أما و الله لو أن لي أعوانا لقاتلتهم و قال أمير المؤمنين ع لئن قاتلتهم بواحد لأكونن ثانيا فقال و الله ما أجد عليهم أعوانا و لا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون
و روى أبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال دخلت على علي ع و كنت حاضرا بالمدينة يوم بويع عثمان فإذا هو واجم كئيب فقلت ما أصاب قوم صرفوا هذا الأمر عنكم فقال صبر جميل فقلت سبحان الله إنك لصبور قال فاصنع ما ذا قلت تقوم في الناس خطيبا فتدعوهم إلى نفسك و تخبرهم أنك أولى بالنبي ص بالعمل و السابقة و تسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك فإن أجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة فإن دانوا لك كان ما أحببت و إن أبوا قاتلتهم فإن ظهرت عليهم فهو سلطان الله آتاه نبيه ص و كنت أولى به منهم إذ ذهبوا بذلك فرده الله إليك و إن قتلت في طلبه فقتلت شهيدا و كنت أولى بالعذر عند الله تعالى في الدنيا و الآخرة فقال ع أ و تراه كان تابعي من كل مائة عشرة قلت لأرجو ذلك قال لكني لا أرجو و لا و الله من المائة اثنين و سأخبرك من أين ذلك إن الناس إنما ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمد ص و قبيلته و إن قريشا تنظر إلينا فتقول إن لهم بالنبوة فضلا على سائر قريش و إنهم أولياء هذا الأمر دون قريش و الناس و إنهم إن ولوه لم يخرج هذا السلطان منهم إلى أحد أبدا و متى كان في غيرهم تداولتموه بينكم فلا و الله لا تدفع قريش إلينا هذا السلطان طائعة أبدا قلت أ فلا أرجع إلى المصر فأخبر الناس بمقالتك هذه و أدعو الناس إليك فقال يا جندب ليس هذا زمان ذلك فرجعت فكلما ذكرت للناس شيئا من فضل علي زبروني شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 267و نهروني حتى رفع ذلك من أمري للوليد بن عقبة فبعث إلي فحبسنيقال و هذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير في أن الخلاف كان واقما و الرضا كان مرتفعا و الأمر إنما تم بالحيلة و المكر و الخداع و أول شي ء مكر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الأمر(13/221)


ليتمكن من صرفه إلى من يريد و ليقال أنه لو لا إيثاره الحق و زهده في اللاية لما أخرج نفسه منها ثم عرض على أمير المؤمنين ع ما يعلم أنه لا يجيب إليه و لا تلزمه الإجابة إليه من السير فيهم بسيرة الرجلين و علم أنه ع لا يتمكن من أن يقول إن سيرتهما لا تلزمني لئلا ينسب إلى الطعن عليهما و كيف يلزم سيرتهما و كل واحد منهما لم يسر بسيرة الآخر بل اختلفا و تباينا في كثير من الأحكام هذا بعد أن قال لأهل الشورى وثقوا إلي من أنفسكم بأنكم ترضون باختياري إذا أخرجت نفسي فأجابوه على ما رواه أبو مخنف بإسناده إلى ما عرض عليهم إلا أمير المؤمنين ع فإنه قال انظر لعلمه بما يجر هذا المكر حتى أتاهم أبو طلحة فأخبره عبد الرحمن بما عرض و ما جاء به القوم إياه إلا عليا فأقبل أبو طلحة على علي ع فقال يا أبا الحسن إن أبا محمد ثقة لك و للمسلمين فما بالك تخافه و قد عدل بالأمر عن نفسه فلن يتحمل المأثم لغيره فأحلف علي ع عبد الرحمن بما عرض ألا يميل إلى الهوى و أن يؤثر الحق و يجتهد للأمة و لا يحابي ذا قرابة فحلف له و هذا غاية ما يتمكن منه أمير المؤمنين ع في الحال لأن عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الأمر و ظنت به الجماعة الخير و فوضت إليه الاختيار لم يقدر أمير المؤمنين ع على أن يخالفهم و ينقض ما اجتمعوا عليه فكان أكثر ما تمكن منه أن أحلفه و صرح بما يخافه من جهته من الميل إلى الهوى و إيثار القرابة غير أن ذلك كله لم يغن شيئا. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 268قال و أما قول صاحب الكتاب أن دخوله في الشورى دلالة على أنه لا نص عليه بالإمامة و لو كان عليه نص لصرح به في تلك الحال و كان ره أولى من ذكر الفضائل و المناقب فإن المانع من ذكر النص كونه يقتضي تضليل من تقدم عليه و تفسيقهم و ليس كذلك تعديد المناقب و الفضائل. و أما دخوله ع في الشورى فلو لم يدخل فيها إلا ليحتج بما احتج به من مقاماته و فضائله و درايته و وسائله إلى الإمامة و(13/222)


بالأخبار الدالة عندنا عليها على النص و الإشارة بالإمامة إليه لكان غرضا صحيحا و داعيا قويا و كيف لا يدخل في الشورى و عندهم أن واضعها قد أحسن النظر للمسلمين و فعل ما لم يسبق إليه من التحرز للدين. فأول ما كان يقال له لو امتنع منها إنك مصرح بالطعن على واضعها و على جماعة المسلمين بالرضا بها و ليس طعنك إلا لأنك ترى أن الأمر لك و أنك أحق به فيعود الأمر إلى ما كان ع يخافه من تفرق الكلمة و وقوع الفتنة. قال و في أصحابنا القائلين بالنص من يقول إنه ع إنما دخل في الشورى لتجويزه أن ينال الأمر منها و عليه أن يتوصل إلى ما يلزمه القيام به من كل وجه يظن أن يوصله إليه. قال و قول صاحب الكتاب إن التقية لا يمكن أن يتعلق بها لأن الأمر لم يكن استقر لواحد طريف لأن الأمر و إن لم يكن في تلك الحال مستقرا لأحد فمعلوم أن الإظهار بما يطعن في المتقدمين من ولاة الأمر لا يمكن منه و لا يرضى به و كذلك(13/223)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 269الخروج مما يتفق أكثرهم عليه و يرضى جمهورهم به و لا يقرون أحدا عليه بل يعدونه شذوذا عن الجماعة و خلافا على الأمة. فأما قوله إن الأفعال لا يقدح فيها بالظنون بل يجب أن تحمل على ظاهر الصحة و إن الفاعل إذا تقدمت له حالة تقتضي حسالظن به يجب أن تحمل أفعاله على ما يطابقها فإنا متى سلمنا له بهذه المقدمة لم يتم قصده فيها لأن الفعل إذا كان له ظاهر وجب أن يحمل على ظاهره إلا بدليل يعدل بنا عن ظاهره كما يجب مثله في الألفاظ و قد بينا أن ظاهر الشورى و ما جرى فيها يقتضي ما ذكرناه للأمارات اللائحة و الوجوه الظاهرة فما عدلنا عن ظاهر إلى محتمل بل المخالف هو الذي يسومنا أن نعدل عن الظاهر فأما الفاعل و ما تقدم له من الأحوال فمتى تقدم للفاعل حالة تقتضي أن يظن به الخير من غير علم و لا يقين فلا بد أن يؤثر فيها و يقدح أن يرى له حالة أخرى تقتضي ظن القبيح به لدلالة ظاهرها على ذلك و ليس لنا أن نقضي بالأولى على الثانية و هما جميعا مظنونتان لأن ذلك بمنزلة أن يقول قائل اقضوا بالثانية على الأولى و ليس كذلك إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي بالخير منه ثم تليها حالة تقتضي ظن القبيح به لأنا حينئذ نقتضي بالعلم على الظن و نبطل حكمه لمكان العلم و إذا صحت هذه الجملة فما تقدمت لمن ذكر حالة تقتضي العلم بالخير و إنما تقدم ما يقتضي حسن الظن فليس لنا إلا نسي ء الظن به عند ظهور أمارات سوء الظن لأن كل ذلك مظنون غير معلوم. و قوله لو أراد ذلك ما منعه من أن ينص على عثمان مانع كما ل يمنع ذلك أبا بكر من النص عليه فليس بشي ء لأنه قد فعل ما يقوم مقام النص على من أراد إيصاله إليه و صرفه عمن أراد أن يصرفه عنه من غير شناعة التصريح و حتى لا يقال فيه ما قيل في أبي بكر و يراجع في قصته كما روجع أبو بكر و لم يتعسف أبعد الطريقين و غرضه يتم من أربهما.(13/224)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 270قال فأما بيان صاحب الكتاب أن الانتقال من الستة إلى الأربعة في الشورى و من الأربعة إلى الثلاثة لا يكون تناقضا فهو رد على من زعم أن ذلك تناقض و ليس من هذا الوجه طعنا بل قد بينا وجوه المطاعن و فصلناها. و أما قوله إن الأمور المقبلة لا تعلم و إنما يحصل فيها أمارة ردا على من قال إن عمر كان يعلم أن عليا ع و عثمان لا يجتمعان و أن عبد الرحمن يميل إلى عثمان فكلام في غير موضعه لأن المراد بذلك الظن لا العلم و إن عبر عن الظن بالعلم على طريقه في الاستعمال معروفة لا يتناكرها المتكلمون و لعل صاحب الكتاب قد استعمل العلم في موضع الظن فيما لا يحصى كثرة من كتابه هذا و غيره و قد بينا فيما ذكرناه من رواية الكلبي عن أبي مخنف أن أمير المؤمنين ع أول من سبق إلى هذا المعنى في قوله للعباس شاكيا إليه ذهب و الله الأمر منا لأن سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن و عبد الرحمن صهر عثمان فأحدهما مختار لصاحبه لا محالة و إن كان الزبير و طلحة معي فلن أنتفع بذلك إذا كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين فأما قوله إن عبد الرحمن كان زاهدا في الأمر و الزاهد أقرب إلى التثبت فقد بينا وجه إظهاره الزهد فيه و أنه جعله الذريعة إلى مراده. فأما قول صاحب الكتاب إن الضعف الذي وصفه به إنما أراد به الضعف عن القيام بالإمامة لا ضعف الرأي فهب أن الأمر كذلك أ ليس قد جعله أحد من يجوز أن يختار للإمامة و يفوض إليه مع ضعفه عنها و هذا بمنزلة أن يصفه بالفسق ثم يدخله في جملة القوم لأن الضعف عن الإمامة مانع منها كما أن الفسق كذلك. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 271قلت الكلام في الشورى و المطاعن فيها طويل جدا و قد ذكرت من ذلك في كتبي الكلامية و تعليقاتي ما قاله الناس و ما لم أسبق إليه و لا يحتمل هذا الكتاب الإطالة باستقصاء ذلك لأنه ليس بكتاب حجاج و نظر و ني أذكر منه نكتا يسيرة فأقول إن كانت أفعال عمر و أقواله قد تناقضت(13/225)

59 / 147
ع
En
A+
A-