لَا يُقَالُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ وَ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ فَصْلٌ وَ لَا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ فَيَسْتَوِيَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ وَ يَتَكَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَ الْبَدِيعُ خَلَقَ الْخَلَائِقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَ لَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ أَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ وَ أَرْسَاهَا عَلَى غَيْرِ قَرَارٍ وَ أَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ وَ رَفَعَهَا بِغَيْرِ دَعَائِمَ وَ حَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدِ وَ الِاعْوِجَاجِ وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَ الِانْفِرَاجِ أَرْسَى أَوْتَادَهَا وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا وَ اسْتَفَاضَ عُيُونَهَا وَ خَدَّ أَوْدِيَتَهَا فَلَمْ يَهِنْ مَا بَنَاهُ وَ لَا ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ(14/71)


عاد ع إلى تنزيه الباري تعالى عن الحدوث فقال لا يجوز أن يوصف به فتجري عليه الصفات المحدثات كما تجري على كل محدث و روي فتجري عليه صفات المحدثات و هو أليق ليعود إلى المحدثات ذوات الصفات ما بعده و هو قوله ع و لا يكون بينه و بينها فصل لأنه لا يحسن أن يعود الضمير في قوله و بينها إلى الصفات بل إلى ذوات الصفات. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 88قال لو كان محدثا لجرت عليه صفات الأجسام المحدثة فلم يكن بينه و بين الأجسام المحدثة فرق فكان يستوي الصانع و المصنوع و هذا محال. ثم ذكر أنه خلق الخلق غير محتذ لمثال و لا مستفيد من غيره كيفية الصنعة بخلاف الواحد منا فإن الواحد منا لا بد أن يحتذي في الصنعة كالبناء و النجار و الصانع و غيرها. قال ع و لم يستعن على خلقها بأحد من خلقه لأنه تعالى قادر لذاته لا يعجزه شي ء. ثم ذكر إنشاءه تعالى الأرض و أنه أمسكها من غير اشتغال منه بإمساكها و غير ذلك من أفعاله و مخلوقاته ليس كالواحد منا يمسك الثقيل فيشتغل بإمساكه عن كثير من أموره. قال و أرساها جعلها راسية على غير قرار تتمكن عليه بل واقفة بإرادته التي اقتضت وقوفها و لأن الفلك يجذبها من جميع جهاتها كما قيل أو لأنه يدفعها من جميع جهاتها أو لأن أحد نصفيها صاعد بالطبع و الآخر هابط بالطبع فاقتضى التعادل وقوفها أو لأنها طالبة للمركز فوقفت. و الأود الاعوجاج و كرر لاختلاف اللفظ. و التهافت التساقط و الأسداد جمع سد و هو الجبل و يجوز ضم السين. و استفاض عيونها بمعنى أفاض أي جعلها فائضة. و خد أوديتها أي شقها فلم يهن ما بناه أي لم يضعف شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 89(14/72)


هُوَ الظَّاهِرُ عَلَيْهَا بِسُلْطَانِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ هُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ وَ الْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ مِنْهَا بِجَلَالِهِ وَ عِزَّتِهِ لَا يُعْجِزُهُ شَيْ ءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ وَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبَهُ وَ لَا يَفُوتُهُ السَّرِيعُ مِنْهَا فَيَسْبِقَهُ وَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِي مَالٍ فَيَرْزُقَهُ خَضَعَتِ الْأَشْيَاءُ لَهُ وَ ذَلَّتْ مُسْتَكِينَةً لِعَظَمَتِهِ لَا تَسْتَطِيعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَ ضَرِّهِ وَ لَا كُفْ ءَ لَهُ فَيُكَافِئَهُ وَ لَا نَظِيرَ لَهُ فَيُسَاوِيَهُ هُوَ الْمُفْنِي لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا وَ لَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَ اخْتِرَاعِهَا وَ كَيْفَ وَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِهَا مِنْ طَيْرِهَا وَ بَهَائِمِهَا وَ مَا كَانَ مِنْ مُرَاحِهَا وَ سَائِمِهَا وَ أَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَ أَجْنَاسِهَا وَ مُتَبَلِّدَةِ أُمَمِهَا وَ أَكْيَاسِهَا عَلَى إِحْدَاثِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرَتْ عَلَى إِحْدَاثِهَا وَ لَا عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى إِيجَادِهَا وَ لَتَحَيَّرَتْ عُقُولُهَا فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَ تَاهَتْ وَ عَجَزَتْ قُوَاهَا وَ تَنَاهَتْ وَ رَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِيرَةً عَارِفَةً بِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا(14/73)


الظاهر الغالب القاهر و الباطن العالم الخبير. و المراح بضم الميم النعم ترد إلى المراح بالضم أيضا و هو الموضع الذي تأوي إليه النعم و ليس المراح ضد السائم على ما يظنه بعضهم و يقول إن عطف أحدهما على الآخر عطف شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 90على المختلف و المتضاد بل أحدهما هو الآخر و ضدهما المعلوفة و إنما عطف أحدهما على الآخر على طريقة العرب في الخطابة و مثله في القرآن كثير نحو قوله سبحانه لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ. و أسناخها جمع سنخ بالكسر و هو الأصل و قوله لو اجتمع جميع الحيوان على إحداث بعوضة هو معنى قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ. فإن قلت ما معنى قوله لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه و ضره و هلا قال من ضره و لم يذكر النفع فإنه لا معنى لذكره هاهنا قلت هذا كما يقول المعتصم بمعقل حصين عن غيره ما يقدر اليوم فلان لي على نفع و لا ضر و ليس غرضه إلا ذكر الضرر و إنما يأتي بذكر النفع على سبيل سلب القدرة عن فلان على كل ما يتعلق بذلك المعتصم و أيضا فإن العفو عن المجرم نفع له فهو ع يقول إنه ليس شي ء من الأشياء يستطيع أن يخرج إذا أجرم من سلطان الله تعالى إلى غيره فيمتنع من بأس الله تعالى و يستغني عن أن يعفو عنه لعدم اقتداره عليه(14/74)


وَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لَا شَيْ ءَ مَعَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا بِلَا وَقْتٍ وَ لَا مَكَانٍ وَ لَا حِينٍ وَ لَا زَمَانٍ عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الآْجَالُ وَ الْأَوْقَاتُ وَ زَالَتِ السِّنُونَ وَ السَّاعَاتُ فَلَا شَيْ ءَ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 91إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الْأُمُورِ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا وَ بِغَيْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا كَانَ فَنَاؤُهَا وَ لَوْ قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا لَمْ يَتَكَاءَدْهُ صُنْعُ شَيْ ءٍ مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ وَ لَمْ يَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ مَا بَرَأَهُ وَ خَلَقَهُ وَ لَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَ لَا لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَ نُقْصَانٍ وَ لَا لِلِاسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَى نِدٍّ مُكَاثِرٍ وَ لَا لِلِاحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لَا لِلِازْدِيَادِ بِهَا فِي مُلْكِهِ وَ لَا لِمُكَاثَرَةِ شَرِيكٍ فِي شِرْكِهِ وَ لَا لِوَحْشَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ إِلَيْهَا ثُمَّ هُوَ يُفْنِيهَا بَعْدَ تَكْوِينِهَا لَا لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِهَا وَ تَدْبِيرِهَا وَ لَا لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَيْهِ وَ لَا لِثِقَلِ شَيْ ءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ لَا يُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَيَدْعُوَهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ وَ أَمْسَكَهَا بِأَمْرِهِ وَ أَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا وَ لَا اسْتِعَانَةٍ بِشَيْ ءٍ مِنْهَا عَلَيْهَا وَ لَا لِانْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ وَ لَا مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَ عَمًى(14/75)

78 / 147
ع
En
A+
A-