بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ أي إنما كانوا يطيعون الشياطين المضلة لهم فعبادتهم في شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 243الحقيقة للشياطين لا لنا و إنهم ما أطاعونا وو أطاعونا لكانوا مهتدين و إنما أطاعوا شياطينهم. و لا حاجة في هذا الجواب إلى أن يقال ما قيل في قوله تعالى إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من تخصيص العموم بالآية الأخرى و هي قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. فإن قلت فما قولك في اعتراض ابن الزبعري على الآية هل هو وارد. قلت لا لأنه قال تعالى إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ و ما لما لا يعقل فلا يرد عليه الاعتراض بالمسيح و الملائكة و الذي قاله المفسرون من تخصيص العموم بالآية الثانية تكلف غير محتاج إليه. فإن قلت فما الفائدة في أن قرن القوم بأصنامهم في النار و أي معنى لذلك في زيادة التعذيب و السخط. قلت لأن النظر إلى وجه العدو باب من أبواب العذاب و إنما أصاب هؤلاء ما أصابهم بسبب الأصنام التي ضلوا بها فكلما رأوها معهم زاد غمهم و حسرتهم. و أيضا فإنهم قدروا أن يستشفعوا بها في الآخرة فإذا صادفوا الأمر على عكس ذلك لم يكن شي ء أبغض إليهم منها. قوله فلم يجر قد اختلف الرواة في هذه اللفظة فرواها قوم فلم يجر و هو مضارع جرى يجري تقول ما الذي جرى للقوم فيقول من سألته قدم الأمير من السفر فيكون المعنى على هذا فلم يك و لم يتجدد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير و لا حقير إلا بالحق و الإنصاف و هذا مثل قوله تعالى لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 244الْحِسابِو رواها قوم فلم يجز مضارع جاز يجوز أي لم يسغ و لم يرخص ذلك اليوم لأحد من المكلفين في حركة من الحركات المحقرات المستصغرات إلا إذا كانت قد فعلها بحق و على هذا يجوز فعل مثلها و رواها قوم فلم يجر من جار أي عدل عن(12/201)
الطريق أي لم يذهب عنه سبحانه و لم يضل و لم يشذ عن حسابه شي ء من أمر محقرات الأمور إلا بحقه أي إلا ما لا فائدة في إثباته و المحاسبة عليه نحو الحركات المباحة و العبثية التي لا تدخل تحت التكليف. و قال الراوندي خرق بصر مرفوع لأنه اسم ما لم يسم فاعله و لا أعرف لهذا الكلام معنى. و الهمس الصوت الخفي. قوله فتر من أمرك تحريت كذا أي توخيته و قصدته و اعتمدته. قوله و تيسر لسفرك أي هيئ أسباب السفر و لا تترك لذاك عائقا. و الشيم النظر إلى البرق. و رحلت مطيتي إذا شددت على ظهرها الرحل قال الأعشى
رحلت سمية غدوة أجمالها غضبى عليك فما تقول بدا لها
و التشمير الجد و الانكماش في الأمر. و معاني الفصل ظاهرة و ألفاظه الفصيحة تعطيها و تدل عليها بما لو أراد المفسر أن يعبر عنه بعبارة غير عبارته ع لكان لفظه ع أولى أن يكون تفسيرا لكلام ذلك المفسر(12/202)
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 219245- و من كلام له عوَ اللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَ غَاصِباً لِشَيْ ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَ كَيْفَأَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَ يَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وَ قَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَ رَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَ عَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَ كَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَ أَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَ كَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَ تَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَ لَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَ مَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ لَا ذَا وَ لَا ذَاكَ وَ لَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ أَ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ أَمْ ذُو جِنَّةٌ أَمْ تَهْجُرُ(12/203)
وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 246مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ(12/204)
السعدان نبت ذو شوك يقال له حسك السعدان و حسكة السعدان و تشبه به حلمة الثدي فيقال سعدانة الثندوة و هذا النبت من أفضل مراعي الإبل و في المثل مرعى و لا كالسعدان و نونه زائدة لأنه ليس في الكلام فعلال غير مضاعف إلا خزعال و هو ظلع يلحق الناقة و قهقار و هو الحجر الصلب و قسطال و هو الغبار. و المسهد الممنوع النوم و هو السهاد. و الأغلال القيود و المصفد المقيد و الحطام عروض الدنيا و متاعها شبه لزواله و سرعة فنائه بما يتحطم من العيدان و يتكسر. ثم قال كيف أظلم الناس لأجل نفس تموت سريعا يعني نفسه ع. فإن قلت أ ليس قوله عن نفس يسرع إلى البلى قفولها يشعر بمذهب من قال بقدم الأنفس لأن القفول الرجوع و لا يقال في مذهبه للمسافرة قافلة إلا إذا كانت راجعة. قلت لا حاجة إلى القول بقدم الأنفس محافظة على هذه اللفظة و ذلك لأن النفس إذا كانت حادثة فقد كان أصلها العدم فإذا مات الإنسان عدمت نفسه فرجعت إلى العدم الأصلي و هو المعبر عنه بالبلى. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 247و أملق افتقر قال تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ. و استماحني طلب مني أن أعطيه صاعا من الحنطة و الصاع أربعة أمداد و المد رطل و ثلث فمجموع ذلك خمسة أرطال ثلث رطل و جمع الصاع أصوع و إن شئت همزت و الصواع لغة في الصاع و يقال هو إناء يشرب فيه. و العظلم بالكسرة في الحرفين نبت يصبغ به ما يراد اسوداده و يقال هو الوسمة و شعث الألوان أي غبر. و أصغيت إليه أملت سمعي نحوه. و أتبع قياده أطيعه و انقاد له. و أحميت الحديدة في النار فهي محماة و لا يقال حميت الحديدة. و ذي دنف أي ذي سقم مؤلم. و من ميسمها من أثرها في يده. و ثكلتك الثواكل دعاء عليه و هو جمع ثاكلة و فواعل لا يجي ء إلا جمع المؤنث إلا فيما شذ نحو فوارس أي ثكلتك نساؤك. قوله أحماها إنسانها أي صاحبها و لم يقل إنسان لنه يريد أن يقابل هذه اللفظة بقوله جبارها. و سجرها بالتخفيف أوقدها(12/205)