مفعول به أي أوطئوكم طعنا و حزا كقولك أوطأته نارا و أوطأته عشوة و يكون لإثخان الجراحة مفعولا له أي أوطئوكم الطعن ليثخنوا جراحكم و ينبغي أن يكون قصدا و سوقا خالصين للمصدرية لأنه يبعد أن يكون مفعولا به. و اعلم أنه لما ذكر الطعن نسبه إلى العيون و لما ذكر الحز و هو الذبح نسبه إلى الحلوق و لما ذكر الدق و هو الصدم الشديد أضافه إلى المناخر و هذا من صناعة الخطابة التي علمه الله إياها بلا تعليم و تعلمها الناس كلهم بعده منه. و الخزائم جمع خزامة و هي حلقة من شعر تجعل في وتره أنف البعير فيشد فيها الزمام. و تقول قد ورى الزند أي خرجت ناره و هذا الزند أورى من هذا أي أكثر إخراجا للنار يقول فأصبح الشيطان أضر عليكم و أفسد لحالكم من أعدائكم الذين أصبحتم مناصبين لهم أي معادين و عليهم متألبين أي مجتمعين. فإن قلت أما أعظم في الدين حرجا فمعلوم فأي معنى لقوله و أورى في دنياكم قدحا و هل يفسد إبليس أمر الدنيا كما يفسد أمر الدين قلت نعم لأن أكثر القبائح الدينية مرتبطة بالمصالح و المفاسد الدنيوية أ لا ترى أنه إذا أغرى السارق بالسرقة أفسد حال السارق من جهة الدين و حال المسروق منه من جهة الدنيا(14/176)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 144و كذلك القول في الغصب و القتل و ما يحدث من مضار الشرور الدنيوية من اختلاط الأنساب و اشتباه النسل و ما يتولد من شرب الخمر و السكر الحاصل عنها من أمور يحدثها السكران خبطا بيده و قذفا بلسانه إلى غير ذلك من أمثال هذه الأمور و أاهها. قوله ع فاجعلوا عليه حدكم أي شباتكم و بأسكم. و له جدكم من جددت في الأمر جدا أي اجتهدت فيه و بالغت. ثم ذكر أنه فخر على أصل بني آدم يعني أباهم آدم ع حيث امتنع من السجود له و قال أنا خير منه. و وقع في حسبكم أي عاب حسبكم و هو الطين فقال إن النار أفضل منه و دفع في نسبكم مثله و أجلب بخيله عليكم أي جمع خيالته و فرسانه و ألبها. و يقتنصونكم يتصيدونكم و البنان أطراف الأصابع و هو جمع واحدته بنانة و يجمع في القلة على بنانات و يقال بنان مخضب لأن كل جمع ليس بينه و بين واحدة إلا الهاء فإنه يذكر و يوحد. و الحومة معظم الماء و الحرب و غيرهما و موضع هذا الجار و المجرور نصب على الحال أي يقتنصونكم في حومة ذل. و الجولة الموضع الذي تجول فيه. و كمن في قلوبكم استتر و منه الكمين في الحرب. و نزغات الشيطان وساوسه التي يفسد بها و نفثاته مثله. قوله و اعتمدوا وضع التذلل على رءوسكم و إلقاء التعزز تحت أقدامكم كلام شريف جليل المحل و كذلك قوله ع و اتخذوا التواضع مسلحة بينكم و بين عدوكم إبليس و جنوده و المسلحة خيل معدة للحماية و الدفاع. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 145ثم نهاهم أن يكونوا كقابيل الذي حسد أخاه هابيل فقتله و هما أخوان لأب و أم إنما قال ابن أمه فذكر الأم دون الأب لأن الأخوين من الأم أشد حنوا و محبة و التصاقا من الأخوين من الأب لأن الأم هي ذات الحضانة و التربية. و قوله من غير ما فضل ما هاهنا زائدة و تعطي معنى التأكيد نهاهم ع أن يحسدوا النعم و أن يبغوا و يفسدوا في الأرض فإن آدم لما أمر ولده بالقربان قرب قابيل شر ماله و كان كافرا و قرب هابيل خير(14/177)
ماله و كان مؤمنا فتقبل الله تعالى من هابيل و أهبط من السماء نارا فأكلته قالوا لأنه لم يكن في الأرض حينئذ فقير يصل القربان إليه فحسده قابيل و كان أكبر منه سنا فقال لأقتلنك قال هابيل إنما يتقبل الله من المتقين أي بذنبك و جرمك كان عدم قبول قربانك لانسلاخك من التقوى فقتله فأصبح نادما لا ندم التوبة بل ندم الحير و رقة الطبع البشري و لأنه تعب في حمله كما ورد في التنزيل أنه لم يفهم ما ذا يصنع به حتى بعث الله الغراب. قوله ع و ألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة لأنه كان ابتدأ بالقتل و من سن سنة شر كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة كما أن من سن سنة خير كان له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن الروايات اختلفت في هذه الواقعة فروى قوم أن الرجلين كانا من بني إسرائيل و ليسا من ولد آدم لصلبه و الأكثرون خالفوا في ذلك. ثم اختلف الأكثرون فروى قوم أن القربان من قابيل و هابيل كان ابتداء و الأكثرون قالوا بل أراد آدم ع أن يزوج هابيل أخت قابيل توأمته و يزوج شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 146قابيل أخت هاب توأمته فأبى قابيل لأن توأمته كانت أحسن فأمرهما أبوهما بالقربان فمن تقبل قربانه نكح الحسناء فتقبل قربان هابيل فقتله أخوه كما ورد في الكتاب العزيز. و
روى الطبري مرفوعا أنه ص قال ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم ع الأول كفل منها و ذلك بأنه أول من سن القتل
و هذا يشيد قول أمير المؤمنين ع(14/178)
أَلَا وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي الْبَغْيِ وَ أَفْسَدْتُمْ فِي الْأَرْضِ مُصَارَحَةً لِلَّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ وَ مُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْمُحَارَبَةِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ وَ فَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَلَاقِحُ الشَّنَئَانِ وَ مَنَافِخُ الشَّيْطَانِ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ وَ الْقُرُونَ الْخَالِيَةَ حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِي ضَلَالَتِهِ ذُلُلًا عَنْ سِيَاقِهِ سُلُساً فِي قِيَادِهِ أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيهِ وَ تَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَيْهِ وَ كِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَ كُبَرَائِكُمْ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَ أَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ وَ جَاحَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَ مُغَالَبَةً لآِلَائِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ آسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ وَ دَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وَ سُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَ لَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 147وَ لَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ وَ هُمْ َاسُ الْفُسُوقِ وَ أَحْلَاسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ وَ جُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ وَ تَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَ دُخُولًا فِي عُيُونِكُمْ وَ نَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ يَدِهِ(14/179)
فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ صَوْلَاتِهِ وَ وَقَائِعِهِ وَ مَثُلَاتِهِ وَ اتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَ مَصَارِعُ جُنُوبِهِمْ وَ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ
أمعنتم في البغي بالغتم فيه من أمعن في الأرض أي ذهب فيها بعيدا و مصارحة لله أي مكاشفة. و المناصبة المعاداة. و ملاقح الشنئان قال الراوندي الملاقح هي الفحول التي تلقح و ليس بصحيح نص الجوهري على أن الوجه لواقح كما جاء في القرآن وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ و قال هو من النوادر لأن الماضي رباعي و الصحيح أن ملاقح هاهنا جمع ملقح و هو المصدر من لقحت كضربت مضربا و شربت مشربا و يجوز فتح النون من الشنئان و تسكينها و هو البغض. و منافخ الشيطان جمع منفخ و هو مصدر أيضا من نفخ و نفخ الشيطان و نفثه شرح نهج البلاغة ج :3 ص : 148واحد و هو وسوسته و تسويله و يقال للمتطاول إلى ما ليس له قد نفخ الشيطان في أنفه. و
في كلامه ع يقوله لطلحة و هو صريع و قد وقف عليه و أخذ سيفه سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله ص و لكن الشيطان نفخ في أنفه
قوله و أعنقوا أصرعوا و فرس معناق و السير العنق قال الراجز
يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا(14/180)