شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 40قلت و هذا أيضا من العجائب لأنه إذا مات يوم الإثنين وقت ارتفاع الضحى كما ذكر في الرواية و دفن ليلة الأربعاء وسط الليل فلم يمض عليه ثلاثة أيام كما ورد في تلك الرواية. و أيضا فمن العجب كون عائشة و هو في بيتها لا تعلم بدفنه حتى عت صوت المساحي أ تراها أين كانت و قد سألت عن هذا جماعة فقالوا لعلها كانت في بيت يجاور بيتها عندها نساء كما جرت عادة أهل الميت و تكون قد اعتزلت بيتها و سكنت ذلك البيت لأن بيتها مملوء بالرجال من أهل رسول الله ص و غيرهم من الصحابة و هذا قريب و يحتمل أن يكون. قال الطبري و نزل في قبر رسول الله ص علي بن أبي طالب ع و الفضل بن عباس و قثم أخوه و شقران مولاهم و قال أوس بن خولي لعلي ع أنشدك الله يا علي و حظنا من رسول الله ص فقال له انزل فنزل مع القوم و أخذ شقران قطيفة كان رسول الله ص يلبسها فقذفها معه في القبر و قال لا يلبسها أحد بعده. قلت من تأمل هذه الأخبار علم أن عليا ع كان الأصل و الجملة و التفصيل في أمر رسول الله ص و جهازه أ لا ترى أن أوس بن خولي لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره و لا يسأل غيره في حضور الغسل و النزول في القبر ثم انظر إلى كرم علي ع و سجاحة أخلاقه و طهارة شيمته كيف لم يضن بمثل هذه المقامات الشريفة عن أوس و هو رجل غريب من الأنصار فعرف له حقه و أطلبه بما طلبه فكم بين هذه السجية الشريفة و بين قول من قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 41ما غسل رسول الله ص إلا نساؤه و لو كان في ذلكلمقام غيره من أولي الطباع الخشنة و أرباب الفظاظة و الغلظة و قد سأل أوس ذلك لزجر و انتهر و رجع خائبا. قال الطبري و كان المغيرة بن شعبة يدعي أنه أحدث الناس عهدا برسول الله ص و يقول للناس إنني أخذت خاتمي فألقيته في القبر و قلت إن خاتمي قد سقط مني و إنما طرحته عمدا لأمس رسول الله ص فأكون آخر الناس به عهدا. قال الطبري فروى عبد(14/31)


الله بن الحارث بن نوفل قال اعتمرت مع علي بن أبي طالب ع في زمان عمر أو عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته رجع و قد سكب له غسل فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا يا أبا الحسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا به فقال أظن المغيرة يحدثكم أنه أحدث الناس عهدا برسول الله ص قالوا أجل عن ذا جئنا نسألك قال كذب أحدث الناس عهدا برسول الله ص قثم بن العباس كان آخرنا خروجا من قبره. قلت بحق ما عاب أصحابنا رحمهم الله المغيرة و ذموه و انتقصوه فإنه كان على طريقة غير محمودة و أبى الله إلا أن يكون كاذبا على كل حال لأنه إن لم يكن أحدثهم بالنبي عهدا فقد كذب في دعواه أنه أحدثهم به عهدا و إن كان أحدثهم به عهدا كما يزعم فقد اعترف بأنه كذب في قوله لهم سقط خاتمي مني و إنما ألقاه عمدا و أين المغيرة و رسول الله ص ليدعي القرب منه و أنه أحدث الناس عهدا به شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 42و قد علم الله تعالى و المسلمون أنه لو لا الحدث الذي أحدث و القوم الذين صحبهم فقتلهم غدرا و اتخذ أموالهم ثم التجأ إلى رسول الله ص ليعصمه لم يسلم و لا وطئصا المدينة. قال الطبري و قد اختلف في سن رسول الله ص فالأكثرون أنه كان ابن ثلاث و ستين سنة و قال قوم ابن خمس و ستين سنة و قال قوم ابن ستين. فهذا ما ذكره الطبري في تاريخه. و روى محمد بن حبيب في أماليه قال تولى غسل النبي ص علي ع و العباس رضي الله عنه. و
كان علي ع يقول بعد ذلك ما شممت أطيب من ريحه و لا رأيت أضوأ من وجهه حينئذ و لم أره يعتاد فاه ما يعتاد أفواه الموتى(14/32)


قال محمد بن حبيب فلما كشف الإزار عن وجهه بعد غسله انحنى عليه فقبله مرارا و بكى طويلا و قال بأبي أنت و أمي طبت حيا و طبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد سواك من النبوة و الأنباء و أخبار السماء خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك و عممت حتى صارت المصيبة فيك سواء و لو لا أنك أمرت بالصبر و نهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون و لكن أتى ما لا يدفع أشكو إليك كمدا و إدبارا مخالفين و داء الفتنة فإنها قد استعرت نارها و داؤها الداء الأعظم بأبي أنت و أمي اذكرنا عند ربك و اجعلنا من بالك و همك ثم نظر إلى قذاة في عينه فلفظها بلسانه ثم رد الإزار على وجهه
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 43و قد روى كثير من الناس ندبة فاطمة ع أباها يوم موته و بعد ذلك اليوم و هي ألفاظ معدودة مشهورة منهايا أبتاه جنة الخلد مثواه يا أبتاه عند ذي العرش مأواه يا أبتاه كان جبرئيل يغشاه يا أبتاه لست بعد اليوم أراه
و من الناس من يذكر أنها كانت تشوب هذه الندبة بنوع من التظلم و التألم لأمر يغلبها و الله أعلم بصحة ذلك و الشيعة تروي أن قوما من الصحابة أنكروا بكاءها الطويل و نهوها عنه و أمروها بالتنحي عن مجاورة المسجد إلى طرف من أطراف المدينة. و أنا أستبعد ذلك و الحديث يدخله الزيادة و النقصان و يتطرق إليه التحريف و الافتعال و لا أقول أنا في أعلام المهاجرين إلا خيرا(14/33)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 23144- و من خطبة له عالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ وَ لَا تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ وَ لَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ وَ ارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَ قَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ وَ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ وَ بِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَ بِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَدَدٍ وَ دَائِمٌ لَا بِأَمَدٍ وَ قَائِمٌ لَا بِعَمَدٍ تَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لَا بِمُشَاعَرَةٍ وَ تَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لَا بِمُحَاضَرَةٍ لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا وَ بِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا وَ إِلَيْهَا حَاكَمَهَا لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً وَ لَا بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً بَلْ كَبُرَ شَأْناً وَ عَظُمَ سُلْطَاناً وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ الصَّفِيُّ وَ أَمِينُهُ الرَّضِيُّ ص أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ وَ ظُهُورِ الْفَلَجِ وَ إِيضَاحِ الْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَ حَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دَالًّا عَلَيْهَا وَ أَقَامَ أَعْلَامَ الِاهْتِدَاءِ وَ مَنَارَ الضِّيَاءِ وَ جَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِينَةً وَ عُرَا الْإِيمَانِ وَثِيقَةً(14/34)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 45الشواهد هاهنا يريد بها الحواس و سماها شواهد إما لحضورها شهد فلان كذا أي حضره أو لأنها تشهد على ما تدركه و تثبته عند العقل كما يشهد الشاهد بالشي ء و يثبته عند الحاكم. و المشاهد هاهنا المجالس و النوادي يقال حضرت مشهد بني فلان ناديهم و مجتمعهم. ثم فسر اللفظة الأولى و أبان عن مراده بها بقوله و لا تراه النواظر و فسر اللفظة الثانية و أبان عن مرادها فقال و لا تحجبه السواتر. ثم قال الدال على قدمه بحدوث خلقه و بحدوث خلقه على وجوده هذا مشكل لأن لقائل أن يقول إذا دل على قدمه بحدوث خلقه فقد دخل في جملة المدلول كونه موجودا لأن القديم هو الموجود و لم يزل فأي حاجه إلى أن يعود فيقول و بحدوث خلقه على وجوده. و لمجيب أن يجيب على طريقة شيوخنا أصحاب أبي هاشم فيقول لا يلزم من الاستدلال بحدوث الأجسام على أنه لا بد من محدث قديم كونه موجودا لأن عندهم أن الذات المعدومة قد تتصف بصفات ذاتية و هي معدومة فلا يلزم من كون صانع العالم عندهم عالما قادرا حيا أن يكون موجودا بل لا بد من دلالة زائدة على أن له صفة الوجود و هي و الدلالة التي يذكرونها من أن كونه قادرا عالما تقتضي تعلقه بالمقدور و المعلوم و كل ذات متعلقة فإن عدمها يخرجها عن التعلق كالإرادة فلو كان تعالى معدوما لم يجز أن يكون متعلقا فحدوث الأجسام إذا قد دل على أمرين من وجهين مختلفين أحدهما أنه لا بد من صانع له و هذا هو المعني بقدمه. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 46و الثاني أن هذا الصانع له صفة لأجلها يصحلى ذاته أن تكون قادرة عالمة و هذا هو المعني بوجوده. فإن قلت أ يقول أصحاب شيخكم أبي هاشم إن الذات المعدومة التي لا أول لها تسمى قديمة قلت لا و البحث في هذا بحث في اللفظ لا في المعنى. و المراد بقوله ع الدال بحدوث الأشياء على قدمه أي على كونه ذاتا لم يجعلها جاعل و ليس المراد بالقدم هاهنا الوجود لم يزل بل مجرد الذاتية لم يزل.(14/35)

70 / 147
ع
En
A+
A-