أم حارثة بن سراقة فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 148ثم أمرهما فنضحتا في جيوبهما ثم رجعتا من عند النبي ص و ما بالمدينة امرأتان أقر عينا منهما و لا أسر. قال الواقدي وان حكيم بن حزام يقول انهزمنا يوم بدر فجعلت أسعى و أقول قاتل الله ابن الحنظلية يزعم أن النهار قد ذهب و الله إن النهار لكما هو قال حكيم و ما ذا بي إلا حبا أن يأتي الليل فيقصر عنا طلب القوم فيدرك حكيم عبيد الله و عبد الرحمن بني العوام على جمل لهما فقال عبد الرحمن لأخيه انزل فاحمل أبا خالد و كان عبيد الله رجلا أعرج لا رجلة به فقال عبيد الله إنه لا رجلة بي كما ترى و قال عبد الرحمن و الله أن منه لا بد ألا نحمل رجلا إن متنا كفانا ما خلفنا من عيالنا و إن عشنا حملنا كلنا فنزل عبد الرحمن و أخوه الأعرج فحملاه فكانوا يتعاقبون الجمل فلما دنا من مكة و كان بمر الظهران قال و الله لقد رأيت هاهنا أمرا ما كان يخرج على مثله أحد له رأي و لكنه شؤم ابن الحنظلية إن جزورا نحرت هاهنا فلم يبق خباء إلا أصابه من دمها فقالا قد رأينا ذلك و لكن رأيناك و قومك قد مضيتم فمضينا معكم و لم يكن لنا معكم أمر. قال الواقدي فحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن مخلد بن خفاف عن أبيه قال كانت الدروع في قريش كثيرة يومئذ فلما انهزموا جعلوا يلقونها و جعل المسلمون يتبعونهم و يلقطون ما طرحوا و لقد رأيتني يومئذ التقطت ثلاث أدرع جئت بها أهلي فكانت عندنا بعد فزعم لي رجل من قريش و رأى درعا منها عندنا فعرفها قال هذه درع الحارث بن هشام. قال الواقدي و حدثني محمد بن حميد عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزما و إنه ليقول في نفسه ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء.(15/126)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 149قال الواقدي كان قباث بن أشيم الكناني يقول شهدت مع المشركين بدرا و إني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني و كثرة من معنا من الخيل و الرجل فانهزمت فيمن انهزم فلقد رأيتني و إني لأنظر إلى المشركين في كل وجه و إني لأقول في نفسي ماأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء و صاحبني رجل فبينا هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا فقلت لصاحبي أ بك نهوض قال لا و الله ما بي قال و عقر و ترفعت فلقد صبحت غيقة قال و غيقة عن يسار السقيا بينها و بين الفرع ليلة و بين الفرع و المدينة ثمانية برد قبل الشمس كنت هاديا بالطريق و لم أسلك المحاج و خفت من الطلب فتنكبت عنها فلقيني رجل من قومي بغيقة فقال ما وراءك قلت لا شي ء قتلنا و أسرنا و انهزمنا فهل عندك من حملان قال فحملني على بعير و زودني زادا حتى لقيت الطريق بالجحفة ثم مضيت حتى دخلت مكة و إني لأنظر إلى الحيسمان ب حابس الخزاعي بالغميم فعرفت أنه تقدم ينعى قريشا بمكة فلو أردت أن أسبقه لسبقته فتنكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار فقدمت و قد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم و هم يلعنون الخزاعي و يقولون ما جاءنا بخير فمكثت بمكة فلما كان بعد الخندق قلت لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد و قد وقع في قلبي الإسلام فقدمت المدينة فسألت عن رسول الله ص فقالوا هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه فأتيته و أنا لا أعرفه من بينهم فسلمت فقال يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء قلت أشهد أنك رسول الله و أن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط و ما ترمرمت به إلا شيئا حدثت به نفسي فلو لا أنك نبي ما أطلعك الله عليه هلم حتى أبايعك فأسلمت شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 150قال الواقدي و قد روي أنه لما توجه المشركون إلى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم بمكة سمارا يسمرون بذي طوى فالقمر حتى يذهب الليل يتناشدون الأشعار و يتحدثون فبينا هم كذلك إذ(15/127)
سمعوا صوتا قريبا منهم و لا يرون القائل رافعا صوته يتغنى
أزاد الحنيفيون بدرا مصيبة سينقض منها ركن كسرى و قيصراأرنت لها صم الجبال و أفزعت قبائل ما بين الوتير فخيبراأجازت جبال الأخشبين و جردت حرائر يضربن الترائب حسرا
قال الواقدي أنشدنيه و رواه لي عبد الله بن أبي عبيدة عن محمد بن عمار بن ياسر قال فاستمعوا الصوت فلا يرون أحدا فخرجوا في طلبه فلم يروا أحدا فخرجوا فزعين حتى جازوا الحجر فوجدوا مشيخة منهم جلة سمارا فأخبروهم الخبر فقالوا لهم إن كان ما تقولون فإن محمدا و أصحابه يسمون الحنيفية قال فلم يبق أحد من الفتيان الذين كانوا بذي طوى إلا وعك فما مكثوا إلا ليلتين أو ثلاثا حتى قدم الحيسمان الخزاعي بخبر أهل بدر و من قتل منهم فجعل يخبرهم فيقول قتل عتبة و شيبة ابنا ربيعة و قتل ابنا الحجاج و أبو البختري و زمعة بن الأسود قال و صفوان بن أمية في الحجر جالس يقول لا يعقل هذا شيئا مما يتكلم به سلوه عني فقالوا صفوان بن أمية لك به علم قال نعم هو ذاك في الحجر و لقد رأيت أباه و أخاه مقتولين و رأيت سهيل بن عمرو و النضر بن الحارث أسيرين رأيتهما مقرونين في الحبال. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 1قال الواقدي و بلغ النجاشي مقتل قريش و ما ظفر الله به رسوله فخرج في ثوبين أبيضين ثم جلس على الأرض و دعا جعفر بن أبي طالب و أصحابه فقال أيكم يعرف بدرا فأخبروه فقال أنا عارف بها قد رعيت الغنم في جوانبها هي من الساحل على بعض نهار و لكني أردت أن أتثبت منكم قد نصر الله رسوله ببدر فاحمدوا الله على ذلك فقال بطارقته أصلح الله الملك إن هذا شي ء لم تكن تصنعه يريدون لبس البياض و الجلوس على الأرض فقال إن عيسى ابن مريم كان إذا حدثت له نعمة ازداد بها تواضعا. قال الواقدي فلما رجعت قريش إلى مكة قام فيهم أبو سفيان بن حرب فال يا معشر قريش لا تبكوا على قتلاكم و لا تنح عليهم نائحة و لا يندبهم شاعر و أظهروا الجلد و العزاء فإنكم إذا(15/128)
نحتم عليهم و بكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم فأكلكم ذلك عن عداوة محمد و أصحابه مع أن محمدا إن بلغه و أصحابه ذلك شمتوا بكم فتكون أعظم المصيبتين و لعلكم تدركون ثأركم فالدهن و النساء علي حرام حتى أغزو محمدا فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر و لا تنوح عليهم نائحة. قال الواقدي و كان الأسود بن المطلب قد ذهب بصره و قد كمد على من قتل من ولده و كان يحب أن يبكي عليهم فتأبى عليه قريش ذلك فكان يقول لغلامه بين اليومين ويلك احمل معي خمرا و اسلك بي الفج الذي سلكه أبو حكيمة يعني زمعة ولده المقتول ببدر فيأتي به غلامه على الطريق عند ذلك الفج فيجلس فيسقيه الخمر شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 152حتى ينتشي ثم يبكي على أبي حكيمة و إخوته ثم يحثي التراب على رأسه و يقول لغلامه ويحك تم علي فإني أكره أن تعلم بي قريش إني أراها لم تجمع البكاء على قتلاها. قال الواقدي حدثني مصعب بن ثابت عن عيسى بن معمر عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت قالت قريش حين رجعوا إلى مكة لا تبكوا على قتلاكم فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بكم و لا تبعثوا في أسراكم فيأرب بكم القوم ألا فأمسكوا عن البكاء. قال و كان الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة من ولده زمعة و عقيل و الحارث بن زمعة فكان يحب أن يبكي على قتلاه فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلامه و قد ذهب بصره انظر هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق فذهب الغلام و رجع إليه فقال إنما هي امرأة تبكي على بعيرها قد أضلته فقال الأسود
تبكي أن يضل لها بعير و يمنعها من النوم السهودفلا تبكي على بكر و لكن على بكر تصاغرت الخدودفبكى إن بكيت على عقيل و بكى حارثا أسد الأسودو بكيهم و لا تسمي جميعا فما لأبي حكيمة من نديد(15/129)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 153على بدر سراة بني هصيص و مخزوم و رهط أبي الوليدألا قد ساد بعدهم رجال و لو لا يوم بدر لم يسودوقال الواقدي و مشت نساء من قريش إلى هند بنت عتبة فقلن أ لا تبكين على أبيك و أخيك و عمك و أهل بيتك فقالت حلأني أن أبكيهم فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بنا و نساء بني الخزرج لا و الله حتى أثأر محمدا و أصحابه و الدهن علي حرام إن دخل رأسي حتى نغزو محمدا و الله لو أعلم أن الحزن يذهب عن قلبي لبكيت و لكن لا يذهبه إلا أن أرى ثأري بعيني من قتلة الأحبة فمكثت على حالها لا تقرب الدهن و لا قربت فراش أبي سفيان من يوم حلفت حتى كانت وقعة أحد. قال الواقدي و بلغ نوفل بن معاوية الديلي و هو في أهله و قد كان شهد معهم بدرا أن قريشا بكت على قتلاها فقدم مكة فقال يا معشر قريش لقد خفت أحلامكم و سفه رأيكم و أطعتم نساءكم أ مثل قتلاكم يبكى عليهم هم أجل من البكاء مع أن ذلك يذهب غيظكم عن عداوة محمد و أصحابه فلا ينبغي أن يذهب الغيظ عنكم إلا أن تدركوا ثأركم من عدوكم فسمع أبو سفيان بن حرب كلامه فقال يا أبا معاوية غلبت و الله ما ناحت امرأة من بني عبد شمس على قتيل لها إلى اليوم و لا بكاهم شاعر إلا نهيته حتى ندرك ثأرنا من محمد و أصحابه و إني لأنا الموتور الثائر قتل ابني حنظلة و سادة أهل هذا الوادي أصبح هذا الوادي مقشعرا لفقدهم. قال الواقدي و حدثني معاذ بن محمد الأنصاري عن عاصم بن عمر بن قتادة قال لما رجع المشركون إلى مكة و قد قتل صناديدهم و أشرافهم أقبل عمير بن وهب بن عمير الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان بن أمية قبح العيش شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 154بعد قتلى بدر قال عمير بنهب أجل و الله ما في العيش بعدهم خير و لو لا دين علي لا أجد له قضاء و عيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن ملأت عيني منه فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق فإن لي عندهم علة أقول قدمت على ابني(15/130)