شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 178يستزل لبك يطلب زلله و خطأه أي يحاول أن تزل و اللب العقل و يستفل غربك يحاول أن يفل حدك أي عزمك و هذا من باب المجاز ثم أمره أن يحذره و قال إنه يعني معاوية كالشيطان يأتي المرء من كذا و من كذا و هو مأخوذ من قول الله تعالى ثُمََّآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالوا في تفسيره من بين أيديهم يطمعهم في العفو و يغريهم بالعصيان و من خلفهم يذكرهم مخلفيهم و يحسن لهم جمع المال و تركه لهم و عن أيمانهم يحبب إليهم الرئاسة و الثناء و عن شمائلهم يحبب إليهم اللهو و اللذات. و قال شقيق البلخي ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي أما من بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فأقرأ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى و أما من خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي فأقرأ وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها و أما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء فأقرأ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ. فإن قلت لم لم يقل و من فوقهم و من تحتهم شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 179قلت لأن جهة فوق جهة نزول الرحمة و مستقر الملائكة و مكان العرش و الأنوار الشريفة و لا سبيل له إليها وما من جهة تحت فلأن الإتيان منها يوحش و ينفر عنه لأنها الجهة المعروفة بالشياطين فعدل عنها إلى ما هو أدعى إلى قبول وساوسه و أضاليله. و قد فسر قوم المعنى الأول فقالوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من جهة الدنيا و مِنْ خَلْفِهِمْ من جهة الآخرة و عَنْ أَيْمانِهِمْ الحسنات و عَنْ شَمائِلِهِمْ أي يحثهم على طلب الدنيا و يؤيسهم من(17/156)
الآخرة و يثبطهم عن الحسنات و يغريهم بالسيئات. قوله ليقتحم غفلته أي ليلج و يهجم عليه و هو غافل جعل اقتحامه إياه اقتحاما للغرة نفسها لما كانت غالبة عليه. و يستلب غرته ليس المعنى باستلابه الغرة أن يرفعها و يأخذها لأنه لو كان كذلك لصار ذلك الغافل المغتر فاقدا للغفلة و الغرة و كان لبيبا فطنا فلا يبقى له سبيل عليه و إنما المعنى بقوله و يستلب غرته ما يعنيه الناس بقولهم أخذ فلان غفلتي و فعل كذا. و معنى أخذها هنا أخذ ما يستدل به على غفلتي. و فلتة أمر وقع من غير تثبت و لا روية. و نزغة كلمة فاسدة من نزغات الشيطان أي من حركاته القبيحة التي يستفسد بها مكلفين و لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها إرث لأن المقر بالزناء لا يلحقه النسب و لا يرثه المولود
لقوله ص الولد للفراش و للعاهر الحجر
نسب زياد ابن أبيه و ذكر بعض أخباره و كتبه و خطبه(17/157)
فأما زياد فهو زياد بن عبيد و من الناس من يقول عبيد بن فلان و ينسبه إلى شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 180ثقيف و الأكثرون يقولون إن عبيدا كان عبدا و إنه بقي إلى أيام زياد فابتاعه و أعتقه و سنذكر ما ورد في ذلك و نسبة زياد لغير أبيه لخمول أبيه و الدعوة التي استق بها فقيل تارة زياد ابن سمية و هي أمه و كانت أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي طبيب العرب و كانت تحت عبيد. و قيل تارة زياد ابن أبيه و قيل تارة زياد ابن أمه و لما استلحق قال له أكثر الناس زياد بن أبي سفيان لأن الناس مع الملوك الذين هم مظنة الرهبة و الرغبة و ليس أتباع الدين بالنسبة إلى أتباع الملوك إلا كالقطرة في البحر المحيط فأما ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزياد بن عبيد و لا يشك في ذلك أحد. و روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس أن عمر بعث زيادا في إصلاح فساد واقع باليمن فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها و أبو سفيان حاضر و علي ع و عمرو بن العاص فقال عمرو بن العاص لله أبو هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان إنه لقرشي و إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه فقال علي ع و من هو قال أنا فقال مهلا يا أبا سفيان فقال أبو سفيان(17/158)
أما و الله لو لا خوف شخص يراني يا علي من الأعادي لأظهر أمره صخر بن حرب و لم يخف المقالة في زيادو قد طالت مجاملتي ثقيفا و تركي فيهم ثمر الفؤادعنى بقوله لو لا خوف شخص عمر بن الخطاب شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 181و روى أحمد بن يحيى البلاذري قال تكلم زياد و هو غلام حدث بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين فقال عمرو بن العاص لله أبوه لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان أما و الله إنه لقرشي و لو عته لعرفت أنه خير من أهلك فقال و من أبوه قال أنا و الله وضعته في رحم أمه فقال فهلا تستلحقه قال أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي. و روى محمد بن عمر الواقدي قال قال أبو سفيان و هو جالس عند عمر و علي هناك و قد تكلم زياد فأحسن أبت المناقب إلا أن تظهر في شمائل زياد فقال علي ع من أي بني عبد مناف هو قال ابني قال كيف قال أتيت أمه في الجاهلية سفاحا فقال علي ع مه يا أبا سفيان فإن عمر إلى المساءة سريع قال فعرف زياد ما دار بينهما فكانت في نفسه. و روى علي بن محمد المدائني قال لما كان زمن علي ع ولى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا و جبى خراجها و حماها و عرف ذلك معاوية فكتب إليه أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا كما تأوي الطير إلى وكرها و ايم الله لو لا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك مني ما قاله العبد الصالح فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ و كتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته
تنسى أباك و قد شالت نعامته إذ يخطب الناس و الوالي لهم عمر(17/159)
فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس و قال العجب من ابن آكلة الأكباد و رأس النفاق يهددني و بيني و بينه ابن عم رسول الله ص و زوج سيدة نساء العالمين و أبو السبطين و صاحب الولاية و المنزلة و الإخاء في مائة ألف شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 182من المهاجرين ولأنصار و التابعين لهم بإحسان أما و الله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي لوجدني أحمر مخشا ضرابا بالسيف ثم كتب إلى علي ع و بعث بكتاب معاوية في كتابه.
فكتب إليه علي ع و بعث بكتابه أما بعد فإني قد وليتك ما وليتك و أنا أراك لذلك أهلا و إنه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه و كذب النفس لم تستوجب بها ميراثا و لم تستحق بها نسبا و إن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فاحذره ثم احذره ثم احذره و السلام(17/160)