شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 35ابعثوا إلى علي فادعوه فسألته المرأة أن يبعث إلى أبيها و سألته الأخرى أن يبعث إلى أبيها فلو لا أن ابن عباس فهم من قوله ص ابعثوا إلى علي فادعوه أنه يريد الوصية إليه لما كان لإخبار الأرقم بذلك متصلا بسؤاله عن الوصية معنى و روى القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة قالت رأيت رسول الله ص يموت و عنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء و يقول اللهم أعني على سكرة الموت
و روى عروة عن عائشة قالت اضطجع رسول الله ص يوم موته في حجري فدخل على رجل من آل أبي بكر في يده مسواك أخضر فنظر رسول الله ص إليه نظرا عرفت أنه يريده فقلت له أ تحب أن أعطيك هذا المسواك قال نعم فأخذته فمضغته حتى ألنته ثم أعطيته إياه فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قبله ثم وضعه و وجدت رسول الله ص يثقل في حجري فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص و هو يقول بل الرفيق الأعلى من الجنة فقلت لقد خيرت فاخترت و الذي بعثك بالحق و قبض رسول الله ص(14/26)
قال الطبري و قد وقع الاتفاق على أنه كان يوم الإثنين من شهر ربيع الأول و اختلف في أي الأثانين كان فقيل لليلتين خلتا من الشهر و قيل لاثنتي عشرة خلت من الشهر و اختلف في تجهيزه أي يوم كان فقيل يوم الثلاثاء الغد من وفاته و قيل إنما دفن بعد وفاته بثلاثة أيام اشتغل القوم عنه بأمر البيعة. و قد روى الطبري ما يدل على ذلك عن زياد بن كليب عن إبراهيم النخعي أن شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 36أبا بكر جاء بعد ثلاث إلى رسول الله ص و قد أربد بطنه فكشف عن وجهه و قبل عينيه و قال بأبي أنت و أمي طبت حيا و طبت ميتا قلت و أنا أعجبن هذا هب أن أبا بكر و من معه اشتغلوا بأمر البيعة فعلي بن أبي طالب و العباس و أهل البيت بما ذا اشتغلوا حتى يبقى النبي ص مسجى بينهم ثلاثة أيام بلياليهن لا يغسلونه و لا يمسونه. فإن قلت الرواية التي رواها الطبري في حديث الأيام الثلاثة إنما كانت قبل البيعة لأن لفظ الخبر عن إبراهيم و أنه لما قبض النبي ص كان أبو بكر غائبا فجاء بعد ثلاث و لم يتجرأ أحد أن يكشف عن وجهه ع حتى أربد بطنه فكشف عن وجهه و قبل عينيه و قال بأبي أنت و أمي طبت حيا و طبت ميتا ثم خرج إلى الناس فقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات الحديث بطوله قلت لعمري إن الرواية هكذا أوردها و لكنها مستحيلة لأن أبا بكر فارق رسول الله ص و هو حي و مضى إلى منزله بالسنح في يوم الإثنين و هو اليوم الذي مات فيه رسول الله ص لأنه رآه بارئا صالح الحال هكذا روى الطبري في كتابه و بين السنح و بين المدينة نصف فرسخ بل هو طائفة من المدينة فكيف يبقى رسول الله ص ميتا يوم الإثنين و يوم الثلاثاء و يوم الأربعاء لا يعلم به أبو بكر و بينهما غلوة ثلاثة أسهم و كيف يبقى طريحا بين أهله ثلاثة أيام لا يجترئ أحد منهم أن يكشف عن وجهه و فيهم علي بن أبي طالب و هو روحه بين جنبيه و العباس عمه القائم مقام أبيه و ابنا فاطمة و هما كولديه و فيهم فاطمة بضعة منه أ(14/27)
فما كان في هؤلاء من يكشف عن وجهه و لا من يفكر في جهازه و لا من يأنف له من شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 37انتفاخ بطنه و اخضرارها و ينتظر بذلك حضور أبي بكر ليكشف عن وجهه أنا لا أصدق ذلك و لا يس قلبي إليه و الصحيح أن دخول أبي بكر إليه و كشفه عن وجهه و قوله ما قال إنما كان بعد الفراغ من البيعة و أنهم كانوا مشتغلين بها كما ذكر في الرواية الأخرى. و بقي الإشكال في قعود علي ع عن تجهيزه إذا كان أولئك مشتغلين بالبيعة فما الذي شغله هو فأقول يغلب على ظني إن صح ذلك أن يكون قد فعله شناعة على أبي بكر و أصحابه حيث فاته الأمر و استؤثر عليه به فأراد أن يتركه ص بحاله لا يحدث في جهازه أمرا ليثبت عند الناس أن الدنيا شغلتهم عن نبيهم ثلاثة أيام حتى آل أمره إلى ما ترون و قد كان ع يتطلب الحيلة في تهجين أمر أبي بكر حيث وقع في السقيفة ما وقع بكل طريق و يتعلق بأدنى سبب من أمور كان يعتمدها و أقوال كان يقولها فلعل هذا من جملة ذلك أو لعله إن صح ذلك فإنما تركه ص بوصية منه إليه و سر كانا يعلمانه في ذلك. فإن قلت فلم لا يجوز أن يقال إن صح ذلك إنه أخر جهازه ليجتمع رأيه و رأي المهاجرين على كيفية غسله و تكفينه و نحو ذلك من أموره قلت لأن الرواية الأولى تبطل هذا الاحتمال و هي
قوله ص لهم قبل موته يغسلني أهلي الأدنى منهم فالأدنى و أكفن في ثيابي أو في بياض مصر أو في حلة يمنية(14/28)
قال أبو جعفر فأما الذين تولوا غسله فعلي بن أبي طالب و العباس بن عبد المطلب و الفضل بن العباس و قثم بن العباس و أسامة بن زيد و شقران مولى رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 38و حضر أوس بن خولي أحد الخزرج فقال لعلي بن أبي طالب أنشدك الله يا علي و حظنا رسول الله و كان أوس من أصحاب بدر فقال له ادخل فدخل فحضر غسله ع و صب الماء عليه أسامة و شقران و كان علي ع يغسله و قد أسنده إلى صدره و عليه قميصه يدلكه من ورائه لا يفضي بيده إلى بدن رسول الله ص و كان العباس و ابناه الفضل و قثم يساعدونه على قلبه من جانب إلى جانب. قال أبو جعفر و روت عائشة أنهم اختلفوا في غسله هل يجرد أم لا فألقى الله عليهم السنة حتى ما منهم رجل إلا و ذقنه على صدره ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرى من هو غسلوا النبي و عليه ثيابه فقاموا إليه فغسلوه و عليه قميصه فكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. قلت حضرت عند محمد بن معد العلوي في داره ببغداد و عنده حسن بن معالي الحلي المعروف بابن الباقلاوي و هما يقرءان هذا الخبر و هذه الأحاديث من تاريخ الطبري فقال محمد بن معد لحسن بن معالي ما تراها قصدت بهذا القول قال حسدت أباك على ما كان يفتخر به من غسل رسول الله ص فضحك محمد فقال هبها استطاعت أن تزاحمه في الغسل هل تستطيع أن تزاحمه في غيره من خصائصه. قال أبو جعفر الطبري ثم كفن ص في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين و برد حبرة أدرج فيها إدراجا و لحد له على عادة أهل المدينة فلما فرغوا منه وضعوه على سريره. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 39و اختلفوا في دفنه فقال قائل ندفنه في مسجده و قال قائل ندفنه في البقيع مع أصحابه و قال أبو بكر سمعت رسول الله ص يقول ما قبض نبي إلا و دفن حيث قبض
فرفع فراش رسول الله الذي توفي فيه فحفر له تحته. قلت كيف اختلفوا في موضع دفنه و(14/29)
قد قال لهم فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري
و هذا تصريح بأنه يدفن في البيت الذي جمعهم فيه و هو بيت عائشة فإما أن يكون ذلك الخبر غير صحيح أو يكون الحديث الذي تضمن أنهم اختلفوا في موضع دفنه و أن أبا بكر روى لهم أنه قال الأنبياء يدفنون حيث يموتون غير صحيح لأن الجمع بين هذين الخبرين لا يمكن. و أيضا فهذا الخبر ينافي ما ورد في موت جماعة من الأنبياء نقلوا من موضع موتهم إلى مواضع أخر و قد ذكر الطبري بعضهم في أخبار أنبياء بني إسرائيل. و أيضا فلو صح هذا الخبر لم يكن مقتضيا إيجاب دفن النبي ص حيث قبض لأنه ليس بأمر بل هو إخبار محض اللهم إلا أن يكونوا فهموا من مخرج لفظه ع و من مقصده أنه أراد الوصية لهم بذلك و الأمر بدفنه حيث يقبض. قال أبو جعفر ثم دخل الناس فصلوا عليه أرسالا حتى إذا فرغ الرجال أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ثم أدخل العبيد و لم يؤمهم إمام ثم دفن ع وسط الليل من ليلة الأربعاء.
قال أبو جعفر و قد روت عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله ص حتى سمعنا صوت المساحي في جوف الليل ليلة الأربعاء(14/30)