ما روي عنه من قصة الشورى و كونه خرج بها عن الاختيار و النص جميعا و أنه ذم كل واحد بأن ذكر فيه طعنا ثم أهله للخلافة بعد أن طعن فيه و أنه جعل الأمر إلى ستة ثم إلى أربعة ثم إلى واحد قد وصفه بالضعف و القصور و قال إن اجتمع علي و عثمان فالقول ما قالاه و إن صاروا ثلاثة و ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن و ذلك لعلمه بأن عليا و عثمان لا يجتمعان و أن عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه و ابن عمه و أنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام و أنه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم أو الذين فيهم عبد الرحمن. أجاب قاضي القضاة عن ذلك فقال الأمور الظاهرة لا يجوز أن يعترض عليها بأخبار غير صحيحة و الأمر في الشورى ظاهر و أن الجماعة دخلت فيها بالرضا و لا فرق بين من قال في أحدهم أنه دخل فيها لا بالرضا و بين من قال ذلك في جميعهم و لذلك جعلنا دخول أمير المؤمنين ع في الشورى أحد ما يعتمد عليه في أن لا نص يدل عليه أنه المختص بالإمامة لأنه قد كان يجب عليه أن يصرح بالنص على نفسه بل يحتاج إلى ذكر فضائله و مناقبه لأن الحال حال مناظرة و لم يكن الأمر مستقرا لواحد فلا يمكن أن يتعلق بالتقية و المتعالم من حاله أنه لو امتنع من هذا الأمر في الشورى أصلا لم يلحقه الخوف فضلا عن غيره و معلوم أن دلالة الفعل أحسن من دلالة القول من حيث كان الاحتمال فيه أقل و المروي أن عبد الرحمن أخذ الميثاق على الجماعة شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 257بالرضا بمن يختاره و لا يجب القدح في الأفعال بالظنون بل ي حملها على ظاهر الصحة دون الاحتمال كما يجب مثله في غيرها و يجب إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي حسن الظن به أن يحمل فعله على ما يطابقها و قد علمنا أن حال عمر و ما كان عليه من النصيحة للمسلمين منع من صرف أمره في الشورى إلى الأغراض التي يظنها أعداؤه فلا يصح لهم أن يقولوا كان مراده في الشورى بأن يجعل الأمر إلى الفرقة التي فيها(13/211)


عبد الرحمن عند الخلاف أن يتم الأمر لعثمان لأنه لو كان هذا مراده لم يكن هناك ما يمنعه من النص على عثمان كما لم يمنع ذلك أبا بكر لأن أمره إن لم يكن أقوى من أمر أبي بكر لم ينقص عنه و ليس ذلك بدعة لأنه إذا جاز في غير الإمام إذا اختار أن يفعل ذلك بأن ينظر في أماثل القوم فيعلم أنهم عشرة ثم ينظر في العشرة فيعلم أن أمثلهم خمسة ثم ينظر في واحد من الخمسة فما الذي يمنع من مثله في الإمام و هو في هذا الباب أقوى اختيارا لأن له أن يختار واحدا بعينه. ثم ذكر أنه إنما حصره في الجماعة الذين انتهى إليهم الفضل و جعله شورى بينهم ثم بين أن الانتقال من الستة إلى الأربعة و من الأربعة إلى الثلاثة لا يكون متناقضا لأن الأقوال مختلفة و ليست واحدة و لو كانت أيضا واحدة لكان كالرجوع و للإمام أن يرجع في مثل ذلك لأنه في حكم الوصية. قال و قولهم أنه كان يعلم أن عثمان و عليا لا يجتمعان و أن عبد الرحمن يميل إلى عثمان قلة دين لأن الأمور المستقبلة لا تعلم و إنما يحصل فيها أمارة قال و الأمارات توجب أنه لم يكن فيهم حرص شديد على الإمامة بل الغالب من حالهم طلب الاتفاق و الائتلاف و الاسترواح إلى قيام الغير بذلك و إنما جعل عمر الأمر إلى عبد الرحمن عند الاختلاف لعلمه بزهده في الأمر و أنه لأجل ذلك أقرب أن يتثبت لأن الراغب(13/212)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 258عن الشي ء يحصل له من التثبت ما لا يحصل للراغب فيه و من كانت هذه حاله كان القوم إلى الرضا به أقرب. و حكي عن أبي علي أن المخادعة إنما تظن بمن قصده في الأمور طريق الفساد و عمر بري ء من ذلك. قال و الضعف الذي وصف به عبد الرحمنا أراد به الضعف عن القيام بالإمامة لا ضعف الرأي و لذلك رد الاختيار و الرأي إليه و حكي عن أبي علي ضعف ما روي من أمره بضرب أعناق القوم إذا تأخروا عن البيعة و أن ذلك لو صح لأنكره القوم و لم يدخلوا في الشورى بهذا الشرط ثم تأوله إذ سلم صحته على أنهم إن تأخروا عن البيعة على سبيل شق العصا و طلب الأمر من غير وجهه و قال و لا يمتنع أن يقول ذلك على طريق التهديد و إن بعد عنده أن يقدموا عليه كما قال تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. اعترض المرتضى هذا الكلام فقال إن الذي رتبه عمر في قصة الشورى من ترتيب العدد و اتفاقه و اختلافه يدل أولا على بطلان مذهب أصحاب الاختيار في عدد العاقدين للإمامة و أنه يتم بعقد واحد لغيره برضا أربعة و أنه لا يتم بدون ذلك فإن قصة الشورى تصرح بخلاف هذا الاعتبار فهذا أحد وجوه المطاعن فيها. و من جملتها أنه وصف كل واحد منهم بوصف زعم أنه يمنع من الإمامة ثم جعل الأمر فيمن له تلك الأوصاف و قد روى محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال قال عمر لا أدري ما أصنع بأمة محمد ص و ذلك قبل أن يطعن فقلت و لم تهتم و أنت تجد من تستخلفه شرح نهجلبلاغة ج : 12 ص : 259عليهم قال أ صاحبكم يعني عليا قلت نعم هو لها أهل في قرابته من رسول الله ص و صهره و سابقته و بلائه قال إن فيه بطالة و فكاهة فقلت فأين أنت من طلحة قال فأين الزهو و النخوة قلت عبد الرحمن قال هو رجل صالح على ضعف فيه قلت فسعد قال ذاك صاحب مقنب و قتال لا يقوم بقرية لو حمل أمرها قلت فالزبير قال وعقة لقس مؤمن(13/213)


الرضا كافر الغضب شحيح و إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف رفيق في غير ضعف و جواد في غير سرف قلت فأين أنت من عثمان قال لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس و لو فعلها لقتلوه. و قد يروى من غير هذا الطريق أن عمر قال لأصحاب الشورى روحوا إلي فلما نظر إليهم قال قد جاءني كل واحد منهم يهز عفريته يرجو أن يكون خليفة أما أنت يا طلحة أ فلست القائل إن قبض النبي ص أنكح أزواجه من بعده فما جعل الله محمدا أحق ببنات أعمامنا منا فأنزل الله تعالى فيك وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً و أما أنت يا زبير فو الله ما لان قلبك يوما و لا ليلة و ما زلت جلفا جافيا و أما أنت يا عثمان فو الله لروثة خير منك و أما أنت يا عبد الرحمن فإنك رجل عاجز تحب قومك جميعا و أما أنت يا سعد فصاحب عصبية و فتنة و أما أنت يا علي فو الله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحهم فقام علي موليا يخرج فقال عمر و الله إني لأعلم مكان رجل لو وليتموه(13/214)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 260أمركم لحملكم على المحجة البيضاء قالوا من هو قال هذا المولي من بينكم قالوا فما يمنعك من ذلك قال ليس إلى ذلك سبيل. و في خبر آخر رواه البلاذري في تاريخه أن عمر لما خرج أهل الشورى من عنده قال إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق فقالبد الله بن عمر فما يمنعك منه يا أمير المؤمنين قال أكره أن أتحملها حيا و ميتا. فوصف كما ترى كل واحد من القوم بوصف قبيح يمنع من الإمامة ثم جعلها في جملتهم حتى كان تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع و نحن نعلم أن الذي ذكره إن كان مانعا من الإمامة في كل واحد على الانفراد فهو مانع من الاجتماع مع أنه وصف عليا ع بوصف لا يليق به و لا ادعاه عدو قط بل هو معروف بضده من الركانة و البعد عن المزاح و الدعابة و هذا معلوم ضرورة لمن سمع أخباره ع و كيف يظن به ذلك و قد روي عن ابن عباس أنه قال كان أمير المؤمنين علي ع إذا أتى هبنا أن نبتدئه بالكلام و هذا لا يكون إلا من شدة التزمت و التوقر و ما يخالف الدعابة و الفكاهة. و مما تضمنته قصة الشورى من المطاعن أنه قال لا أتحملها حيا و ميتا و هذا إن كان علة عدوله عن النص إلى واحد بعينه فهو قول متلمس متخلص لا يفتات على الناس في آرائهم ثم نقض هذا بأن نص على ستة من بين العالم كله ثم رتب العدد ترتيبا مخصوصا يؤول إلى أن اختيار عبد الرحمن هو المقدم و أي شي ء يكون من التحمل أكثر من هذا و أي فرق بين أن يتحملها بأن ينص على واحد بعينه و بين أن يفعل ما فعله من الحصر و الترتيب. شرح نهج البلاغة ج : 12: 261و من جملة المطاعن أنه أمر بضرب الأعناق إن تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام و معلوم أنهم بذلك لا يستحقون القتل لأنهم إذا كانوا إنما كلفوا أن يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام فربما طال زمان الاجتهاد و ربما قصر بحسب ما يعرض فيه من العوارض فأي معنى للأمر بالقتل إذا تجاوزوا الأيام الثلاثة ثم أنه أمر بقتل من يخالف الأربعة(13/215)

57 / 147
ع
En
A+
A-