وَ إِلَيْهِ رَغْبَتُكَ وَ مِنْهُ شَفَقَتُكَ وَ اعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَلَيْهِ نَبِيُّنَا ص فَارْضَ بِهِ رَائِداً وَ إِلَى النَّجَاةِ قَائِداً فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً وَ إِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ وَ إِنِ اجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ
عاد إلى أمره باتباع الرسول ص و أن يعتمد على السمع و ما وردت به الشريعة و نطق به الكتاب و قال له إن أحدا لم يخبر عن الله تعالى كما أخبر عنه نبينا ص و صدق ع فإن التوراة و الإنجيل و غيرهما من كتب أنبياء بني إسرائيل لم تتضمن من الأمور الإلهية ما تضمنه القرآن و خصوصا في أمر المعاد فإنه في أحد الكتابين مسكوت عنه و في الآخر مذكور ذكرا مضطربا و الذي كشف هذا القناع في هذا المعنى و صرح بالأمر هو القرآن ثم ذكر له أنه أنصح له من كل أحد و أنه ليس يبلغ و إن اجتهد في النظر لنفسه ما يبلغه هو ع له لشدة حبه له و إيثاره مصلحته و قوله لم آلك نصحا لم أقصر في نصحك ألى الرجل في كذا يألو أي قصر فهو آل و الفعل لازم و لكنه حذف اللام فوصل الفعل إلى الضمير فنسبه و كان أصله لا آلو لك نصحا و نصحا منصوب على التمييز و ليس كما قاله الراوندي إن انتصابه على أنه مفعول ثان فإنه إلى مفعول واحد لا يتعدى فكيف إلى اثنين شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 77و يقول هذه امرأة آلية أي مقصرة و جمعها أوال و في المثل إلا حظية فلا ألية أصله في المرأة تصلف عند بعلها فتوصي حيث فاتتها الحظوة ألا تألوه في التودد إليه و التحبب إلى قلبه. قوله و منه شفقتك أي خوفك. و رائأصله الرجل يتقدم القوم فيرتاد بهم المرعى(17/66)


وَ اعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ وَ لَرَأَيْتَ آثَارَ مِلْكِهِ وَ سُلْطَانِهِ وَ لَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَ صِفَاتَهُ وَ لَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ لَا يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ وَ لَا يَزُولُ أَبَداً وَ لَمْ يَزَلْ أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ وَ آخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ عَظُمَ أَنْ تُثْبَتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ وَ قِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ وَ كَثْرَةِ عَجْزِهِ و عَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ وَ الرَّهِينَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَ الْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَ الشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ وَ لَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ(17/67)


يمكن أن يستدل بهذا الكلام على نفي الثاني من وجهين أحدهما أنه لو كان في الوجود ثان للبارئ تعالى لما كان القول بالوحدانية حقا بل كان الحق هو القول بالتثنية و محال ألا يكون ذلك الثاني حكيما و لو كان الحق هو شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 78إثبات ثان حكيم لوجب أيبعث رسولا يدعو المكلفين إلى التثنية لأن الأنبياء كلهم دعوا إلى التوحيد لكن التوحيد على هذا الفرض ضلال فيجب على الثاني الحكيم أن يبعث من ينبه المكلفين على ذلك الضلال و يرشدهم إلى الحق و هو إثبات الثاني و إلا كان منسوبا في إهمال ذلك إلى السفه و استفساد المكلفين و ذلك لا يجوز و لكنا ما أتانا رسول يدعو إلى إثبات ثان في الإلهية فبطل كون القول بالتوحيد ضلالا و إذا لم يكن ضلالا كان حقا فنقيضه و هو القول بإثبات الثاني باطل الوجه الثاني أنه لو كان في الوجود ثان للقديم تعالى لوجب أن يكون لنا طريق إلى إثباته إما من مجرد أفعاله أو من صفات أفعاله أو من صفات نفسه أو لا من هذا و لا من هذا فمن التوقيف. و هذه هي الأقسام التي ذكرها أمير المؤمنين ع لأن قوله أتتك رسله هو التوقيف و قوله و لرأيت آثار ملكه و سلطانه هي صفات أفعاله و قوله و لعرفت أفعاله و صفاته هما القسمان الآخران. أما إثبات الثاني من مجرد الفعل فباطل لأن الفعل إنما يدل على فاعل و لا يدل على التعدد و أما صفات أفعاله و هي كون أفعاله محكمة متقنة فإن الأحكام الذي نشاهده إنما يدل على عالم و لا يدل على التعدد و أما صفات ذات البارئ فالعلم بها فرع على العلم بذاته فلو أثبتنا ذاته بها لزم الدور. و أما التوقيف فلم يأتنا رسول ذو معجزة صحيحة يدعونا إلى الثاني و إذا بطلت الأقسام كلها و قد ثبت أن ما لا طريق إلى إثباته لا يجوز إثباته بطل القول بإثبات الثاني. ثم قال لا يضاده في ملكه أحد ليس يريد بالضد ما يريده المتكلمون من نفي ذات هي معاكسة لذات البارئ تعالى في صفاتها كمضادة السواد للبياض بل(17/68)


مراده نفي الثاني لا غير فإن نفي الضد بحث آخر لا دخول له بين هذا الكلام. شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 79ثم ذكر له أن البارئ تعالى قديم سابق للأشياء لا سبقا له حد محدود و أول معين بل لا أول له مطلق ثم قال و هو مع هذا آخر الأشياء آخرية مطلقة ليس تنتهي إلى غاية معينة. ثم ذكر أن له ربوبية جلت عن أن تحيط بها الأبصار و العقول. و قد سبق منا خوض في هذا المعنى و ذكرنا من نظمنا في هذا النمط أشياء لطيفة و نحن نذكر هاهنا من نظمنا أيضا في هذا المعنى و في فننا الذي اشتهرنا به و هو المناجاة و المخاطبة على طريقة أرباب الطريقة ما لم نذكره هناك فمن ذاك قولي
فلا و الله ما وصل ابن سينا و لا أغنى ذكاء أبي الحسين و لا رجعا بشي ء بعد بحث و تدقيق سوى خفي حنين لقد طوفت أطلبكم و لكن يحول الوقت بينكم و بيني فهل بعد انقضاء الوقت أحظى بوصلكم غدا و تقر عيني منى عشنا بها زمنا و كانت تسوفنا بصدق أو بمين فإن أكدت فذاكديني و إن أجدت فذاك حلول ديني
و منها
أ مولاي قد أحرقت قلبي فلا تكن غدا محرقا بالنار من كان يهواكاأ تجمع لي نارين نار محبة و نار عذاب أنت أرحم من ذاكا
و منها
قوم موسى تاهوا سنين كما قد جاء في النص قدرها أربعوناو لي اليوم تائها في جوى من لا أسمي و حبه خمسوناقل لأحبابنا إلام نروم الوصل منكم و أنتم تمنعونا شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 80كم نناجيكم فلا ترشدونا و نناديكم فلا تسمعوناحسبنا علمكم بأنا مواليكم و إن كنتم لنا كارهينافعسى تدرك السعادة أرباب المعاصي فيصبحوا فائزينو منها و الله ما آسى من الدنيا على مال و لا ولد و لا سلطان بل في صميم القلب مني حسرة تبقى معي و تلف في أكفاني إني أراك بباطني لا ظاهري فالحسن مشغلة عن العرفان يا من سهرت مفكرا في أمره خمسين حولا دائم الجولان فرجعت أحمق من نعامة بيهس و أضل سعيا من أبي غبو منها(17/69)


و حقك إن أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبه و أفنيت عمري في علوم دقيقة و ما بغيتي إلا رضاه و قربه هبوني مسيئا أوتغ الحلم جهله و أوبقه بين البرية ذنبه أ ما يقتضي شرع التكرم عتقه أ يحسن أن ينسى هواه و حبه أ ما كان ينوي الحق فيما يقوله أ لم تنصر حيد و العدل كتبه أ ما رد زيغ ابن الخطيب و شكه و إلحاده إذ جل في الدين خطبه أ ما قلتم من كان فينا مجاهدا سيكرم مثواه و يعذب شربه و نهديه سبلا من هدانا جهاده و يدخله خير المداخل كسبه فأي اجتهاد فوق ما كان صانعا و قد أحرقت زرق الشياطين شهبه و ما نال قلب جيش محمد كما نال من أهل الضلالة قلبه
شرح نهج البلاغة ج : 16 ص : 81فإن تصفحوا يغنم و إن تتجرموا فتعذيبكم حلو المذاقة عذبه و آية صدق الصب أن يعذب الأذى إذ كان من يهوى عليه يصو منها إذا فكرت فيك يحار عقلي و ألحق بالمجانين الكبارو أصحو تارة فيشوب ذهني و يقدح خاطري كشواظ نارفيا من تاهت العقلاء فيه فأمسوا كلهم صرعى عقارو يا من كاعت الأفكار عنه فآبت بالمتاعب و الخسارو يا من ليس يعلمه نبي و لا ملك و لا يدريه دارو يا من ليس قداما و خلفا و لا جهة اليمين و لا اليسارو لا فوق السماء و لا تدلى من الأرضين في لجج البحارو يا من أمره من ذاك أجلى من ابن ذكاء أو صبح النهارسألتك باسمك المكتوم إلا فككت النفس من رق الإساروجدت لها بما تهوى فأنت العليم بباطن اللغز الضمار
و منها(17/70)

102 / 150
ع
En
A+
A-