شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 276و لا يؤمن أيضا أن يسترد الروم و فارس بلادا قد كان الإسلام استولى عليها لأن عدم الرئيس مطمع للعدو في ملكه و رعيته. فأما الأخبار و الآثار التي ذكرها المرتضى في مبايعة علي ع لعثمان و أنه كان مكرها عليها أو كالمكره و أن الرضا ك مرتفعا و الخلاف كان واقعا فكلام في غير موضعه لأن قاضي القضاة لم ينح بكلامه هذا النحو و لا قصد هذا القصد ليناقضه بما رواه و أسنده من الأخبار و الآثار و لا هذا الموضع من كتاب المغني موضع الكلام في بيعة عثمان و صحتها و وقوع الرضا بها فيطعن المرتضى في ذلك بما رواه من الأخبار و الآثار الدالة على تهضم القوم لأمير المؤمنين ع و أصحابه و شيعته و تهددهم و إنما الرضا الذي أشار إليه قاضي القضاة فهو رضا أمير المؤمنين ع بأن يكون في جملة أهل الشورى لأن هذا الباب من كتاب المغني هو باب نفي المطاعن عن عمر و قد تقدم ذكر كثير منها. ثم انتهى إلى هذا الطعن و هو حديث الشورى فذكر قاضي القضاة أن الشورى مما طعن بها عليه و ادعى أنها كانت خطأ من أفعاله لأنها لا نص و لا اختيار أ لا تراه كيف قال في أول الطعن فخرج بها عن النص و الاختيار فنقول في الجواب لو كانت خطأ لما دخل علي ع فيها و لا رضي بها فدخوله فيها و رضاه بها دليل على أنها لم تكن خطأ و أين هذا من بيعة عثمان حتى يخلط أحد البابين بالآخر. فأما دعواه أن عمر عمل هذا الفعل حيلة ليصرف الأمر عن علي ع من حيث علم أن عبد الرحمن صهر عثمان و أن سعدا ابن عم عبد الرحمن فلا يخالفه فجعل شرح نهجلبلاغة ج : 12 ص : 277الصواب في الثلاثة الذين يكون فيهم عبد الرحمن فنقول في جوابه إن عمر لو فعل ذلك و قصده لكان أحمق الناس و أجهلهم لأنه من الجائز ألا يوافق سعد ابن عمه لعداوة تكون بينهما خصوصا من بني العم و يمكن أن يستميل علي ع سعدا إلى نفسه بطريق آمنة بنت وهب و بطريق حمزة بن عبد المطلب و بطريق الدين و الإسلام و عهد(13/231)


الرسول ص و من الجائز أن يعطف عبد الرحمن على علي ع لوجه من الوجوه و يعرض عن عثمان أو يبدو من عثمان في الأيام الثلاثة أمر يكرهه عبد الرحمن فيتركه و يميل إلى علي ع و من الجائز أن يموت عبد الرحمن في تلك الأيام أو يموت سعد أو يموت عثمان أو يقتل واحد منهم فيخلص الأمر لعلي ع و من الجائز أن يخالف أبو طلحة أمره له أن يعتمد على الفرقة التي فيها عبد الرحمن و لا يعمل بقوله و يميل إلى جهة علي ع فتبطل حيلته و تدبيره. ثم هب أن هذا كله قد أسقطناه من الذي أجبر عمر و أكرهه و قسره على إدخال علي ع في أهل الشورى و إن كان مراده كما زعم المرتضى صرف الأمر بالحيلة فقد كان يمكنه أن يجعل الشورى في خمسة و لا يذكر عليا ع فيهم أ تراه كان يخاف أحدا لو فعل ذلك و من الذي كان يجسر أن يراجعه في هذا أو غيره و حيث أدخله من الذي أجبره على أن يقول إن وليها ذلك لحملهم على المحجة البيضاء و حملهم على الصراط المستقيم و نحو ذلك من المدح قد كان قادرا ألا يقول ذلك و الكلام الغث البارد لا أحبه. فأما قوله إن عبد الرحمن فعل ما فعل من إخراج نفسه من الإمامة حيلة ليسلم الأمر إلى عثمان و يصرفه عن علي ع فكلام بعضه صحيح و بعضه غير صحيح أما الصحيح منه فميل عبد الرحمن إلى جهة عثمان و انحرافه عن علي ع قليلا(13/232)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 278و ليس هذا بمخصوص بعبد الرحمن بل قريش قاطبة كانت منحرفة عنه. و أما الذي هو غير صحيح فقوله أنه أخرج نفسه منها لذلك فإن هذا عندي غير صحيح لأنه قد كان يمكنه ألا يخرج نفسه منها و يبلغ غرضه بأن يتجاوز هو و ابن عمه إلى عثمان و يدعليا و طلحة و الزبير طائفة أخرى فيولي المسلمون الأمر الطائفة التي فيها عبد الرحمن بمقتضى نص عمر على ذلك ثم يعتمد عبد الرحمن بعد ذلك ما يشاء إن شاء وليها هو أو أحد الرجلين فأي حاجة كانت به إلى أن يخرج نفسه منها ليبلغ غرضا قد كان يمكنه الوصول إليه بدون ذلك. و أيضا فإن كان غرضه ذلك فإنه من رجال الدنيا قد كان لا محالة و لم يكن من رجال الآخرة و من هو من رجال الدنيا و محبيها كيف تسمح نفسه بترك الخلافة ليعطيها غيره و هلا واطأ سعدا ابن عمه و طلحة صديقه على أن يولياه الخلافة و قد قال عمر كونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن لا سيما و طلحة منحرف عن علي ع و عثمان لأنهما ابنا عبد مناف و كذلك سعد و عبد الرحمن منحرفان عنهما لذلك أيضا و لما اختصا به من صهر رسول الله ص و الصحيح أن عبد الرحمن أخرج نفسه منها لأنه استضعف نفسه عن تحمل أثقالها و كلفها و كره أن يدخل فيها فيقصر عن عمر و يراه الناس بعين النقص و لا يستطيع أن يقوم بما كان عمر يقوم به و كان عبد الرحمن غنيا موسرا كثير المال و شيخا قد ذهب عنه ترف الشباب فنفض عنها يده استغناء عنها و كراهية لخلل يدخل عليه إن وليها. و أما ميله عن علي ع فقد كان منه بعض ذلك و الطباع لا تملك و الحسد مستقر في نفوس البشر لا سيما إذا انضاف إليه ما يقتضي الازدياد في الأمور. فأما تنزيه المرتضى لعلي ع عن الفكاهة و الدعابة فحق و لقد كان(13/233)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 279ع على قدم عظيمة من الوقار و الجد و السمت العظيم و الهدى الرصين و لكنه كان طلق الوجه سمح الأخلاق و عمر كان يريد مثله من ذوي الفظاظة و الخشونة لأن كل واحد يستحسن طبع نفسه و لا يستحسن طبع من يباينه في الخلق و الطبع و أنا أعجب لفظة عمر إن كان قالها إن فيه بطالة و حاش لله أن يوصف علي ع بذلك و إنما يوصف به أهل الدعابة و اللهو و ما أظن عمر إن شاء الله قالها و أظنها زيدت في كلامه و إن الكلمة هاهنا لدالة على انحراف شديد. فأما قول أمير المؤمنين ع للعباس و لغيره ذهب الأمر منا إن عبد الرحمن لا يخالف ابن عمه فليس معناه أن عمر قصد ذلك و إنما معناه أن من سوء الاتفاق أن وقع الأمر هكذا و يوشك ألا يصل إلينا حيث قد اتفق فيه هذه النكتة. فأما قول قاضي القضاة إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي حسن الظن وجب أن يحمل فعله على ما يطابقها و اعتراض المرتضى عليه بقوله إن ذلك إنما يجب إذا كان الخير معلوما منه فيما تقدم لا مظنونا و متى كان مظنونا ثم وجدنا له فعلا يظن به القبيح لم يكن لنا أن نقضي بالسابق على اللاحق فنقول في جوابه أن الإنسان إذا كان مشهورا بالصلاح و الخير و تكرر منه فعل ذلك مدة طويلة ثم رأيناه قد وقعت منه حركة تنافي ذلك فيما بعد فإنه يجب علينا أن نحملها على ما يطابق أحواله الأولى ما وجدنا لها محملا لأن أحواله الأولى كثيرة و هذه حالة مفردة شاذة و إلحاق القليل بالكثير و حمله عليه أولى من نقض الكثير بالقليل و قد كانت أحوال عمر مدة عشرين سنة منتظمة في إصلاح الرعية و مناصحة الدين و هذا معلوم منه ضرورة أعني ظاهر أحواله فإذا وقعت عنه حالة واحدة و هي شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 280قصة الشورى فيها شبهة ما وجب أن نتأولها ما وجدنا لها في الخير محملا و نلحقها بتلك الأحوال الكثيرة التي تكررت منه في الأزمان الطوي و لا يجوز أن نضع اليد عليها و نقول هذه لا غيرها و نقبحها و نهجنها(13/234)


و نسد أبواب هذه التأويلات عنها ثم نحمل أفعاله الكثيرة المتقدمة كلها عليها في التقبيح و التهجين فهذا خلاف الواجب فقد بان صحة ما ذكره قاضي القضاة لأنه لا حاجة بنا في القضاء بالسابق على اللاحق إلا أن يكون خيره معلوما و علم علما يقينا فإن الظن الغالب كاف في هذا المقام على الوجه الذي ذكرناه. و أما قوله عن عمر أنه بلغ ما في نفسه من إيصال الأمر إلى من أراد و صرفه عمن أراد من غير شناعة بالتصريح و حتى لا يقال فيه ما قيل في أبي بكر أو يراجع في نصه كما روجع أبو بكر و لأي حال يتعسف أبعد الطريقين و غرضه يتم من أقربهما فقد قلنا في جوابه ما كفى و بينا أن عمر لو أراد ما ذكر لصرف الأمر عمن يريد صرفه عنه و نص على من يريد إيصال الأمر إليه و لم يبال بأحد فقد عرف الناس كلهم كيف كانت هيبته و سطوته و طاعة الرعية له حتى أن المسلمين أطاعوه أعظم من طاعتهم رسول الله ص في حياته و نفوذ أمره فيهم أعظم من نفوذ أمره ع فمن الذي كان يجسر أو يقدر أن يراجعه في نصه أو يراده أو يلفظ عنده أو غائبا عنه بكلمة تنافي مراده و أي شي ء ضر أبا بكر من مراجعة طلحة له حيث نص ليقول المرتضى خا عمر من أن يراجع كما روجع أبو بكر و قد سمع الناس ما قال أبو بكر لطلحة لما راجعه فإنه أخزاه و جبهه حتى دخل في الأرض و قام من عنده و هو لا يهتدي إلى الطريق و أين كانت هيبة الناس لأبي بكر من هيبتهم لعمر فلقد كان أبو بكر و هو خليفة يهابه و هو رعية و سوقة بين يديه و كل أفاضل الصحابة كان يهابه و هو بعد لم يل الخلافة حتى أن الشيعة تقول إن النبي ص يهابه فمن(13/235)

61 / 147
ع
En
A+
A-