شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 235فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له أبو بكرة إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا فذهب المغيرة و جاء ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة و قال لا و الله لا تصلي بنا و قد فعلت ما فعلت فقال الناس دعوه فليصل إنه الأمير و اكتبوا إلى عمر فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعا المغيرة و الشهود. قال أبو الفرج و قال المدائني في حديثه فبعث عمر بأبي موسى و عزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة. قال أبو الفرج و قال علي بن هاشم في حديثه إن أبا موسى قال لعمر لما أمره أن يرحل المغيرة من وقته أ و خير من ذلك يا أمير المؤمنين نتركه فيتجهز ثلاثا ثم يخرج. قالوا فخرج أبو موسى حتى صلى صلاة الغداة بظهر المربد و أقبل إنسان فدخل على المغيرة فقال إني رأيت أبا موسى قد دخل المسجد الغداة و عليه برنس و ها هو في جانب المسجد فقال المغيرة إنه لم يأت زائرا و لا تاجرا قالوا و جاء أبو موسى حتى دخل على المغيرة و معه صحيفة مل ء يده فلما رآه قال أمير فأعطاه أبو موسى الكتاب فلما ذهب يتحرك عن سريره قال له مكانك تجهز ثلاثا. قال أبو الفرج و قال آخرون إن أبا موسى أمره أن يرحل من وقته فقال المغيرة قد علمت ما وجهت له فألا تقدمت و صليت فقال ما أنا و أنت في هذا الأمر إلا سواء فقال المغيرة إني أحب أن أقيم ثلاثا لأتجهز فقال أبو موسى قد عزم علي أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي إذا قرأته حتى أرحلك إليه قال إن شئت شفعتني و أبررت قسم أمير المؤمنين بأن تؤجلني إلى الظهر و تمسك الكتاب في يدك. قالوا فلقد رئي أبو موسى مقبلا و مدبرا و أن الكتاب في يده معلق بخيط فتجهز المغيرة و بعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية من سبي اليمامة من شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 236بني حنيفة و يقال إنها مولدة الطائف و معها خادم و سار المغيرة حين صلى الظهر حتى قدم على عمر. قال أبو(13/191)


الفرج فقال محمد بن عبد الله بن حزم في حديثه إن عمر قال له لما قدم عليه لقد شهد عليك بأمر إن كان حقا لأن تكون مت قبل ذلك كان خيرا لك. قال أبو الفرج قال أبو زيد عمر بن شبة فجلس له عمر و دعا به و بالشهود فتقدم أبو بكرة فقال أ رأيته بين فخذيها قال نعم و الله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها قال المغيرة لقد ألطفت النظر قال أبو بكرة لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به فقال عمر لا و الله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيها كما يلج المرود في المكحلة قال نعم أشهد على ذلك فقال عمر اذهب عنك مغيرة ذهب ربعك. قال أبو الفرج و يقال إن عليا ع هو قائل هذا القول ثم دعا نافعا فقال علام تشهد قال على مثل شهادة أبي بكرة فقال عمر لا حتى تشهد أنك رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة قال نعم حتى بلغ قذذه فقال اذهب عنك مغيرة ذهب نصفك ثم دعا الثالث و هو شبل بن معبد فقال علام تشهد قال على مثل شهادة صاحبي فقال اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك قال فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين و بكى إلى أمهات المؤمنين حتى بكين معه قال و لم يكن زياد حضر ذلك المجلس فأمر عمر أن ينحى الشهود الثلاثة و ألا يجالسهم أحد من أهل المدينة و انتظر قدوم زياد فلما قدم جلس في المسجد و اجتمع رءوس المهاجرين و الأنصار قال المغيرة و كنت قد أعددت كلمة أقولها فلما رأى عمر زيادا مقبلا قال إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين.(13/192)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 237قال أبو الفرج و في حديث أبي زيد بن عمر بن شبة عن السري عن عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي أنه لما شهد الشاهد الأول عند عمر تغير الثالث لذلك لون عمر ثم جاء الثاني فشهد فانكسر لذلك انكسارا شديدا ثم جاء فشهد فكان الرماد نثر على وجه عمر فلما جاء زياد جاء شاب يخطر بيديه فرفع عمر رأسه إليه و قال ما عندك أنت يا سلح العقاب و صاح أبو عثمان النهدي صيحة تحكي صيحة عمر قال عبد الكريم بن رشيد لقد كدت أن يغشى علي لصيحته. قال أبو الفرج فكان المغيرة يحدث قال فقمت إلى زياد فقلت لا مخبأ لعطر بعد عروس يا زياد أذكرك الله و أذكرك موقف القيامة و كتابه و رسوله أن تتجاوز إلى ما لم تر ثم صحت يا أمير المؤمنين أن هؤلاء قد احتقروا دمي فالله الله في دمي قال فترنقت عينا زياد و احمر وجهه و قال يا أمير المؤمنين أما إن أحق ما حق القوم فليس عندي و لكني رأيت مجلسا قبيحا و سمعت نفسا حثيثا و انتهارا و رأيته متبطنها فقال عمر أ رأيته يدخل و يخرج كالميل في المكحلة قال لا. قال أبو الفرج و روى كثير من الرواة أنه قال رأيته رافعا برجليها و رأيت خصيتيه مترددتين بين فخذيها و سمعت حفزا شديدا و سمعت نفسا عاليا فقال عمر أ رأيته يدخله و يخرجه كالميل في المكحلة قال لا فقال عمر الله أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين و ضرب الباقين. و روى قوم أن الضارب لهم الحد لم يكن المغيرة و أعجب عمر قول زياد و درأ الحد عن المغيرة فقال أبو بكرة بعد أن ضرب أشهد أن المغيرة فعل كذا و كذا فهم عمر بضربه فقال له علي ع إن ضربته رجمت صاحبك و نهاه عن ذلك. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 238قال أبو الفرج يعني إن ضربه تصير شهادته شهادتين فيوجب بذلك الرجم على المغيرة. قال فاستتاب عمر أبا بكرة فقال إنما تستتيبني لتقبل شهادتي قال أجل قال فإني لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا قال فلما(13/193)


ضربوا الحد قال المغيرة الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم فقال عمر اسكت أخزى الله مكانا رأوك فيه. قال و أقام أبو بكرة على قوله و كان يقول و الله ما أنسي قط فخذيها و تاب الاثنان فقبل شهادتهما و كان أبو بكرة بعد ذلك إذا طلب إلى شهادة قال اطلبوا غيري فإن زيادا أفسد علي شهادتي. و قال أبو الفرج و روى إبراهيم بن سعيد عن أبيه عن جده قال لما ضرب أبو بكرة أمرت أمه بشاة فذبحت و جعل جلدها على ظهره قال إبراهيم فكان أبي يقول ما ذاك إلا من ضرب شديد. قال أبو الفرج فحدثنا الجوهري عن عمر بن شبة عن علي بن محمد عن يحيى بن زكريا عن مجالد عن الشعبي قال كانت الرقطاء التي رمي بها المغيرة تختلف إليه في أيام إمارته الكوفة في خلافة معاوية في حوائجها فيقضيها لها. قال أبو الفرج و حج عمر بعد ذلك مرة فوافق الرقطاء بالموسم فرآها و كان المغيرة يومئذ هناك فقال عمر للمغيرة ويحك أ تتجاهل علي و الله ما أظن أبا بكرة كذب عليك و ما رأيتك إلا خفت أن أرمي بحجارة من السماء. قال و كان علي ع بعد ذلك يقول إن ظفرت بالمغيرة لأتبعته الحجارة. قال أبو الفرج فقال حسان بن ثابت يهجو المغيرة و يذكر هذه القصة
لو أن اللؤم ينسب كان عبدا قبيح الوجه أعور من ثقيف
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 239تركت الدين و الإسلام لما بدت لك غدوة ذات النصيف و راجعت الصبا و ذكرت لهوا مع القينات في العمر اللطيف(13/194)


قال أبو الفرج و روى المدائني أن المغيرة لما شخص إلى عمر في هذه الوقعة رأى في طريقه جارية فأعجبته فخطبها إلى أبيها فقال له و أنت على هذه الحال قال و ما عليك إن أبق فهو الذي تريد و إن أقتل ترثني فزوجه. و قال أبو الفرج قال الواقدي كانت امرأة من بني مرة تزوجها بالرقم فلما قدم بها على عمر قال إنك لفارغ القلب طويل الشبق. فهذه الأخبار كما تراها تدل متأملها على أن الرجل زنى بالمرأة لا محالة و كل كتب التواريخ و السير تشهد بذلك و إنما اقتصرنا نحن منها على ما في هذين الكتابين. و قد روى المدائني أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية فلما دخل في الإسلام قيده الإسلام و بقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة. و روى أبو الفرج في كتاب الأغاني عن الجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر قال كان المغيرة بن شعبة و الأشعث بن قيس و جرير بن عبد الله البجلي يوما متوافقين بالكناسة في نفر و طلع عليهم أعرابي فقال لهم المغيرة دعوني أحركه قالوا لا تفعل فإن للأعراب جوابا يؤثر قال لا بد قالوا فأنت أعلم فقال له يا أعرابي أ تعرف المغيرة بن شعبة قال نعم أعرفه أعور زانيا فوجم ثم تجلد فقال أ تعرف الأشعث بن قيس قال نعم ذاك رجل لا يعرى قومه قال و كيف ذاك قال لأنهم حاكة. قال فهل تعرف جرير بن عبد الله قال كيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته فقالوا قبحك الله فإنك شر جليس هل تحب أن يوقر لك بعيرك هذا مالا و تموت شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 240أكرم العرب موتة قال فمن يبلغه إذن أهلي فانصرفوا عنه فتركوه قال أبو الفرج و روى علي بن سليمان الأخفس قال خرج المغيرة بن شعبة و هو يومئذ على الكوفة و معه الهيثم بن التيهان النخعي غب مطر يسير في ظهر الكوفة و النجف فلقي ابن لسان الحمرة أحد بني تيم الله بن ثعلبة و هو لا يعرف المغيرة و لا يعرفه المغيرة فقال له من أين أقبلت يا أعرابي قال من السماوة قال كيف تركت الأرض خلفك قال عريضة أريضة(13/195)

53 / 147
ع
En
A+
A-