قال فكيف كان المطر قال عفى الأثر و ملأ الحفر قال فمن أنت قال من بكر بن وائل قال كيف علمك بهم قال إن جهلتهم لم أعرف غيرهم قال فما تقول في بني شيبان قال سادتنا و سادة غيرنا قال فما تقول في بني ذهل قال سادة نوكى قال فقيس بن ثعلبة قال إن جاورتهم سرقوك و إن ائتمنتهم خانوك قال فبنو تيم الله بن ثعلبة قال رعاء النقد و عراقيب الكلاب قال فبني يشكر قال صريح تحسبه مولى. قال هشام بن الكلبي لأن في ألوانهم حمرة قال فعجل قال أحلاس الخيل قال فعبد القيس قال يطعمون الطعام و يضربون الهام قال فعنزة قال لا تلتقي بهم الشفتان لؤما قال فضبيعة أضجم قال جدعا و عقرا قال فأخبرني عن النساء قال النساء أربع ربيع مربع و جميع مجمع و شيطان سمعمع و غل لا يخلع قال فسر قال أما الربيع المربع فالتي إذا نظرت إليها سرتك و إذا أقسمت عليها برتك و أما التي هي جميع مجمع فالمرأة تتزوجها و لها نسب فيجتمع نسبها إلى نسبك و أما الشيطان السمعمع فالكالحة في وجهك إذا دخلت المولولة في أثرك شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 241إذا خرجت و أما الغل الذي لا يخلع فبنت عمك السوداء القصيرة الفوهاء الدميمة التي قد نثرت لك بطنها إن طلقتها ضاع ولدك و إن أمسكتها فعلى جدع أنفك قال المغيرة بل أنفك قال فما تقول في أميرك المغيرة بن شعبة قال أعور زان فقال الهيثم بن الأسود فض الله فاك ويلك إنه الأمير المغيرة قال إنها كلمة تقال فانطلق به المغيرة إلى منزله و عنده يومئذ أربع نسوة و ستون أو سبعون أمه و قال ويحك هل يزني الحر و عنده مثل هؤلاء ثم قال لهن ارمين إليه بحليكن ففعلن فخرج بمل ء كسائه ذهبا و فضة. و إنما أوردنا هذين الخبرين ليعلم السامع أن الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس و لأنهما يتضمنان أدبا و كتابنا هذا موضوع للأدب. و إنما قلنا إن عمر لم يخطئ في درء الحد عنه لأن الإمام يستحب له ذلك و إن غلب على ظنه أنه قد وجب الحد عليه(13/196)
روى المدائني أن أمير المؤمنين عليا ع أتي برجل قد وجب عليه الحد فقال أ هاهنا شهود قالوا نعم قال فأتوني بهم إذا أمسيتم و لا تأتوني إلا معتمين فلما أعتموا جاءوه فقال لهم نشدت الله رجلا ما لي عنده مثل هذا الحد إلا انصرف قال فما بقي منهم أحد فدرأ عنه الحد ذكر هذا الخبر أبو حيان في كتاب البصائر في الجزء السادس منه
و الخبر المشهور الذي كاد يكون متواترا
أن رسول الله ص قال ادرءوا الحدود بالشبهات
و من تأمل المسائل الفقهية في باب الحدود علم أنها بنيت على الإسقاط عند أدنى سبب و أضعفه أ لا ترى أنه لو أقر بالزناء ثم رجع عن إقراره قبل إقامة الحد أو في وسطه قبل رجوعه و خلي سبيله. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 242و قال أبو حنيفة و أصحابه يستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع و يقول له تأمل ما تقول لعلك مسستها أو قبلتها و يجب على الإمام أن يسأل الشهود ما الزناء و كيف هو و أين زنى و بمن زنى و متى زنى و هل رأوه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة فإذا ثبت كل ذلك سأل عنهم فلا يقيم الحد حتى يعدلهم القاضي في السر و العلانية و لا يقام الحد بإقرار الإنسان على نفسه حتى يقر أربع مرات في أربعة مجالس كلما أقر رده القاضي و إذا تم إقراره سأله القاضي عن الزناء ما هو و كيف هو و أين زنى و بمن زنى و متى زنى. قال الفقهاء و يجب أن يبتدئ الشهود برجمه إذا تكاملت الشهادة فإن امتنعوا من الابتداء برجمه سقط الحد. قالوا و لا حد على من وطئ جارية ولده أو ولد ولده و إن قال علمت أنها على حرام و إن وطئ جارية أبيه أو أمه أو أخته و قال ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه و من أقر أربع مرات في مجالس مختلفة بالزناء بفلانة فقالت هي بل تزوجني فلا حد عليه و كذلك إن أقرت المرأة بأنه زنى بها فلان فقال الرجل بل تزوجتها فلا حد عليها قالوا و إذا شهد الشهود بحد متقادم من الزناء لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إذا كان حد(13/197)
الزناء و إن شهدوا أنه زنى بامرأة و لا يعرفونها لم يحد لم تقبل شهادتهم إذا كان حد الزناء و إن شهدوا أنه زنى بامرأة و لا يعرفونها لم يحد و إن شهد اثنان أنه زنى بامرأة بالكوفة و آخران أنه زنى بالبصرة درئ الحد عنهما جميعا و إن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة بالنخيلة عند طلوع الشمس من يوم كذا و كذا و أربعة شهدوا بهذه المرأة عند طلوع الشمس ذلك اليوم بدير هند درئ الحد عنه و عنها و عنهم جميعا و إن شهد أربعة على شهادة أربعة بالزناء لم يحد المشهود عليه. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 243و هذه المسائل كلها مذهب أبي حنيفة و يوافقه الشافعي في كثير منها و من تأملها علم أن مبني الحدود على الإسقاط بالشبهات و إن ضعفت. فإن قلت كل هذا لا يلزم المرتضى لأن مذهبه في فروع الفقه مخالف لمذهب الفقهاء قلت ذكر محمد بن النعمان و هو شيخ المرتضى الذي قرأ عليه فقه الإمامية في كتاب المقنعة أن الشهود الأربعة إن تفرقوا في الشهادة بالزناء و لم يأتوا بها مجتمعين في وقت في مكان واحد سقط الحد عن المشهود عليه و وجب عليهم حد القذف. قال و إذا أقر الإنسان على نفسه بالزناء أربع مرات على اختيار منه للإقرار وجب عليه الحد و إن أقر مرة أو مرتين أو ثلاثا لم يجب عليه الحد بهذا الإقرار و للإمام أن يؤدبه بإقراره على نفسه حسب ما يراه فإن كان أقر على امرأة بعينها جلد حد القذف. قال و إن جعل في الحفرة ليرجم و هو مقر على نفسه بالزناء ففر منها ترك و لم يرد لأن فراره رجوع عن الإقرار و هو أعلم بنفسه. قال و لا يجب الرجم على المحصن الذي يعده الفقهاء محصنا و هو من وطئ امرأة في نكاح صحيح و إنما الإحصان عندنا من له زوجة أو ملك يمين يستغني بها عن غيرها و يتمكن من وطئها فإن كانت مريضة لا يصل إليها بنكاح أو صغيرة لا يوطأ مثلها أو غائبة عنه أو محبوسة لم يكن محصنا بها و لا يجب عليه الرجم. قال و نكاح المتعة لا يحصن عندنا و إذا كان هذا مذهب(13/198)
الإمامية فقد اتفق قولهم و أقوال الفقهاء في سقوط الرجم بأدنى سبب و الذي رواه أبو الفرج الأصفهاني أن زيادا لم يحضر في المجلس الأول و أنه حضر في مجلس ثان فلعل إسقاط الحد كان لهذا. ثم نعود إلى تصفح ما اعترض به المرتضى كلام قاضي القضاة.
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 244أما قوله كان الحد في حكم الثابت فإن الله تعالى لم يوجب الحد إلا إذا كان ثابتا و لم يوجبه إذا كان في حكم الثابت و يسأل عن معنى قوله في حكم الثابت هل المراد بذلك أنه قريب من الثبوت و إن لم يثبت حقيقة أم المراد أنه قد ثبت و تحقق فإن أراد الثاني قيل له لا نسلم أنه ثبت لأن الشهادة لم تتم و قد اعترف المرتضى بذلك و أقر بأن الشهادة لم تكمل و لكنه نسب ذلك إلى تلقين عمر و إن أراد الأول قيل له ليس يكفي في وحوب الحد أن يكون قريبا إلى الثبوت لأنه لو كفى ذلك لحد الإنسان بشهادة ثلاثة من الشهود. و أما قوله إن عمر لقنه و كره أن يشهد فلا ريب أن الأمر وقع كذلك و قد قلنا إن هذا جائز بل مندوب إليه و روينا عن أمير المؤمنين ما رويناه و ذكرنا قول الفقهاء في ذلك و إنهم استحبوا أن يقول القاضي للمقر بالزناء تأمل ما تقوله لعلك مسستها أو قبلتها. فأما قول المرتضى إنه درأ الحد عن واحد و كان درؤه عن ثلاثة أولى فقد أجاب قاضي القضاة عنه بأنه ما كان يمكن دفعه عنهم فأما قول المرتضى بل قد كان يمكن دفعه عنهم بألا يلقن الرابع الامتناع من الشهادة فقد أجاب قاضي القضاة عنه بأن الزناء و وسم الإنسان به أعظم و أشنع و أفحش من أن يوسم بالكذب و الافتراء و عقوبة الزاني أعظم من عقوبة الكاذب القاذف عند الله تعالى في دار التكليف يبين ذلك أن الله تعالى أوجب جلد ثلاثة من المسلمين لتخليص واحد شهد الثلاثة عليه بالزناء فلو لم يكن هذا المعنى ملحوظا في نظر الشارع لما أوجبه فكيف يقول المرتضى ليس لأحد الأمرين إلا ما في الآخر. و أما خبر السارق الذي رواه قاضي القضاة و قول(13/199)
المرتضى في الاعتراض عليه ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المكروه و قصة المغيرة تخالف هذا فليس بجيد شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 245لأن في دفع الحد عن السارق إضاعة مال المسلم الذي سرق السارق في زمانه و فيه أيضا إغراء أهل الفساد بالسرقة لأنهم إذا لم يقم الحد عليهم لمكان الجحود أقدموا على سرقة الأموال فلو لم يكن عناية الشارع بالدماء أكثر من عنايته بغيره من الأموال و الأبشار لما قال للمكلف لا تقر بالسرقة و لا بالزناء و لما رجح واحدا على ثلاثة و هان في نظره أن تضرب أبشارهم بالسياط و هم ثلاثة حفظا لدم واحد. و أما حديث صفوان و قول المرتضى فلا يشبه كل ما نحن فيه لأن الرسول ص بين أن ذلك القول يسقط الحد لو تقدم و ليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد. فجوابه أن قاضي القضاة لم يقصد بإيراد هذا الخبر إلا تشييد قول عمر أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين لأن عمر كره فضيحة المغيرة كما كره رسول الله ص فضيحة السارق الذي قال صفوان هو له و قال ع هلا قبل أن تأتيني به أي هلا قلت ذلك قبل أن تحضره فلم يفتضح بين الناس فإن قولك هو له و إن درأ الحد إلا أنه لا يدرأ الفضيحة. فأما ما حكاه قاضي القضاة عن أبي علي من أن القذف قد كان تقدم منهم و هم بالبصرة فقد ذكرنا في الخبر ما يدل على ذلك فبطل قول المرتضى أن ذلك غير معروف و أن الظاهر المروي خلافه. و أما قول عمر للمغيرة ما رأيتك إلا خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء فالظاهر أن مراده ما ذكره قاضي القضاة من التخويف و إظهار قوة الظن بصدق الشهود ليكون ردعا له و لذلك ورد في الخبر ما أظن أبا بكرة كذب عليك تقديره أظنه لم يكذب و لو كان كما قال المرتضى ندما و تأسفا على تفريط وقع لأقام الحد عليه و لو بعد حين و من الذي كان يمنعه من ذلك لو أراده.(13/200)