و من يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن و كل ذلك مما لا يستحق به القتل. فأما تضعيف أبي علي لذكر القتل فليس بحجة مع أن جميع من روى قصة الشورى روى ذلك و قد روى الطبري ذلك في تاريخه و غيره. فأما تأوله الأمر بالقتل على أن المراد به إذا تأخروا على طريق شق العصا و طلب الأمر من غير وجهه فبعيد من الصواب لأنه ليس في ظاهر الخبر ذلك و لأنهم إذا شقوا العصا و طلبوا الأمر من غير وجهه من أول يوم وجب أن يمنعوا و يقاتلوا فأي معنى لضرب الأيام الثلاثة أجلا. فأما تعلقه بالتهديد فكيف يجوز أن يتهدد الإنسان على فعل بما لا يستحقه و إن علم أنه لا يعزم عليه. فأما قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ فيخالف ما ذكر لأن الشرك يستحق به إحباط الأعمال و ليس يستحق بالتأخير عن البيعة القتل. فأما ادعاء صاحب الكتاب أن الجماعة دخلوا في الشورى على سبيل الرضا و أن عبد الرحمن أخذ عليهم العهد أن يرضوا بما يفعله فمن قرأ قصة الشورى على وجهها و عدل عما تسوله النفس من بناء الأخبار على المذاهب علم أن الأمر بخلاف ما ذكر و قد روى الطبري في تاريخه عن أشياخه من طرق مختلفة أن أمير المؤمنين ع قال حين خرج من عند عمر بعد خطابه للجماعة بما تقدم ذكره لقوم كانوا معه من بني هاشم إن طمع فيكم قومكم لم تؤمروا أبدا و تلقاه العباس بن عبد المطلب(13/216)
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 262فقال يا عم عدلت عنا قال و ما علمك قال قرن بي عثمان و قال كونوا مع الأكثر و إن رضي رجلان رجلا و رجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن و عبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها عبد الرحمنثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن فلو كان الآخران معي لم ينفعاني بله أني لا أرجو إلا أحدهما فقال له العباس لم أدفعك عن شي ء إلا رجعت إلى مستأخرا أشرت عليك عند وفاة رسول الله ص أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت و أشرت عليك عند وفاته أن تعاجل الأمر فأبيت و أشرت عيك حين سماك عمر في الشورى ألا تدخل معهم فأبيت فاحفظ علي واحدة كلما عرض عليك القوم فقل لا إلا أن يولوك و احذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرنا و غيرهم و ايم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير
فقال علي ع أما و الله لئن بقي عمر لأذكرنه ما أتى إلينا و لئن مات ليتداولنها بينهم و لئن فعلوا ليجدنني حيث يكرهون ثم تمثل
حلفت برب الراقصات عشية غدون خفافا فابتدرن المحصباليحتلبن رهط ابن يعمر مارئا نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا(13/217)
. فالتفت فرأى أبا طلحة الأنصاري فكره مكانه فقال أبو طلحة لا ترع أبا حسن. قال المرتضى فإن قال قائل أي معنى لقول العباس إني دعوتك إلى أن تسأل رسول الله ص فيمن هذا الأمر من قبل وفاته أ ليس هذا مبطلا لما تدعونه من النص. قلنا غير ممتنع أن يريد العباس سؤاله عمن يصير الأمر إليه و ينتقل إلى يديه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 263لأنه قد يستحقه من لا يصل إليه و قد يصل إلى من لا يستحقه و ليس يمتنع أن يريد إنما كنا نسأله ص إعادة النص قبل الموت ليتجدد و يتأكد و يكون لقرب العهد إليه بعيدا من أن يطرح. فإن قيل أ ليس قد أنكر على صاحب الكتاب من التأويل بعينه فيما استعمله من الرواية عن أبي بكر من قوله ليتني كنت سألت رسول الله ص هل للأنصار في هذا الأمر حق. قلنا إنما أنكرناه في ذلك الخبر لأنه لا يليق به من حيث قال فكنا لا ننازعه أهله و هذا قول من لا علم له بأنه ليس للأنصار حق في الإمامة و من كان يرجع في أن لهم حقا في الأمر أو لا حق لهم فيه إلى ما يسمعه مستأنفا و ليس هذا في الخبر الذي ذكرناه. و
روى العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده في إسناده أن أمير المؤمنين ع شكا إلى العباس ما سمع من قول عمر كونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف و قال و الله لقد ذهب الأمر منا قال و كيف قلت ذلك يا ابن أخي قال إن سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن و عبد الرحمن نظير عثمان و صهره فأحدهما يختار لصاحبه لا محالة و إن كان الزبير و طلحة معي فلن أنتفع بذلك إذا كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين
قال ابن الكلبي عبد الرحمن زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط و أمها أروى بنت كريز و أروى أم عثمان فلذلك قال صهره. و في رواية الطبري أن عبد الرحمن دعا عليا ع فقال عليك عهد الله شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 264و ميثاقه لتعملن بكتاب الله و سنة رسوله و سيرة الخفتين فقال أرجو أن أفعل و أعمل بمبلغ علمي و طاقتي. و(13/218)
في خبر آخر عن أبي الطفيل أن عبد الرحمن قال لعلي ع هلم يدك خذها بما فيها على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر و عمر فقال آخذها بما فيها على أن أسير فيكم بكتاب الله و سنة نبيه جهدي فترك يده و قال هلم يدك يا عثمان أ تأخذها بما فيها على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر و عمر قال نعم قال هي لك يا عثمان
و في رواية الطبري أنه قال لعثمان مثل قوله لعلي فقال نعم فبايعه فقال علي ع ختونة حنت دهرا
و في خبر آخر نفعت الختونة يا ابن عوف ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ و الله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك و الله كل يوم هو في شأن
و في غير رواية الطبري أن عبد الرحمن قال له لقد قلت ذلك لعمر فقال ع أ و لم يكن ذلك كما قلت
و روى الطبري أن عبد الرحمن قال لا تجعلن يا علي على نفسك سبيلا فإني نظرت و شاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان فقام علي ع و هو يقول سيبلغ الكتاب أجله(13/219)
و في رواية الطبري أن الناس لما بايعوا عثمان تلكأ علي ع فقال عثمان فمن نكث فإنما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 265عظيما فرجع علي ع حتى بايعه و هو يقول خدعة و أي خدعةو روى البلاذري في كتابه عن ابن الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف في إسناد له أن عليا ع لما بايع عبد الرحمن عثمان كان قائما فقال له عبد الرحمن بايع و إلا ضربت عنقك و لم يكن يومئذ مع أحد سيف غيره فخرج علي مغضبا فلحقه أصحاب الشورى فقالوا له بايع و إلا جاهدناك فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان. قال المرتضى فأي رضا هاهنا و أي إجماع و كيف يكون مختارا من تهدد بالقتل و بالجهاد و هذا المعنى و هو حديث ضرب العنق لو روته الشيعة لتضاحك المخالفون منه و تغامزوا و قالوا هذا من جملة ما تدعونه من المحال و تروونه من الأحاديث و قد أنطق الله به رواتهم و أجراه على أفواه ثقاتهم و لقد تكلم المقداد في ذلك اليوم بكلام طويل يفند فيه ما فعلوه من بيعة عثمان و عدولهم بالأمر عن أمير المؤمنين إلى أن قال له عبد الرحمن يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة ثم إن المقداد قام فأتى عليا فقال أ تقاتل فنقاتل معك فقال علي فبمن أقاتل و تكلم أيضا عمار فيما رواه أبو مخنف فقال يا معشر قريش أين تصرفون هذا الأمر عن بيت نبيكم تحولونه هاهنا مرة و هاهنا مرة أما و الله ما أنا بآمن أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما انتزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله فقال له هشام بن الوليد يا ابن سمية لقد عدوت طورك و ما عرفت قدرك و ما أنت و ما رأته قريش لأنفسها إنك لست في شي ء من أمرها و إمارتها فتنح عنها و تكلمت قريش بأجمعها و صاحت بعمار و انتهرته فقال الحمد لله ما زال أعوان الحق قليلا. روى أبو مخنف أيضا أن عمارا قال هذا البيت ذلك اليوم شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 266يا ناعي الإسلام قم فانعه قد مات عرف و أتى منكر(13/220)