إِلَى عِلْمٍ وَ الْتِمَاسٍ وَ لَا مِنْ فَقْرٍ وَ حَاجَةٍ إِلَى غِنًى وَ كَثْرَةٍ وَ لَا مِنْ ذُلٍّ وَ ضَعَةٍ إِلَى عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ
شرع أولا في ذكر إعدام الله سبحانه الجواهر و ما يتبعها و يقوم بها من الأعراض قبل القيامة و ذلك لأن الكتاب العزيز قد ورد به نحو قوله تعالى كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ و معلوم أنه بدأه عن عدم فوجب أن تكون الإعادة عن عدم أيضا و قال تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ و إنما كان أولا لأنه كان موجودا و لا شي ء من شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 92الأشياء بموجود فوجب أن يكون آخرا كذلك هذا هو مذهب جمهور أصحابنا و جمهور المسلمين. ثم ذكر أنه يكون وحده سبحانه بلا وقت و لا مكان و لا حين و لا زمان و ذلك لأن المكان أما الجسم الذي يتمكن عليه جسم آخر أو الجهة و كلاهما لا وجود له بتقدير عدم الأفلاك و ما في حشوها من الأجسام أما الأول فظاهر و أما الثاني فلأن الجهة لا تتحقق إلا بتقدير وجود الفلك لأنها أمر إضافي بالنسبة إليه فبتقدير عدمه لا يبقى للجهة تحقق أصلا و هذا هو القول في عدم المكان حينئذ و أما الزمان و الوقت و الحين فكل هذه الألفاظ تعطي معنى واحدا و لا وجود لذلك المعنى بتقدير عدم الفلك لأن الزمان هو مقدار حركة الفلك فإذا قدرنا عدم الفلك فلا حركة و لا زمان. ثم أوضح ع ذلك و أكده فقال عدمت عند ذلك الآجال و الأوقات و زالت السنون و الساعات لأن الأجل هو الوقت الذي يحل فيه الدين أو تبطل فيه الحياة و إذا ثبت أنه لا وقت ثبت أنه لا أجل و كذلك لا سنة و لا ساعة لأنها أوقات مخصوصة. ثم عاد ع إلى ذكر الدنيا فقال بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها و بغير امتناع منها كان فناؤها يعني أنها مسخرة تحت الأمر الإلهي. قال و لو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها لأنها كانت تكون ممانعة للقديم سبحانه في مراده و إنما تمانعه في مراده لو كانت قادرة لذاتها و لو كانت قادرة لذاتها و أرادت(14/76)


البقاء لبقيت. قوله ع لم يتكاءده بالمد أي لم يشق عليه و يجوز لم يتكأده بالتشديد و الهمزة و أصله من العقبة الكئود و هي الشاقة. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 93قال و لم يؤده أي لم يثقله. ثم ذكر أنه تعالى لم يخلق الدنيا ليشد بها سلطانه و لا لخوفه من زوال أو نقص يلحقه و لا ليستعين بها على ند مماثل له أو يحترز بها عن ضد محارب له أو ليزداد بها ملكه ملكا أو ليكاثر بها شريكا في شركته له أو لأنه كان قبل خلقها مستوحشا فأراد أن يستأنس بمن خلق. ثم ذكر أنه تعالى سيفنيها بعد إيجادها لا لضجر لحقه في تدبيرها و لا لراحة تصله في إعدامها و لا لثقل شي ء منها عليه حال وجودها و لا لملل أصابه فبعثه على إعدامها. ثم عاد ع فقال إنه سبحانه سيعيدها إلى الوجود بعد الفناء لا لحاجة إليها و لا ليستعين ببعضها على بعض و لا لأنه استوحش حال عدمها فأحب أن يستأنس بإعادتها و لا لأنه فقد علما عند إعدامها فأراد بإعادتها استجداد ذلك العلم و لا لأنه صار فقيرا عند إعدامها فأحب أن يتكثر و يثري بإعادتها و لا لذل أصابه بإفنائها فأراد العز بإعادتها. فإن قلت إذا كان يفنيها لا لكذا و لا لكذا و كان من قبل أوجدها لا لكذا و لا لكذا ثم قلتم إنه يعيدها لا لكذا و لا لكذا فلأي حال أوجدها أولا و لأي حال أفناها ثانيا و لأي حال أعادها ثالثا خبرونا عن ذلك فإنكم قد حكيتم عنه عليه السلام الحكم و لم تحكوا عنه العلة قلت إنما أوجدها أولا للإحسان إلى البشر ليعرفوه فإنه لو لم يوجدهم لبقي مجهولا لا يعرف ثم كلف البشر ليعرضهم للمنزلة الجليلة التي لا يمكن وصولهم إليها إلا بالتكليف و هي الثواب ثم يفنيهم لأنه لا بد من انقطاع التكليف ليخلص الثواب من مشاق التكاليف و إذا كان لا بد من انقطاعه فلا فرق بين انقطاعه بالعدم المطلق(14/77)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 94أو بتفريق الأجزاء و انقطاعه بالعدم المطلق قد ورد به الشرع و فيه لطف زائد للمكلفين لأنه أردع و أهيب في صدورهم من بقاء أجزائهم و استمرار وجودها غير معدومة. ثم إنه سبحانه يبعثهم و يعيدهم ليوصل إلى كل إنسان ما يستحقه من ثواب أو عقاب و لا يمكن إيصال هذا المستحق إلا بالإعادة و إنما لم يذكر أمير المؤمنين ع هذه التعليلات لأنه قد أشار إليها فيما تقدم من كلامه و هي موجودة في فرش خطبه و لأن مقام الموعظة غير مقام التعليل و أمير المؤمنين ع في هذه الخطبة يسلك مسلك الموعظة في ضمن تمجيد الباري سبحانه و تعظيمه و ليس ذلك بمظنة التعليل و الحجاج
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 23395- و من خطبة له ع تختص بذكر الملاحم(14/78)


أَلَا بِأَبِي وَ أُمِّي هُمْ مِنْ عِدَّةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَ فِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ أَلَا فَتَوَقَّعُوا مَا يَكُونُ مِنْ إِدْبَارِ أُمُورِكُمْ وَ انْقِطَاعِ وُصَلِكُمْ وَ اسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ ذَاكَ حَيْثُ تَكُونُ ضَرْبَةُ السَّيْفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ مِنَ الدِّرْهَمِ مِنْ حِلَّهِ ذَاكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُعْطَى أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطِي ذَاكَ حَيْثُ تَسْكَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَرَابٍ بَلْ مِنَ النِّعْمَةِ وَ النَّعِيمِ وَ تَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَ تَكْذِبُونَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاجٍ ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلَاءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعِيرِ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْعَنَاءَ وَ أَبْعَدَ هَذَا الرَّجَاءَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلْقُوا هَذِهِ الْأَزِمَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الْأَثْقَالَ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَ لَا تَصَدَّعُوا عَلَى سُلْطَانِكُمْ فَتَذُمُّوا غِبَّ فِعَالِكُمْ وَ لَا تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ الْفِتْنَةِ وَ أَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا وَ خَلُّوا قَصْدَ السَّبِيلِ لَهَا فَقَدْ لَعَمْرِي يَهْلِكُ فِي لَهَبِهَا الْمُؤْمِنُ وَ يَسْلَمُ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِ إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي الظُّلْمَةِ يَسْتَضِي ءُ بِهِ مَنْ وَلَجَهَا فَاسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَ عُوا وَ أَحْضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُمْ تَفْهَمُوا(14/79)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 96الإمامية تقول هذه العدة هم الأئمة الأحد عشر من ولده ع و غيرهم يقول إنه عنى الأبدال الذين هم أولياء الله في الأرض و قد تقدم منا ذكر القطب و الأبدال و أوضحنا ذلك إيضاحا جليا. قوله ع أسماؤهم في السماء معروفة أي تعرفها الملائكة المعصومون أعلمهم الله تعالى بأسمائهم. و في الأرض مجهولة أي عند الأكثرين لاستيلاء الضلال على أكثر البشر. ثم خرج إلى مخاطبة أصحابه على عادته في ذكر الملاحم و الفتن الكائنة في آخر زمان الدنيا فقال لهم توقعوا ما يكون من إدبار أموركم و انقطاع وصلكم جمع وصلة. و استعمال صغاركم أي يتقدم الصغار على الكبار و هو من علامات الساعة. قال ذاك حيث يكون احتمال ضربة السيف على المؤمن أقل مشقة من احتمال المشقة في اكتساب درهم حلال و ذلك لأن المكاسب تكون قد فسدت و اختلطت و غلب الحرام الحلال فيها. قوله ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجرا من المعطي معناه أن أكثر من يعطي و يتصدق في ذلك الزمان يكون ماله حراما فلا أجر له في التصدق به ثم أكثرهم يقصد الرياء و السمعة بالصدقة أو لهوى نفسه أو لخطرة من خطراته و لا يفعل الحسن لأنه حسن و لا الواجب لوجوبه فتكون اليد السفلى خيرا من اليد العليا عكس ما ورد في الأثر و أما المعطى فإنه يكون فقيرا ذا عيال لا يلزمه أن يبحث عن المال أ حرام هو أم حلال فإذا أخذه ليسد به خلته و يصرفه في قوت عياله كان أعظم أجرا ممن أعطاه. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 97و قد خطر لي فيه معنى آخر و هو أن صاحب المال الحرام إنما يصرفه في أكثر الأحوال و أغلبها في الفساد و ارتكاب المحظور كما
قال من اكتسب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر(14/80)

79 / 147
ع
En
A+
A-