ذكرك و كثرنا مالك و أوطأنا الرجال عقبك. و وصف أعرابي عاملا خائنا فقال الناس يأكلون أماناتهم لقما و هو يحسوها حسوا. قال أنس بن أبي إياس الدؤلي لحارثة بن بدر الغداني و قد ولي سرق و يقال إنها لأبي الأسود
أ حار بن بدر قد وليت ولاية فكن جرذا فيها تخون و تسرق و لا تحقرن يا حار شيئا أصبته فحظك من ملك العراقين سرق و باه تميما بالغنى إن للغني لسانا به المرء الهيوبة ينطق فإن جميع الناس إما مكذب يقول بما تهوى و إما مصدق يقولون أقوالا و لا يتبعونها و إن قيل هاتققوا لم يحققوا
فيقال إنها بلغت حارثة بن بدر فقال أصاب الله به الرشاد فلم يعد بإشارته ما في نفسي(17/146)


شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 41167- و من كتاب له ع إلى بعض عمالهأَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي وَ بِطَانَتِي وَ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِي رَجُلٌ أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَ مُوَازَرَتِي وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ وَ الْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَ أَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَدْ فَتَكَتْ وَ شَغَرَتْ قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وَ خُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَ لَا الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَ تَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وَ عَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَ اخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَ أَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَ أُمِّكَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَ طَعَاماً وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَ تَشْرَبُ حَرَاماً وَ تَبْتَاعُ الْإِمَاءَ(17/147)


وَ تَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 168وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ ارْدُدإِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ فِيكَ وَ لَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ وَ وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَ لَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذُ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَ أُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلَالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّ رُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى وَ دُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى وَ عُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَ يَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ(17/148)


أشركتك في أمانتي جعلتك شريكا فيما قمت فيه من الأمر و ائتمنني الله عليه من سياسة الأمة و سمى الخلافة أمانة كما سمى الله تعالى التكليف أمانة في قوله إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ فأما قوله و أداء الأمانة إلي فأمر آخر و مراده بالأمانة الثانية ما يتعارفه الناس من قولهم فلان ذو أمانة أي لا يخون فيما أسند إليه. و كلب الزمان اشتد و كذلك كلب البرد. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 169و حرب العدو استأسد و خزيت أمانة الناس ذلت و هانت. و شغرت الأمة خلت من الخير و شغر البلد خلا من الناس. و قلبت له ظهر المجن إذا كنت معه فصرتليه و أصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو و كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو و بطون مجانهم إلى وجه عسكرهم فإذا فارقوا رئيسهم و صاروا مع العدو كان وضع مجانهم بدلا من الوضع الذي كان من قبل و ذلك أن ظهور الترسة لا يمكن أن تكون إلا في وجوه الأعداء لأنها مرمى سهامهم. و أمكنتك الشدة أي الحملة. قوله أسرعت الكرة لا يجوز أن يقال الكرة إلا بعد فرة فكأنه لما كان مقلعا في ابتداء الحال عن التعرض لأموالهم كان كالفار عنها فلذلك قال أسرعت الكرة. و الذئب الأزل الخفيف الوركين و ذلك أشد لعدوه و أسرع لوثبته و إن اتفق أن تكون شاة من المعزى كثيرة و دامية أيضا كان الذئب على اختطافها أقدر. و نقاش الحساب مناقشته. قوله فضح رويدا كلمة تقال لمن يؤمر بالتؤدة و الأناة و السكون و أصلها الرجل يطعم إبله ضحى و يسيرها مسرعا ليسير فلا يشبعها فيقال له ضح رويدا
اختلاف الرأي فيمن كتب له هذا الكتاب(17/149)


و قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب فقال الأكثرون إنه عبد الله بن العباس رحمه الله و رووا في ذلك روايات و استدلوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 170كقوله أشركتك في أمانتي و جعلتك بطانتي و شعاري و أنه لم يكن في أهلي رجل أوثمنك و قوله على ابن عمك قد كلب ثم قال ثانيا قلبت لابن عمك ظهر المجن ثم قال ثالثا و لابن عمك آسيت و قوله لا أبا لغيرك و هذه كلمة لا تقال إلا لمثله فأما غيره من أفناء الناس فإن عليا ع كان يقول لا أبا لك. و قوله أيها المعدود كان عندنا من أولي الألباب و قوله لو أن الحسن و الحسين ع و هذا يدل على أن المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده. و قد روى أرباب هذا القول أن عبد الله بن عباس كتب إلى علي ع جوابا من هذا الكتاب قالوا و كان جوابه أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة و لعمري أن حقي في بيت المال أكثر مما أخذت و السلام. قالوا
فكتب إليه علي ع أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل واحد من المسلمين فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم و يحل لك المحرم إنك لأنت المهتدي السعيد إذا و قد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة و المدينة و الطائف تختارهن على عينك و تعطي فيهن مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك و تب إلى الله ربك و أخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت و تترك ما جمعت و تغيب في صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد قد فارقت الأحباب و سكنت التراب و واجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت و السلام(17/150)

118 / 150
ع
En
A+
A-