كان متوليا للبصرة من قبله. ثم أجاب عن سؤال من سأله عن امتناع زياد من الشهادة و هل يقتضي الفسق أم لا فإن قال لا نعلم أنه كان يتمم الشهادة و لو علمنا ذلك لكان حيث ثبت في الشرع أن له شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 229السكوت لا يكون طعنا و لو كان ذلك طعنا و قد ظهر أمره لأمير المؤمنين ع لما ولاه فارس و لما ائتمنه على أموال الناس و دمائهم. اعترض المرتضى فقال إنما نسب إلى تعطيل الحد من حيث كان في حكم الثابت و إنما بتلقينه لم تكمل الشهادة لأن زيادا ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه و قد صرح بذلك كما صرحوا قبل حضورهم و لو لم يكن هذا لما شهد القوم قبله و هم لا يعلمون هل حاله في ذلك الحكم كحالهم لكنه أحجم في الشهادة لما رأى كراهية متولي الأمر لكمالها و تصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها. و من العجائب أن يطلب الحيلة في دفع الحد عن واحد و هو لا يندفع إلا بانصرافه إلى ثلاثة فإن كان درء الحد و الاحتيال في دفعه من السنن المتبعة فدرؤه عن ثلاثة أولى من درئه عن واحد. و قوله إن دفع الحد عن المغيرة ممكن و دفعه عن ثلاثة و قد شهدوا غير ممكن طريف لأنه لو لم يلقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة لاندفع الحد عن الثلاثة و كيف لا تكون الحيلة ممكنة فيما ذكره. و قوله إن المغيرة يتصور بصورة زان لو تكاملت الشهادة و في هذا من الفضيحة ما ليس في حد الثلاثة غير صحيح لأن الحكم في الأمرين واحد لأن الثلاثة إذا حدوا يظن بهم الكذب و إن جوز أن يكونوا صادقين و المغيرة لو تكاملت الشهادة عليه بالزناء لظن به ذلك مع التجويز لأن يكون الشهود كذبه و ليس في أحد إلا ما في الآخر. و ما روي عنه ع من أنه أتي بسارق فقال له لا تقر إن كان صحيحا لا يشبه ما نحن فيه لأنه ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المكروه. و قصة المغيرة تخالف هذا لما ذكرناه.(13/186)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 231من مقدمات الزناء و أسبابه فهلا ضم عمر إلى جلد الثلاثة تعزير هذا الذي قد صح عنده بشهادة الأربعة ما صح من الفاحشة مثل تعريك أذنه أو ما يجري مجراه من خفيف التعزير و يسيره و هل في العدول عن ذلك حتى عن لومه و توبيخه و الاستخفاف به إلا ما ذكروه من السبب الذي يشهد الحال به قلت أما المغيرة فلا شك عندي أنه زنى بالمرأة و لكني لست أخطئ عمر في درء الحد عنه و إنما أذكر أولا قصته من كتابي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري و أبي الفرج علي بن الحسن الأصفهاني ليعلم أن الرجل زنى بها لا محالة ثم أعتذر لعمر في درء الحد عنه. قال الطبري في تاريخه و في هذه السنة يعني سنة سبع عشرة ولى عمر أبا موسى البصرة و أمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة و ذلك لأمر بلغه عنه قال الطبري حدثني محمد بن يعقوب بن عتبة قال حدثني أبي قال كان المغيرة يخالف إلى أم جميل امرأة من بني هلال بن عامر و كان لها زوج من ثقيف هلك قبل ذلك يقال له الحجاج بن عبيد و كان المغيرة و كان أمير البصرة يختلف إليها سرا فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموه فخرج المغيرة يوما من الأيام إلى المرأة فدخل عليها و قد وضعوا عليهما الرصد فانطلق القوم الذين شهدوا عند عمر فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها فكتبوا بذلك إلى عمر و أوفدوا إليه بالكتاب أبا بكرة فانتهى أبو بكرة إلى المدينة و جاء إلى باب عمر فسمع صوته و بينه و بينه حجاب فقال أبو بكرة فقال نعم قال لقد جئت لشر قال إنما جاء به المغيرة ثم قص عليه القصة و عرض عليه الكتاب فبعث أبا موسى عاملا و أمره شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 232أن يبعث إليه المغيرة فلما دخل أبو موسى البصرة و قعد في الإمارة أهدى إليه المغيرة عقيلة و قال إنني قد رضيتها لك فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر. و قال الطبري و روى الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري عن أبيه عن مالك بن أوس بن(13/187)


الحدثان قال قدم المغيرة على عمر فتزوج في طريقه امرأة من بني مرة فقال له عمر إنك لفارغ القلب شديد الشبق طويل الغرمول ثم سأل عن المرأة فقيل له يقال لها الرقطاء كان زوجها من ثقيف و هي من بني هلال. قال الطبري و كتب إلي السري عن شعيب عن سيف أن المغيرة كان يبغض أبا بكرة و كان أبو بكرة يبغضه و يناغي كل واحد منهما صاحبه و ينافره عند كل ما يكون منه و كانا متجاورين بالبصرة بينهما طريق و هما في مشربتين متقابلتين فهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة و قد فتحت الريح باب الكوة التي في مشربته و هو بين رجلي امرأة فقال للنفر قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال اشهدوا قالوا و من هذه قال أم جميل إحدى نساء بني عامر بن صعصعة فقالوا إنما رأينا أعجازا و لا ندري الوجوه فلما قامت صمموا و خرج المغيرة إلى الصلاة فحال أبو بكرة بينه و بين الصلاة و قال لا تصل بنا و كتبوا إلى عمر بذلك و كتب المغيرة إليه أيضا فأرسل عمر إلى أبي موسى فقال يا أبا موسى إني مستعملك و إني باعثك إلى الأرض التي قد باض بها الشيطان و فرخ فالزم ما تعرف و لا تستبدل فيستبدل الله بك فقال يا أمير المؤمنين أعني بعدة من(13/188)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 233أصحاب رسول الله ص من المهاجرين و الأنصار فإني وجدتهم في هذه الأمة و هذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به قال عمر فاستعن بمن أحببت فاستعان بتسعة و عشرين رجلا منهم أنس بن مالك و عمران بن حصين و هشام بن عامر و خرج أبو موسى بهم حتى أناخ بالبصرة في المربد و بلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال و الله ما جاء أبو موسى زائرا و لا تاجرا و لكنه جاء أميرا فإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم فدفع إلى المغيرة كتابا من عمر إنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس أربع كلم عزل فيها و عاتب و استحث و أمر أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى فسلم ما في يديك إليه و العجل. كتب إلى أهل البصرة أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميرا عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم و ليقاتل بكم عدوكم و ليدفع عن ذمتكم و ليجبي لكم فيئكم و ليقسم فيكم و ليحمي لكم طرقكم. فأهدى إليه المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعى عقيلة و قال إني قد رضيتها لك و كانت فارهة و ارتحل المغيرة و أبو بكرة و نافع بن كلدة و زياد و شبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر فجمع بينهم و بين المغيرة فقال المغيرة يا أمير المؤمنين سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أم مستدبرهم و كيف رأوا المرأة و عرفوها فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر و إن كانوا مستدبري فبأي شي ء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي و الله ما أتيت إلا امرأتي فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل و هو يدخله و يخرجه قال عمر كيف رأيتهما قال مستدبرهما قال كيف استثبت رأسها قال تجافيت فدعا بشبل بن معبد فشهد مثل ذلك و قال استقبلتهما و استدبرتهما و شهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة و لم يشهد زياد بمثل شهادتهم قال شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 234رأيته جالسا بين رجلي امرأة و رأيت قدمين مرفوعتين تخفقان و استين مكشوفتين و سمعت حفزا شديدا قال عمر(13/189)


فهل رأيته فيها كالميل في المكحلة قال لا قال فهل تعرف المرأة قال لا و لكن أشبهها فأمر عمر بالثلاثة فجلدوا الحد و قرأ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ فقال المغيرة الحمد لله الذي أخزاكم فصاح به عمر اسكت أسكت الله نأمتك أما و الله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك فهذا ما ذكره الطبري. و أما أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني فإنه ذكر في كتاب الأغاني أن أحمد بن عبد العزيز الجوهري حدثه عن عمر بن شبة عن علي بن محمد عن قتادة قال كان المغيرة بن شعبة و هو أمير البصرة يختلف سرا إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء فلقيه أبو بكرة يوما فقال له أين تريد قال أزور آل فلان فأخذ بتلابيبه و قال إن الأمير يزار و لا يزور. قال أبو الفرج و حدثني بحديثه جماعة ذكر أسماءهم بأسانيد مختلفة لا نرى الإطالة بذكرها أن المغيرة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار فكان أبو بكرة يلقاه فيقول له أين يذهب الأمير فيقول له إلى حاجة فيقول حاجة ما ذا إن الأمير يزار و لا يزور. قالوا و كانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة فقال فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أخويه نافع و زياد و رجل آخر يقال له شبل بن معبد و كانت غرفة جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها فقال أبو بكرة هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا(13/190)

52 / 147
ع
En
A+
A-