فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَ بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ فَلَمَّ اللَّهُ بِهِ الصَّدْعَ وَ رَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ وَ أَلَّفَ بِهِ الشَّمْلَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ الْوَاغِرَةِ فِي الصُّدُورِ وَ الضَّغَائِنِ الْقَادِحَةِ فِي الْقُلُوبِ
ذو قار اسم موضع قريب من البصرة و فيه كانت وقعة للعرب مع الفرس قبل الإسلام. و صدع بما أمر به أي جهر و أصل الصدع الشق. و لم به جمع و رتق خاط و ألحم. و العداوة الواغرة ذات الوغرة و هي شدة الحر. و الضغائن الأحقاد. و القادحة في القلوب كأنها تقدح النار فيها كما تقدح النار بالمقدحة
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 22710- و من كلام له ع كلم به عبد الله بن زمعةو هو من شيعته و ذلك أنه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا
فَقَالَ ع إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَ لَا لَكَ وَ إِنَّمَا هُوَ فَيْ ءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَ جَلْبُ أَسْيَافِهِمْ فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ وَ إِلَّا فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ عبد الله بن زمعة و نسبه
هو عبد الله بن زمعة بفتح الميم لا كما ذكره الراوندي و هو عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي. كان الأسود من المستهزءين الذين كفى الله رسوله أمرهم بالموت و القتل و ابنه زمعة بن الأسود قتل يوم بدر كافرا و كان يدعى زاد الركب و قتل أخوه عقيل بن الأسود أيضا كافرا يوم بدر و قتل الحارث بن زمعة أيضا يوم بدر كافرا و الأسود هو الذي سمع امرأة تبكي على بعير تضله بمكة بعد يوم بدر فقال
أ تبكي أن يضل لها بعير و يمنعها من النوم الهجود(14/6)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 11و لا تبكي على بدر و لكن على بدر تقاصرت الجدودألا قد ساد بعدهم أناس و لو لا يوم بدر لم يسودوو كان عبد الله بن زمعة شيعة لعلي ع و من أصحابه و من ولد عبد الله هذا أبو البختري القاضي و هو وهب بن وهب بن كبير بن عبد الله بن زمعة قاضي الرشيد هارون بن محمد المهدي و كان منحرفا عن علي ع و هو الذي أفتى الرشيد ببطلان الأمان الذي كتبه ليحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع و أخذه بيده فمزقه. و قال أمية بن أبي الصلت يرثي قتلى بدر و يذكر زمعة بن الأسود
عين بكي لنوفل و لعمرو ثم لا تبخلي على زمعه
نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى و يعرف بابن العدوية قتله علي ع و عمرو أبو جهل بن هشام قتله عوف بن عفراء و أجهز عليه عبد الله بن مسعود
قوله ع و جلب أسيافهم أي ما جلبته أسيافهم و ساقته إليهم و الجلب المال المجلوب و جناة الثمر ما يجنى منه و هذه استعارة فصيحة
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 22812- و من كلام له عأَلَا وَ إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ فَلَا يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ وَ لَا يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ وَ إِنَّا لَأُمَرَاءُ الْكَلَامِ وَ فِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ وَ عَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ وَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ وَ اللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ وَ اللَّازِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ مُصْطَلِحُونَ عَلَى الْإِدْهَانِ فَتَاهُمْ عَارِمٌ وَ شَائِبُهُمْ آثِمٌ وَ عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ وَ فَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ لَا يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ وَ لَا يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ(14/7)
بضعة من الإنسان قطعة منه و الهاء في يسعده ترجع إلى اللسان. و الضمير في امتنع يرجع إلى الإنسان و كذلك الهاء في لا يمهله يرجع إلى اللسان. و الضمير في اتسع يرجع إلى الإنسان و تقديره فلا يسعد اللسان القول إذا امتنع الإنسان عن أن يقول و لا يمهل اللسان النطق إذا اتسع للإنسان القول و المعنى أن اللسان آلة للإنسان فإذا صرفه صارف عن الكلام لم يكن اللسان شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 13ناطقا و إذا دعاه داع إلى الكلام نطق اللسان بما في ضمير صاحبه. و تنشبت عروقه أي علقت و روي انتشبت و الرواية الأولى أدخل في صناعة الكلام نها بإزاء تهدلت و التهدل التدلي و قد أخذ هذه الألفاظ بعينها أبو مسلم الخراساني فخطب بها في خطبة مشهورة من خطبه
ذكر من أرتج عليهم أو حصروا عند الكلام(14/8)
و اعلم أن هذا الكلام قاله أمير المؤمنين ع في واقعة اقتضت أن يقوله و ذلك أنه أمر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي أن يخطب الناس يوما فصعد المنبر فحصر و لم يستطع الكلام فقام أمير المؤمنين ع فتسنم ذروة المنبر و خطب خطبة طويلة ذكر الرضي رحمه الله منها هذه الكلمات و روى شيخنا أبو عثمان في كتاب البيان و التبيين أن عثمان صعد المنبر فأرتج عليه فقال إن أبا بكر و عمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا و أنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب و ستأتيكم الخطبة على وجهها ثم نزل. قال أبو عثمان و روى أبو الحسن المدائني قال صعد ابن لعدي بن أرطاة المنبر فلما رأى الناس حصر فقال الحمد لله الذي يطعم هؤلاء و يسقيهم و صعد روح بن حاتم المنبر فلما رأى الناس قد رشقوه بأبصارهم و صرفوا أسماعهم شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 14نحوه قال نكسوا رءوسكم و غضوا أبصاركم فإن أول مركب صعب فإذا يسر اه عز و جل فتح قفل تيسر ثم نزل. و خطب مصعب بن حيان أخو مقاتل بن حيان خطبة نكاح فحصر فقال لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فقالت أم الجارية عجل الله موتك أ لهذا دعوناك. و خطب مروان بن الحكم فحصر فقال اللهم إنا نحمدك و نستعينك و لا نشرك بك. و لما حصر عبد الله بن عامر بن كريز على المنبر بالبصرة و كان خطيبا شق عليه ذلك فقال له زياد ابن أبيه و كان خليفته أيها الأمير لا تجزع فلو أقمت على المنبر عامة من ترى أصابهم أكثر مما أصابك فلما كانت الجمعة تأخر عبد الله بن عامر و قال زياد للناس إن الأمير اليوم موعوك فقيل لرجل من وجوه أمراء القبائل قم فاصعد المنبر فلما صعد حصر فقال الحمد لله الذي يرزق هؤلاء و بقي ساكتا فأنزلوه و أصعدوا آخر من الوجوه فلما استوى قائما قابل بوجهه الناس فوقعت عينه على صلعة رجل فقال أيها الناس إن هذا الأصلع قد منعني الكلام اللهم فالعن هذه الصلعة فأنزلوه و قالوا لوازع اليشكري قم إلى المنبر فتكلم فلما صعد و رأى الناس(14/9)
قال أيها الناس إني كنت اليوم كارها لحضور الجمعة و لكن امرأتي حملتني على إتيانها و أنا أشهدكم أنها طالق ثلاثا فأنزلوه فقال زياد لعبد الله بن عامر كيف رأيت قم الآن فاخطب الناس. شرح نهج البلاغة : 13 ص : 15و قال سهل بن هارون دخل قطرب النحوي على المخلوع فقال يا أمير المؤمنين كانت عدتك أرفع من جائزتك و هو يتبسم فاغتاظ الفضل بن الربيع فقلت له إن هذا من الحصر و الضعف و ليس من الجلد و القوة أما تراه يفتل أصابعه و يرشح جبينه. و دخل معبد بن طوق العنبري على بعض الأمراء فتكلم و هو قائم فأحسن فلما جلس تلهيع في كلامه فقال له ما أظرفك قائما و أموقك قاعدا قال إني إذا قمت جددت و إذا قعدت هزلت فقال ما أحسن ما خرجت منها. و كان عمرو بن الأهتم المنقري و الزبرقان بن بدر عند رسول الله ص فسأل ع عمرا عن الزبرقان فقال يا رسول الله إنه لمانع لحوزته مطاع في أدانيه فقال الزبرقان حسدني يا رسول الله فقال عمرو يا رسول الله إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال فنظر رسول الله ص إلى وجه عمرو فقال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت و غضبت فقلت أقبح ما علمت و ما كذبت في الأولى و لقد صدقت في الأخرى
فقال ع إن من البيان لسحرا(14/10)