أَلَا بِأَبِي وَ أُمِّي هُمْ مِنْ عِدَّةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَ فِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ أَلَا فَتَوَقَّعُوا مَا يَكُونُ مِنْ إِدْبَارِ أُمُورِكُمْ وَ انْقِطَاعِ وُصَلِكُمْ وَ اسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ ذَاكَ حَيْثُ تَكُونُ ضَرْبَةُ السَّيْفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ مِنَ الدِّرْهَمِ مِنْ حِلَّهِ ذَاكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُعْطَى أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطِي ذَاكَ حَيْثُ تَسْكَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَرَابٍ بَلْ مِنَ النِّعْمَةِ وَ النَّعِيمِ وَ تَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَ تَكْذِبُونَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاجٍ ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلَاءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعِيرِ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْعَنَاءَ وَ أَبْعَدَ هَذَا الرَّجَاءَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلْقُوا هَذِهِ الْأَزِمَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الْأَثْقَالَ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَ لَا تَصَدَّعُوا عَلَى سُلْطَانِكُمْ فَتَذُمُّوا غِبَّ فِعَالِكُمْ وَ لَا تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ الْفِتْنَةِ وَ أَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا وَ خَلُّوا قَصْدَ السَّبِيلِ لَهَا فَقَدْ لَعَمْرِي يَهْلِكُ فِي لَهَبِهَا الْمُؤْمِنُ وَ يَسْلَمُ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِ إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي الظُّلْمَةِ يَسْتَضِي ءُ بِهِ مَنْ وَلَجَهَا فَاسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَ عُوا وَ أَحْضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُمْ تَفْهَمُوا(14/131)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 96الإمامية تقول هذه العدة هم الأئمة الأحد عشر من ولده ع و غيرهم يقول إنه عنى الأبدال الذين هم أولياء الله في الأرض و قد تقدم منا ذكر القطب و الأبدال و أوضحنا ذلك إيضاحا جليا. قوله ع أسماؤهم في السماء معروفة أي تعرفها الملائكة المعصومون أعلمهم الله تعالى بأسمائهم. و في الأرض مجهولة أي عند الأكثرين لاستيلاء الضلال على أكثر البشر. ثم خرج إلى مخاطبة أصحابه على عادته في ذكر الملاحم و الفتن الكائنة في آخر زمان الدنيا فقال لهم توقعوا ما يكون من إدبار أموركم و انقطاع وصلكم جمع وصلة. و استعمال صغاركم أي يتقدم الصغار على الكبار و هو من علامات الساعة. قال ذاك حيث يكون احتمال ضربة السيف على المؤمن أقل مشقة من احتمال المشقة في اكتساب درهم حلال و ذلك لأن المكاسب تكون قد فسدت و اختلطت و غلب الحرام الحلال فيها. قوله ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجرا من المعطي معناه أن أكثر من يعطي و يتصدق في ذلك الزمان يكون ماله حراما فلا أجر له في التصدق به ثم أكثرهم يقصد الرياء و السمعة بالصدقة أو لهوى نفسه أو لخطرة من خطراته و لا يفعل الحسن لأنه حسن و لا الواجب لوجوبه فتكون اليد السفلى خيرا من اليد العليا عكس ما ورد في الأثر و أما المعطى فإنه يكون فقيرا ذا عيال لا يلزمه أن يبحث عن المال أ حرام هو أم حلال فإذا أخذه ليسد به خلته و يصرفه في قوت عياله كان أعظم أجرا ممن أعطاه. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 97و قد خطر لي فيه معنى آخر و هو أن صاحب المال الحرام إنما يصرفه في أكثر الأحوال و أغلبها في الفساد و ارتكاب المحظور كما
قال من اكتسب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر(14/132)
فإذا أخذه الفقير منه على وجه الصدقة فقد فوت عليه صرفه في تلك القبائح و المحضورات التي كان بعرضته صرف ذلك القدر فيها لو لم يأخذه الفقير فإذا قد أحسن الفقير إليه بكفه عن ارتكاب القبيح و من العصمة ألا يقدر فكان المعطى أعظم أجرا من المعطي. قوله ع ذاك حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة بفتح النون و هي غضارة العيش و قد قيل في المثل سكر الهوى أشد من سكر الخمر. قال تحلفون من غير اضطرار أي تتهاونون باليمين و بذكر الله عز و جل. قال و تكذبون من غير إحراج أي يصير الكذب لكم عادة و دربة لا تفعلونه لأن آخر منكم قد أحرجكم و اضطركم بالغيظ إلى الحلف و روي من غير إحواج بالواو أي من غير أن يحوجكم إليه أحد قال ذلك إذا عضكم البلاء كما يعض القتب غارب البعير هذا الكلام غير متصل بما قبله و هذه عادة الرضي رحمه الله يلتقط الكلام التقاطا و لا يتلو بعضه بعضا و قد ذكرنا هذه الخطبة أو أكثرها فيما تقدم من الأجزاء الأول و قبل هذا الكلام ذكر ما يناله شيعته من البؤس و القنوط و مشقة انتظار الفرج. قوله ع ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرجاء هذا حكاية كلام شيعته و أصحابه. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 98ثم قال مخاطبا أصحابه الموجودين حوله أيها الناس ألقوا هذه الأزمة التي تحمل ظهورها الأثقال عن أيديكم هذه كناية عن النهي عن ارتكاب القبيح و ما يوجب الإثم و العقاب و الظهور هاهنا هي الإبل أنفسها و الأثقال المآثم و إلقاء الأزمة ترك اعتماد القبيح فهذا عمومه و أما خصوصه فتعريض بما كان عليه أصحابه من الغدر و مخامرة العدو عليه و إضمار الغل و الغش له و عصيانه و التلوي عليه و قد فسره بما بعده فقال و لا تصدعوا عن سلطانكم أي لا تفرقوا فتذموا غب فعالكم أي عاقبته. ثم نهاهم عن اقتحام ما استقبلوه من فور نار الفتنة و فور النار غليانها و احتدامها و يروى ما استقبلكم. ثم قال و أميطوا عن سننها أي تنحوا عن طريقها و خلوا قصد السبيل لها(14/133)
أي دعوها تسلك طريقها و لا تقفوا لها فيه فتكونوا حطبا لنارها. ثم ذكر أنه قد يهلك المؤمن في لهبها و يسلم فيه الكافر كما قيل المؤمن ملقى و الكافر موقى. ثم ذكر أن مثله فيهم كالسرج يستضي ء بها من ولجها أي دخل في ضوئها. و آذان قلوبكم كلمة مستعارة جعل للقلب آذانا كما جعل الشاعر للقلوب أبصارا فقال
يدق على النواظر ما أتاه فتبصره بأبصار القلوب
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 23499- و من خطبة له ع
أُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ كَثْرَةِ حَمْدِهِ عَلَى آلَائِهِ إِلَيْكُمْ وَ نَعْمَائِهِ عَلَيْكُمْ وَ بَلَائِهِ لَدَيْكُمْ فَكَمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَةٍ وَ تَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَةٍ أَعْوَرْتُمْ لَهُ فَسَتَرَكُمْ وَ تَعَرَّضْتُمْ لِأَخْذِهِ فَأَمْهَلَكُمْ وَ أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَ إِقْلَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ وَ كَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ وَ طَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ وَ أُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً وَ كَأَنَّ الآْخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً أَوْحَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ وَ أَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ وَ اشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا وَ أَضَاعُوا مَا إِلَيْهِ انْتَقَلُوا لَا عَنْ قَبِيحٍ يَسْتَطِيعُونَ انْتِقَالًا وَ لَا فِي حَسَنٍ يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً أَنِسُوا بِالدُّنْيَا فَغَرَّتْهُمْ وَ وَثِقُوا بِهَا فَصَرَعَتْهُمْ فَسَابِقُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا وَ الَّتِي رَغِبْتُمْ فِيهَا وَ دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَ اسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ وَ الْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ فَإِنَّ غَداً(14/134)
مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ وَ أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ وَ أَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ وَ أَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 100أعورتم أي انكشفتم و بدت عوراتكم و هي المقاتل تقول أعور الفارس إذا بدت مقاتله و أعورك الصيد إذا أمكنك منه. قوله ع أوحشوا ما كانوا يوطنون أي أوطنوا قبورهم التي كانوا يوحشونها. قوله ع و اشتغلوا بما فارقوا أي اشتغلوا و هم في القبور بما فارقوه من الأموال و القينات لأنها أذى و عقاب عليهم في قبورهم و لولاها لكانوا في راحة و يجوز أن يكون حكاية حالهم و هم بعد في الدنيا أي اشتغلوا أيام حياتهم من الأموال و المنازل بما فارقوه و أضاعوا من أمر آخرتهم ما انتقلوا إليه. ثم ذكر أنهم لا يستطيعون فعل حسنة و لا توبة من قبيح لأن التكليف سقط و المنازل التي أمروا بعمارتها و المقابر و عمارتها الأعمال الصالحة و قوله ع إن غدا من اليوم قريب كلام يجري مجرى المثل قال غد ما غد ما أقرب اليوم من غد و الأصل فيه قول الله تعالى إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. و قوله ع ما أسرع الساعات في اليوم إلى آخر الفصل كلام شريف وجيز بالغ في معناه و الفصل كله نادر لا نظير له
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 235101- و من خطبة له ع(14/135)