من القصر فسر و لا تلقين أحدا عبيد الله بن زياد فمن دونه إلا جئتني برأسه و إن راجعتني في أحد ضربت عنقك. قال فصبح على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين رأسا ثم خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد ثم لم يجي ء بعدها بشي ء و كان الناس إذا صلوا العشاء الآخرة أحضروا إلى منازلهم شدا حثيثا و قد يترك بعضهم نعاله. كتبت عائشة إلى زياد كتابا فلم تدر ما تكتب عنوانه إن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و إن كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت فكتبت من أم المؤمنين إلابنها زياد فلما قرأه ضحك و قال لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 45205- و من كتاب له ع إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و كان عامله على البصرةو قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها قوله(17/180)

124 / 150
ع
En
A+
A-