شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 281كانت هذه حاله و هو رعية و سوقة فكيف يكون و هو خليفة قد ملك مشارق الأرض و مغاربها و خطب له على مائة ألف منبر و لو أراد عمر أن يخطب بالخلافة لأبي هريرة لما خالفه أحد من الناس أبدا فكيف يقول المرتضى لما ذا يتعسف عمر أبعد الطرين و غرضه يتم من أقربهما. و العجب منه كيف يقول خاف شناعة التصريح فمن لم يخف عندهم شناعة المخالفة لرسول الله ص و هو يعلم أن المسلمين يعلمون أنه مخالف لله تعالى و لرسوله قائم في مقام لم يجعله الله تعالى له كيف يخاف شناعة التصريح باسم عثمان لو كان يريد استخلافه إن هذا لأعجب من العجب الطعن العاشر(13/236)


قولهم إنه أبدع في الدين ما لا يجوز كالتراويح و ما عمله في الخراج الذي وضعه على السواد و في ترتيب الجزية و كل ذلك مخالف للقرآن و السنة لأنه تعالى جعل الغنيمة للغانمين و الخمس منها لأهل الخمس فخالف القرآن و كذلك السنة تنطق في الجزية أن على كل حالم دينارا فخالف في ذلك السنة و أن الجماعة لا تكون إلا في المكتوبات فخالف السنة. أجاب قاضي القضاة عن ذلك بأن قيام شهر رمضان قد روي عن النبي ص أنه عمله ثم تركه و إذا علم أن الترك ليس بنسخ صار سنة يجوز أن يعمل بها و إذا كان ما لأجله تركه من التنبيه بذلك على أنه ليس بفرض و من تخفيف التعبد شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 282ليس بقائم في فعل عمر لم يمتنع أن يدوم عليه و إذا كان فيه الدعاء إلى الصلاة و التشدد في حفظ القرآن فما الذي يمنع أن يعمل به. فأما أمر الخراج فأصله السنة لأن النبي ص بين أن لمن يتولى الأمر ضربا من الاختيار في غنيمة و لذلك فصل بين الرجال و الأموال فجعل الاختيار في الرجال إلى الإمام في القتل و الاسترقاق و المفاداة و فصل بينه و بين المال و إن كان الجميع غنيمة. ثم ذكر أن الغنيمة لم تضف إلى الغانمين إضافة الملك و إنما المراد أن لهم في ذلك من الاختصاص و الحق ما ليس لغيرهم فإذا عرض ما يقتضي تقديم أمر آخر جاز للإمام أن يفعله و رأى عمر في أمر السواد الاحتياط للإسلام بأن يقر في أيديهم على الخراج الذي وضعه و إن كان في الناس من يقول فعل ذلك برضا الغانمين و بأن عوض و يدل على صحة فعله إجماع الأمة و رضاهم به و لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين ع تركه على جملته و لم يغيره. ثم ذكر في الجزية أن طريقها الاجتهاد فإن الخبر المروي في هذا الباب ليس بمقطوع به و لا معناه معلوم. اعترض المرتضى هذا الجواب فقال أما التراويح فلا شبهة أنها بدعة و(13/237)


قد روي عن النبي ص أنه قال أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة و صلاة الضحى بدعة ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان في النافلة و لا تصلوا صلاة الضحى فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة ألا و إن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة سبيلها في النار
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 283و قد روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المسجد فقال ما هذا فقيل له إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع فقال بدعة فنعمت البدعة فاعترف كما ترى بأنها بدعة و قد شهد الرسول ص أن كل بدعة ضلالة(13/238)


و قد روي أن أمير المؤمنين ع لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم و عرفهم أن ذلك خلاف السنة فتركوه و اجتمعوا لأنفسهم و قدموا بعضهم فبعث إليهم ابنه الحسن ع فدخل عليهم المسجد و معه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب و صاحوا وا عمراه. قال فأما ادعاؤه أن قيام شهر رمضان كان في أيام الرسول ص ثم تركه فمغالطة منه لأنا لا ننكر قيام شهر رمضان بالنوافل على سبيل الانفراد و إنما أنكرنا الاجتماع على ذلك فإن ادعى أن الرسول ص صلاها جماعة في أيامه فإنها مكابرة ما أقدم عليها أحد و لو كان كذلك ما قال عمر إنها بدعة و إن أراد غير ذلك فهو مما لا ينفعه لأن الذي أنكرناه غيره. قال و الذي ذكره من أن فيه التشدد في حفظ القرآن و المحافظة على الصلاة ليس بشي ء لأن الله تعالى و رسوله بذلك أعلم و لو كان كما قاله لكانا يسنان هذه الصلاة و يأمران بها و يس لنا أن نبدع في الدين بما نظن أن فيه مصلحة لأنه لا خلاف في أن ذلك لا يسوغ و لا يحل. و أما أمر الخراج فهو خلاف لنص القرآن لأن الله تعالى جعل الغنيمة في وجوه مخصوصة فمن خالفها فقد أبدع و ليس للإمام و لا لغيره أن يجتهد فيخالف النص فبطل قوله أنه رأى من الاحتياط للإسلام أن يقر في أيديهم على الخراج لأن خلاف النص شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 284لا يكون من الاحتياط و رسوله أعلم بالاحتياط منه و لو كان لرضا الغانمين عن ذلك أو عوضهم منه على ما ادعاه صاحب الكتاب لوجب أن يظهر ذلك و يعلم و ما عرفنا في ذلك شيئا و لا نقلالناقلون. و أما ما ادعاه من الإجماع فمعوله فيه على ترك النكير و قد تقدم الكلام عليه و تكرر و كذلك قد تقدم الكلام في وجه إقرار أمير المؤمنين ع ما أقره من أحكام القوم و ما ادعاه أن خبر الجزية غير معلوم و لا مقطوع به فهب أن ذلك مسلم على ما فيه أ ليس من مذهبه أن أخبار الآحاد في الشريعة يعمل بها و إن لم تكن معلومة فهلا عمل(13/239)


عمر بالخبر المروي في هذا الباب و عدل عن اجتهاده الذي أداه إلى مخالفة الله تعالى. أما كون صلاة التراويح بدعة و إطلاق عمر عليها هذا اللفظ فإن لفظ البدعة يطلق على مفهومين أحدهما ما خولف به الكتاب و السنة مثل صوم يوم النحر و أيام التشريق فإنه و إن كان صوما إلا أنه منهي عنه. و الثاني ما لم يرد فيه نص بل سكت عنه ففعله المسلمون بعد وفاة رسول الله ص فإن أريد بكون صلاة التراويح بدعة المفهوم الأول فلا نسلم أنها بدعة بهذا التفسير و الخبر الذي رواه المرتضى غير معروف و لا يمكنه أن يسنده إلى كتاب من كتب المحدثين و لو قدر على ذلك لأسنده و لعله من أخبار أصحابه من محدثي الإمامية و الأخباريين منهم و الألفاظ التي في آخر الحديث و هي(13/240)

62 / 147
ع
En
A+
A-