مسعود فوجدته في آخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت الحمد لله الذي أخزاك قال إنما أخزى الله العبد ابن أم عبد لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا لمن الدبرة قلت لله و لرسوله قال ابن مسعود فأقلع بيضته عن قفاه و قلت إني قاتلك قال لست بأول عبد قتل سيده أما إن أشد ما لقيته اليوم لقتلك إياي ألا يكون ولي قتلي رجل من الأحلاف أو من المطيبين قال فضربه عبد الله ضربة وقع رأسه بين يديه ثم سلبه و أقبل بسلاحه و درعه و بيضته فوضعها بين يدي رسول الله ص فقال أبشر يا نبي الله بقتل عدو الله أبي جهل فقال رسول الله أ حقا يا عبد الله فو الذي نفسي بيده لهو أحب إلي من حمر النعم أو كما قال ثم قال إنه أصابه جحش من دفع دفعته في مأدبة ابن جدعان فجحشت ركبته فالتمسوه فوجدوا ذلك الأثر. قال الواقدي و روي أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي كان عند النبي ص تلك الساعة فوجد في نفسه و أقبل على ابن مسعود و قال أنت قتلته قال نعم الله قتله قال أبو سلمة أنت وليت قتله قال نعم قال لو شاء لجعلك في كمه فقال ابن مسعود فقد و الله قتلته و جردته فقال أبو سلمة فما علامته قال شامة سوداء ببطن فخذه اليمنى فعرف أبو سلمة النعت فقال أ جردته و لم يجرد قرشي غيره فقال شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 143ابن مسعود إنه و الله لم يكن في قريش و لا في حلفائها أحد أعدى لله و لا لرسوله منه و ما أعتذر من شي ء صنعته به فأمسك أبو سلمة. قال الواقدي سمع أبو سلمة بعد ذلك غفر الله من كلامه في أبي جهل و قال اللهم إنك قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك قال و كان عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول سيف أبي جهل عندنا محلى بفضة غنمه عبد الله بن مسعود يومئذ. قال الواقدي اجتمع قول أصحابنا أن معاذ بن عمرو و ابني عفراء أثبتوه و ضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق فكل شرك في قتله. قال الواقدي و(15/121)


قد روي أن رسول الله ص وقف على مصرع ابني عفراء فقال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة و رأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله و من قتله معهما قال الملائكة و ذفف عليه ابن مسعود فكان قد شرك في قتله
قال الواقدي و حدثني معمر عن الزهري قال قال رسول الله ص يوم بدر اللهم اكفني نوفل بن العدوية و هو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى و أقبل نوفل يومئذ يصيح و هو مرعوب قد رأى قتل أصحابه و كان في أول ما التقوا هم و المسلمون يصيح بصوت له زجل رافعا عقيرته يا معشر قريش إن هذا اليوم يوم العلاء و الرفعة فلما رأى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالأنصار ما حاجتكم إلى دمائنا أ ما ترون من تقتلون أ ما لكم في اللبن من حاجة فأسره جبار بن صخر فهو يسوقه أمامه فجعل نوفل يقول لجبار و رأى عليا ع مقبلا نحوه يا أخا الأنصار من هذا و اللات و العزى إني لأرى رجلا إنه ليريدني قال شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 144جبار هذا علي بن أبي طالب قال نوفل تالله ما رأيت كاليوم رجلا أسرع في قومه فصمد له علي ع فيضربه فينشب سيف علي في حجفته ساعة ثم ينزعه فيضرب به ساقيه و درعه مشتمرة فيقطعها ثم أجهز عليفقتله فقال رسول الله ص من له علم بنوفل بن خويلد قال علي ع أنا قتلته فكبر رسول الله ص و قال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه(15/122)


قال الواقدي و أقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فالتقى هو و علي ع و قتله علي فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ما لي أراك معرضا تظن أني قتلت أباك فقال سعيد لو قتلته لكان على الباطل و كنت على الحق قال فقال عمر إن قريشا أعظم الناس أحلاما و أكثرها أمانة لا يبغيهم أحد الغوائل إلا كبه الله لفيه. قال الواقدي و روي أن عمر قال لسعيد بن العاص ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك يوم بدر و إن كنت لا أعتذر من قتل مشرك لقد قتلت خالي بيدي العاص بن هاشم بن المغيرة. و نقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان و سعيد بن العاص حضرا عند عمر في أيام خلافته فجلس سعيد بن العاص حجرة فنظر إليه عمر فقال ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك إني لم أقتله و لكنه قتله أبو حسن و كان علي ع حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه و محا الإسلام ما قبله فلما ذا تهاج شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 145القلوب فسكت عمر و قال سعيد لقد قتله كف ء كريم و هو أحب إلي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف قال الواقدي و كان علي ع يحدث فيقول إني يومئذ بعد ما متع النهار و نحن و المشركون قد اختلطت صفوفنا و صفوفهم خرجت في إثر رجل منهم فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل و سعد بن خيثمة و هما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة و المشرك مقنع في الحديد و كان فارسا فاقتحم عن فرسه فعرفني و هو معلم فناداني هلم يا ابن أبي طالب إلى البراز فعطفت إلى البراز فعطفت عليه فانحط إلي مقبلا و كنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل إلي كرهت أن يعلوني فقال يا ابن أبي طالب فررت فقلت قريبا مفر ابن الشتراء فلما استقرت قدماي و ثبت أقبل فاتقيت فلما دنا مني ضربني بالدرقة فوقع سيفه فلحج فأضربه على عاتقه و هو دارع فارتعش و لقد قط سيفي درعه فظننت أن سيفي سيقتله فإذا بريق سيف من ورائي فطأطأت رأسي و يقع السيف فأطن قحف رأسه بالبيضة و هو(15/123)


يقول خذها و أنا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو حمزة عمي و المقتول طعيمة بن عدي
قلت في رواية محمد بن إسحاق بن يسار أن طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب ع ثم قال و قيل قتله حمزة. و في رواية الشيعة قتله علي بن أبي طالب شجره بالرمح فقال له و الله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا و هكذا روى محمد بن إسحاق. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 146
روى محمد بن إسحاق قال و خرج النبي ص من العريش إلى الناس ينظر القتال فحرض المسلمين و قال كل امرئ بما أصاب و قال و الذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل في جملة فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة
فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة و في يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني و بين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده و أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل قال محمد بن إسحاق و حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة أن عوف بن الحارث و هو ابن عفراء قال لرسول الله ص يوم بدر يا رسول الله ص ما يضحك الرب من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فنزع عوف درعا كانت عليه و قذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
قال الواقدي و ابن إسحاق و أخذ رسول الله ص كفا من البطحاء فرماهم بها و قال شاهت الوجوه اللهم أرعب قلوبهم و زلزل أقدامهم(15/124)


فانهزم المشركون لا يلوون على شي ء و المسلمون يتبعونهم يقتلون و يأسرون. قال الواقدي و كان هبيرة بن أبي وهب المخزومي لما رأى الهزيمة انخزل ظهره فعقر فلم يستطع أن يقوم فأتاه أبو أسامة الجشمي حليفه ففتق درعه و احتمله و يقال ضربه أبو داود المازني بالسيف فقطع دعه و وقع لوجهه و أخلد إلى الأرض و جاوزه أبو داود و بصر به ابنا زهير الجشميان مالك و أبو أسامة و هما حليفاه فذبا عنه حتى نجوا به و احتمله أبو أسامة و مالك يذب عنه حتى خلصاه فقال رسول الله ص حماه كلباه الحليفان. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 147قال الواقدي و ثني عمر بن عثمان عن عكاشة بن محصن قال انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله ص عودا فإذا هو سيف أبيض طويل فقاتلت به حتى هزم الله المشركين و لم يزل ذلك السيف عند عكاشة حتى هلك. قال و قد روى رجال من بني عبد الأشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله ص قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. قال الواقدي و أصاب حارثة بن سراقة و هو يكرع في الحوض سهم غرب من المشركين فوقع في نحره فمات فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه و بلغ أمه و أخته و هما بالمدينة مقتله فقالت أمه و الله لا أبكي عليه حتى يقدم رسول الله ص فأسأله فإن كان في الجنة لم أبك عليه و إن كان في النار بكيته لعمر الله فأعولته فلما قدم رسول الله ص من بدر جاءت أمه إليه فقالت يا رسول الله قد عرفت موضع حارثة في قلبي فأردت أن أبكي عليه ثم قلت لا أفعل حتى أسأل رسول الله ص عنه فإن كان في الجنة لم أبكه و إن كان في النار بكيته فأعولته فقال النبي ص هبلت أ جنة واحدة إنها جنان كثيرة و الذي نفسي بيده إنه لفي الفردوس الأعلى قالت فلا أبكي عليه أبدا. قال الواقدي و دعا رسول الله ص حينئذ بماء في إناء فغمس يده فيه و مضمض فاه ثم ناول(15/125)

10 / 150
ع
En
A+
A-