شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 171قالوا فكتب إليه ابن عباس أما بعد فإنك قد أكثرت علي و و الله لأن ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها و ذهبها و عقيانها و لجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم و السلام. و قال آخرون و هم الأقلون هذا لم يكن و لا فارق عبالله بن عباس عليا ع و لا باينه و لا خالفه و لم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع. قالوا و يدل على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل علي ع و قد ذكرناه من قبل قالوا و كيف يكون ذلك و لم يخدعه معاوية و يجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين ع و استمالهم إليه بالأموال فمالوا و تركوا أمير المؤمنين ع فما باله و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس و لا اجتذبه إلى نفسه و كل من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي ع و ما كان يلقاه به من قوارع الكلام و شديد الخصام و ما كان يثني به على أمير المؤمنين ع و يذكر خصائصه و فضائله و يصدع به من مناقبه و مآثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك بل كانت الحال تكون بالضد لما اشتهر من أمرهما. و هذا عندي هو الأمثل و الأصوب. و قد قال الراوندي المكتوب إليه هذا الكتاب هو عبيد الله بن العباس لا عبد الله شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 172و ليس ذلك بصحيح فإن عبيد الله كان عامل علي ع على اليمن و قد ذكرت قصته مع بسر بن أرطاة فيما تقدم و لم ينقل عنه أنه أخذالا و لا فارق طاعة. و قد أشكل علي أمر هذا الكتاب فإن أنا كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة فإنهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه و قد ذكر في أكثر كتب السير و إن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ع في حياته و بعد وفاته و إن صرفته إلى غيره لم أعلم(17/151)


إلى من أصرفه من أهل أمير المؤمنين ع و الكلام يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله و بني عمه فأنا في هذا الموضع من المتوقفين
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 42173- و من كتاب له ع إلى عمر بن أبي سلمة المخزوميو كان عامله على البحرين فعزله و استعمل النعمان بن عجلان الزرقي مكانه
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ النُّعْمَانَ بْنِ عَجْلَانَ الزُّرَقِيَّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَ نَزَعْتُ يَدَكَ بِلَا ذَمٍّ لَكَ وَ لَا تَثْرِيبٍ عَلَيْكَ فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلَايَةَ وَ أَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِينٍ وَ لَا مَلُومٍ وَ لَا مُتَّهَمٍ وَ لَا مَأْثُومٍ فَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ وَ إِقَامَةِ عَمُودِ الدِّينِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
عمر بن أبي سلمة و نسبه و بعض أخباره
أما عمر بن أبي سلمة فهو ربيب رسول الله ص و أبوه أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة يكنى أبا حفص ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة و قيل إنه كان يوم قبض رسول الله ص ابن تسع سنين و توفي في المدينة في خلافة عبد الملك سنة ثلاث و ثمانين و قد حفظ عن رسول الله ص الحديث و روى عنه سعيد بن المسيب و غيره ذكر شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 174ذلك كله ابن عبد البر في كتاب الإستيعابالنعمان بن عجلان و نسبه و بعض أخباره
و أما النعمان بن عجلان الزرقي فمن الأنصار ثم من بني زريق و هو الذي خلف على خولة زوجة حمزة بن عبد المطلب رحمه الله بعد قتله قال ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب كان النعمان هذا لسان الأنصار و شاعرهم و يقال إنه كان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العين إلا أنه كان سيدا و هو القائل يوم السقيفة(17/152)


و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم عتيق بن عثمان حلال أبا بكرو أهل أبو بكر لها خير قائم و إن عليا كان أخلق بالأمرو إن هوانا في علي و إنه لأهل لها من حيث يدرى و لا يدرى
قوله و لا تثريب عليك فالتثريب الاستقصاء في اللوم و يقال ثربت عليه و عربت عليه إذا قبحت عليه فعله. و الظنين المتهم و الظنة التهمة و الجمع الظنن يقول قد أظن زيد عمرا و الألف ألف وصل و الظاء مشددة و النون مشددة أيضا و جاء بالطاء المهملة أيضا أي اتهمه و في حديث ابن سيرين لم يكن علي ع يظن في قتل عثمان الحرفان مشددان و هو يفتعل من يظنن و أدغم قال الشاعر
و ما كل من يظنني أنا معتب و ما كل ما يروى علي أقول(17/153)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 43175- و من كتاب له ع إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني و كان عامله على أردشيرخرةبَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ ءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمَِ فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لَا تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا أَلَا وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْ ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ قد تقدم ذكر نسب مصقلة بن هبيرة و أردشيرخرة كورة من كور فارس. و اعتامك اختارك من بين الناس أصله من العيمة بالكسر و هي خيار المال اعتام المصدق إذا أخذ العيمة و قد روي فيمن اعتماك بالقلب و الصحيح شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 176المشهور الأول و روي و لتجدن بك دي هوانا بالباء و معناها اللام و لتجدن بسبب فعلك هوانك عندي و الباء ترد للسببية كقوله تعالى فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ. و المحق الإهلاك. و المعنى أنه نهى مصقلة عن أن يقسم الفي ء على أعراب قومه الذين اتذوه سيدا و رئيسا و يحرم المسلمين الذين حازوه بأنفسهم و سلاحهم و هذا هو الأمر الذي كان ينكره على عثمان و هو إيثار أهله و أقاربه بمال الفي ء و قد سبق شرح مثل ذلك مستوفى شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 44177- و من كتاب له ع إلى زياد ابن أبيهو قد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه(17/154)


وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَ يَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَ يَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَ نَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ وَ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَ النَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ شَهِدَ بِهَا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ لَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ
قال الرضي رحمه الله تعالى قوله ع الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا و النوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سيره(17/155)

119 / 150
ع
En
A+
A-