هذا الأسير ففرح صفوان بقوله و قال يا أبا أمية و هل نراك فاعلا قال إي و رب هذه البنية قال صفوان فعلي دينك و عيالك أسوة عيالي فأنت تعلم أنه ليس بمكة رجل أشد توسعا على عياله مني قال عمير قد عرفت ذلك يا أبا وهب قال صفوان فإن عيالك مع عيالي لا يسعني شي ء و نعجز عنهم و دينك علي فحمله صفوان على بعيره و جهزه و أجرى علىعياله مثل ما يجري على عيال نفسه و أمر عمير بسيفه فشحذ و سم ثم خرج إلى المدينة و قال لصفوان اكتم علي أياما حتى أقدمها و خرج فلم يذكره صفوان و قدم عمير فنزل على باب المسجد و عقل راحلته و أخذ السيف فتقلده ثم عمد نحو رسول الله ص و عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون و يذكرون نعمة الله عليهم في بدر فرأى عميرا و عليه السيف ففزع عمر منه و قال لأصحابه دونكم الكلب هذا عمير بن وهب عدو الله الذي حرش بيننا يوم بدر و حزرنا للقوم و صعد فينا و صوب يخبر قريشا أنه لا عدد لنا و لا كمين فقاموا إليه فأخذوه فانطلق عمر إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد و معه السلاح و هو الغادر الخبيث الذي لا يؤمن على شي ء فقال النبي ص أدخله علي فخرج عمر فأخذ بحمائل سيفه فقبض بيده عليها و أخذ بيده الأخرى قائم السيف ثم أدخله على رسول الله ص فلما رآه قال يا عمر تأر عنه فلما دنا عمير إلى النبي ص قال أنعم صباحا فقال له النبي ص قد أكرمنا الله عن تحيتك و جعل تحيتنا السلام و هي تحية أهل الجنة قال عمير إن عهدك بها لحديث فقال النبي ص قد أبدلنا(15/131)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 155الله خيرا فما أقدمك يا عمير قال قدمت في أسيري عندكم تفادونه و تقاربوننا فيه فإنكم العشيرة و الأصل قال النبي ص فما بال السيف قال عمير قبحها الله من سيوف و هل أغنت من شي ء إنما نسيته حين نزلت و هو في رقبتي و لعمري إن لي لهماره فقال رسول الله ص اصدق يا عمير ما الذي أقدمك قال ما قدمت إلا في أسيري قال ص فما شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ففزع عمير و قال ما ذا شرطت له قال تحملت بقتلي على أن يقضي دينك و يعول عيالك و الله حائل بينك و بين ذلك قال عمير أشهد أنك صادق و أشهد أن لا إله إلا الله كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي و بما يأتيك من السماء و إن هذا الحديث كان بيني و بين صفوان كما قلت لم يطلع عليه غيره و غيري و قد أمرته أن يكتمه ليالي فأطلعك الله عليه فآمنت بالله و رسوله و شهدت أن ما جئت به حق الحمد لله الذي ساقني هذا المساق و فرح المسلمون حين هداه الله و قال عمر بن الخطاب لخنزير كان أحب إلي منه حين طلع و هو الساعة أحب إلي من بعض ولدي و قال النبي ص علموا أخاكم القرآن و أطلقوا له أسيره فقال عمير يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله فله الحمد أن هداني فأذن لي فألحق قريشا فأدعوهم إلى الله و إلى الإسلام فلعل الله يهديهم و يستنقذهم من الهلكة فأذن له فخرج فلحق بمكة و كان صفوان يسأل عن عمير بن وهب كل راكب يقدم من المدينة يقول هل حدث بالمدينة من حدث و يقول لقريش أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر فقدم رجل من المدينة فسأله صفوان عن عمير فقال أسلم فلعنه صفوان و لعنه المشركون بمكة و قالوا صبأ عمير و حلف صفوان ألا يكلمه أبدا و لا ينفعه و طرح عياله و قدم عمير فنزل في أهله و لم يأت صفوان و أظهر الإسلام فبلغ صفوان فقال قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله و قد كان رجل شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 156أخبي أنه ارتكس لا أكلمه من رأسي أبدا و لا أنفعه و لا عياله بنافعة أبدا(15/132)


فوقع عليه عمير و هو في الحجر فقال يا أبا وهب فأعرض صفوان عنه فقال عمير أنت سيد من ساداتنا أ رأيت الذي كنا عليه من عبادة حجر و الذبح له أ هذا دين أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فلم يجبه صفوان بكلمة و أسلم مع عمير بشر كثير. قال الواقدي و كان فتية من قريش خمسة قد أسلموا فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع أهلهم و قومهم إلى بدر و هم على الشك و الارتياب لم يخلصوا إسلامهم و هم قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة و الحارث بن زمعة بن الأسود و علي بن أمية بن خلف و العاص بن منبه بن الحجاج فلما قدموا بدرا و رأوا قلة أصحاب النبي ص قالوا غر هؤلاء دينهم ففيهم أنزل إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ثم أنزل فيهم إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها إلى تمام ثلاث آيات. قال فكتب بها المهاجرون بالمدينة إلى من أقام بمكة مسلما فقال جندب بن ضمرة الخزاعي لا عذر لي و لا حجة في مقامي بمكة و كان مريضا فقال لأهله أخرجوني لعلي أجد روحا قالوا أي وجه أحب إليك قال نعم التنعيم فخرجوا به إلى التنعيم و بين التنعيم و مكة أربعة أميال من طريق المدينة فقال اللهم إني خرجت إليك مهاجرا فأنزل الله تعالى وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ الآية فلما رأى ذلك من كان بمكة ممن يطيق الخروج خرجوا فطلبهم أبو سفيان في رجال من المشركين(15/133)


شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 157فردوهم و سجنوهم فافتتن منهم ناس و كان الذين افتتنوا إنما افتتنوا حين أصابهم البلاء فأنزل الله تعالى فيهم وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ اية و ما بعدها فكتب بها المهاجرون بالمدينة إلى من كان بمكة مسلما فلما جاءهم الكتاب بما أنزل فيهم قالوا اللهم إن لك علينا إن أفلتنا ألا نعدل بك أحدا فخرجوا الثانية فطلبهم أبو سفيان و المشركون فأعجزوهم هربا في الجبال حتى قدموا المدينة و اشتد البلاء على من ردوا من المسلمين فضربوهم و آذوهم و أكرهوهم على ترك الإسلام و رجع ابن أبي سرح مشركا فقال لقريش ما كان يعلم محمدا إلا ابن قمطة عبد نصراني لقد كنت أكتب له فأحول ما أردت فأنزل الله تعالى وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ الآية
القول في نزول الملائكة يوم بدر و محاربتها المشركين(15/134)


اختلف المسلمون في ذلك فقال الجمهور منهم نزلت الملائكة حقيقة كما ينزل الحيوان و الحجر من الموضع العالي إلى الموضع السافل. و قال قوم من أصحاب المعاني غير ذلك. و اختلف أرباب القول الأول فقال الأكثرون نزلت و حاربت و قال قوم منهم نزلت و لم تحارب و روى كل قوم في نصرة قولهم روايات. فقال الواقدي في كتاب المغازي حدثني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس قال سمعت ابن عباس يقول لما تواقف الناس أغمي على رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 158ص ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبرائيل في جند من الملائكة في ميمنة الناس و كائيل في جند آخر في ميسرة الناس و إسرافيل في جند آخر في ألف و كان إبليس قد تصور للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يذمر المشركين و يخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه و قال إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما ا تَرَوْنَ فتشبث به الحارث بن هشام و هو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث و انطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر و رفع يديه قائلا يا رب موعدك الذي وعدتني و أقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال و قال لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد و أصحابه سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه و لا يهولنكم مقتل عتبة و شيبة و الوليد فإنهم عجلوا و بطروا حين قاتلوا و ايم الله لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا و أصحابه في الجبال فلا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا و لكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم و رغبتهم عما كان يعبد آباؤهم. قال الواقدي و حدثني عتبة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه قال إن كنا لنسمع لإبليس يومئذ خوارا و دعاء بالثبور و الويل و تصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب فاقتحم البحر و رفع يديه مادا لهما يقول يا رب ما وعدتني و لقد كانت قريش بعد ذلك تعير(15/135)

12 / 150
ع
En
A+
A-