: 12 ص : 224و روى أبو جعفر الطبري في التاريخ أن عمر بعث سلمة بن قيس الأشجعي إلى طائفة من الأكراد كانوا على الشرك فخرج إليهم في جيش سرحه معه من المدينة فلما انتهى إليهم دعاهم إلى الإسلام أو إلى أداء الجزية فأبوا فقاتلهم فنصره الله عليهم فقتل المقاتلة و سبي الذرية و جمع الرثة و وجد حلية و فصوصا و جواهر فقال لأصحابه أ تطيب أنفسكم أن نبعث بهذا إلى أمير المؤمنين فإنه غير صالح لكم و إن على أمير المؤمنين لمئونة و أثقالا قالوا نعم قد طابت أنفسنا فجعل تلك الجواهر في سفط و بعث به مع واحد من أصحابه و قال له سر فإذا أتيت البصرة فاشتر راحلتين فأوقرهما زادا لك و لغلامك و سر إلى أمير المؤمنين قال ففعلت فأتيت عمر و هو يغدي الناس قائما متكئا على عصا كما يصنع الراعي و هو يدور على القصاع فيقول يا يرفأ زد هؤلاء لحما زد هؤلاء خبزا زد هؤلاء مرقة فجلست في أدنى الناس فإذا طعام فيه خشونة طعامي الذي معي أطيب منه فلما فرغ أدبر فاتبعته فدخل دارا فاستأذنت و لم أعلم حاجبه من أنا فأذن لي فوجدته في صفة جالسا على مسح متكئا على وسادتين من أدم محشوتين ليفا و في الصفة عليه ستر من صوف فنبذ إلي إحدى الوسادتين فجلست عليها فقال يا أم كلثوم أ لا تغدوننا فأخرج إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يدق فقال يا أم كلثوم أ لا تخرجين إلينا تأكلين معنا فقالت إني أسمع عندك حس رجل قال نعم و لا أراه من أهل هذا البلد قال فذاك حين عرفت أنه لم يعرفني فقالت لو أردت أن أخرج إلى الرجال لكسوتني كما كسا الزبير امرأته و كما كسا طلحة امرأته قال أ و ما يكفيك أنك أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب و زوجة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قالت إن ذاك عني لقليل الغناء قال كل فلو كانت راضية لأطعمتك أطيب من هذا فأكلت قليلا و طعامي الذي معي أطيب منه(13/181)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 225و أكل فما رأيت أحدا أحسن أكلا منه ما يتلبس طعامه بيده و لا فمه ثم قال اسقونا فجاءوا بعس من سلت فقال أعط الرجل فشربت قليلا و إن سويقي الذي معي لأطيب منه ثم أخذه فشربه حتى قرع القدح جبهته ثم قال الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا و سقانا فأروانا إنك يا هذا لضعيف الأكل ضعيف الشرب فقلت يا أمير المؤمنين إن لي حاجة قال ما حاجتك قلت أنا رسول سلمة بن قيس فقال مرحبا بسلمة و رسوله فكأنما خرجت من صلبه حدثني عن المهاجرين كيف هم قلت كما تحب يا أمير المؤمنين من السلامة و الظفر و النصر على عدوهم قال كيف أسعارهم قلت أرخص أسعار قال كيف اللحم فيهم فإنه شجرة العرب و لا تصلح العرب إلا على شجرتها قلت البقرة فيهم بكذا و الشاة فيهم بكذا ثم سرنا يا أمير المؤمنين حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم إلى الذي أمرت به من الإسلام فأبوا فدعوناهم إلى الخراج فأبوا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة و سبينا الذرية و جمعنا الرثة فرأى سلمة في الرثة حلية فقال للناس إن هذا لا يبلغ فيكم شيئا أ فتطيب أنفسكم أن أبعث به إلى أمير المؤمنين قالوا نعم ثم استخرجت سفطي ففتحته فلما نظر إلى تلك الفصوص من بين أحمر و أخضر و أصفر وثب و جعل يده في خاصرته يصيح صياحا عاليا و يقول لا أشبع الله إذن بطن عمر يكررها فظن النساء أني جئت لأغتاله فجئن إلى الستر فكشفنه فسمعنه يقول لف ما جئت به يا يرفأ جأ عنقه قال فأنا أصلح سفطي و يرفأ يجأ عنقي ثم قال النجاء النجاء قلت يا أمير المؤمنين انزع بي فاحلمني فقال يا يرفأ أعطه راحلتين من إبل الصدقة شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 226فإذا لقيت أفقر إليهما منك فادفعهما إليه و قال أظنك ستبطئ أما و الله لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك و بصاحبك الفاقرة. قال فارتحلت حتى أتيت إلى سلمة بن قيس فقلت ما بارك الله فيما اختصصتني به اقسم هذا في الناس(13/182)


قبل أن تصيبني و إياك فاقرة فقسمه فيهم فإن الفص ليباع بخمسة دراهم و بستة و هو خير من عشرين ألفا. و جملة الأمر أن عمر لا يجوز أن يطعن فيه بمثل هذا و لا ينسب إلى شره و حب للمال فإن طريقته في التعفف و التقشف و خشونة العيش و الزهد أظهر من كل ظاهر و أوضح من كل واضح و حاله في ذلك معلومة و على كل تقدير سواء كان يفعل ذلك دينا أو ورعا كما هو الظاهر من حاله أو كان يفعل ذلك ناموسا و صناعة و رياء و حيلة كما تزعم الشيعة فإنه عظيم لأنه إما أن يكون على غاية الدين و التقى أو يكون أقوى الناس نفسا و أشدهم عزما و كلا الأمرين فضيلة. و الذي ذكره المحدثون و أرباب السير أن عمر لما طعن و احتمل في دمه إلى بيته و أوصى بما أوصى قال لابنه عبد الله انظروا ما علي من دين فحسبوه فوجدوه ستمائة و ثمانين ألف درهم هكذا ورد في الأخبار أنها كانت ديونا للمسلمين و لم تكن من بيت المال فقال عمر انظر يا عبد الله فإن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم و إلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف به أموالهم فسل في قريش و لا تعدهم إلى غيرهم فهكذا وردت الرواية فلذلك قال قاضي القضاة فإن صح فالعذر كذا و كذا لأنه لم يثبت عنده صحة اقتراضه هذا المقدار من بيت المال. و قد روي أن عمر كان له نخل بالحجاز غلته كل سنة أربعون ألفا يخرجها في(13/183)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 227النوائب و الحقوق و يصرفها إلى بني عدي بن كعب إلى فقرائهم و أراملهم و أيتامهم روى ذلك ابن جرير الطبري في التاريخ. فأما قول المرتضى أي حاجة بخشن العيش و جشب المأكل إلى اقتراض الأموال فجوابه أن المتزهد المتقشف قد يضيق على نفسه و يوسع على غيره إما من باب التكرم و الإحسان أو من باب الصدقة و ابتغاء الثواب و قد يصل رحمه و إن قتر على نفسه. و قد روى الطبري أن عمر دفع إلى أم كلثوم بنت أمير المؤمنين ع صداقها يوم تزوجها أربعين ألف درهم فلعل هذا الاقتراض من الناس كان لهذا الوجه و لغيره من الوجوه التي قل أن يخلو أحد منها
الطعن السادس(13/184)


أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد عليه بالزناء و لقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة اتباعا لهواه فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم و ضربهم فتجنب أن يفضح المغيرة و هو واحد و فضح الثلاثة مع تعطيله لحكم الله و وضعه في غير موضعه. أجاب قاضي القضاة فقال إنه لم يعطل الحد إلا من حيث لم تكمل الشهادة و بإرادة الرابع لئلا يشهد لا تكمل البينة و إنما تكمل بالشهادة. و قال إن قوله أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين يجري في أنه سائغ صحيح مجرى ما روي عن النبي ص من أنه أتي بسارق فقال لا تقر. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 228و قال ع لصفوان بن أمية لما أتاه بالسارق و أمر بقطعه فقال هو له يعني ما سرق هلا قبل أن تأتيني به فلا يمتنع من عمر ألا يحب أن تكمل الشهادة و ينبه الشاهد على ألا يشهد و قال إنه جلد الثلاثة من حيث صاروا قذفه و إنه ليس حالهم و قد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه لأن الحيلة في إزالة الحد عنه و لما تتكامل الشهادة عليه ممكنة بتلقين و تنبيه غيره و لا حيلة فيما قد وقع من الشهادة فلذلك حدهم. قال و ليس في إقامة الحد عليهم من الفضيحة ما في تكامل الشهادة على المغيرة لأنه يتصور بأنه زان و يحكم بذلك و ليس كذلك حال الشهود لأنهم لا يتصورون بذلك و إن وجب في الحكم أن يجعلوا في حكم القذفة. و حكي عن أبي علي أن الثلاثة كان القذف قد تقدم منهم للمغيرة بالبصرة لأنهم صاحوا به من نواحي المسجد بأنا نشهد أنك زان فلو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة فلم يمكن في إزالة الحد عنهم ما أمكن في المغيرة. و حكي عن أبي علي في جواب اعتراضه عن نفسه بما روي عن عمر أنه كان إذا رآه يقول لقد خفت أن يرميني الله عز و جل بحجارة من السماء أن هذا الخبر غير صحيح و لو كان حقا لكان تأويله التخويف و إظهار قوة الظن لصدق القوم الذين شهدوا عليه ليكون ردعا له و ذكر أنه غير ممتنع أن يحب ألا يفتضح لما(13/185)

51 / 147
ع
En
A+
A-