غير ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلا لها
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 219على غيرها كقوله وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ و مذهب مالك يجي ء على هذا الاحتمال و
قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان على ستة لله و للرسول سهمان و سهم لأقاربه و ثلاثة أسهم للثلاثة حتى قبض ع فأسقط أبو بكر ثلاثة أسهم و قسم الخمس كله على ثلاثة أسهم و كذلك فعل عمر
و روي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس و قال إنما لكم أن نعطي فقيركم و نزوج أيمكم و نخدم من لا خادم له منكم و أما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غني لا يعطى شيئا و لا يتيم موسر
و قد روي عن زيد بن علي ع مثل ذلك قال ليس لنا أن نبني منه القصور و لا أن نركب منه البراذين فأما مذهب الإمامية فإن الخمس كله للقرابة. و(13/176)
يروون عن أمير المؤمنين ع أنه قال أيتامنا و مساكيننا فإن صح عنه ذلك فقوله عندنا أولى بالاتباع و إنما الكلام في صحته. فأما اقتراض عمر من بيت المال ثمانين ألفا فليس بمعروف و المعروف المشهور أنه كان يظلف نفسه عن الدرهم الواحد منه. و قد روى ابن سعد في كتاب الطبقات أن عمر خطب فقال إن قوما يقولون إن هذا المال حلال لعمر و ليس كما قالوا لاها الله إذن أنا أخبركم بما أستحل منه يحل لي منه حلتان حلة في الشتاء و حلة في القيظ و ما أحج عليه و أعتمر من الظهر و قوتي و قوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم و لا أفقرهم ثم أنا بعد رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 220و روى ابن سعد أيضا أن عمر كان إذا احتاج أتى إلى صاحب بيت المال فاستقرضه فربما عسر عليه القضاء فيأتيه صاحب بيت المال فيتقاضاه فيحتال له و ربما خرج عطاؤه فقضاه و لقد اشتكى مرة فوصف له الطبيب العسل فخرج حتى صعد المنبر و في بيت المال عكة فقال إن أذنتم لي فيها أخذتها و إلا فهي علي حرام فأذنوا له فيها ثم قال إن مثلي و مثلكم كقوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم لينفق عليهم فهل يحل له أن يستأثر منها بشي ء. و روى ابن سعد أيضا قال مكث عمر زمانا لا يأكل من مال المسلمين شيئا حتى أصابته خصاصة فأرسل إلى أصحاب رسول الله ص فاستشارهم فقال لهم قد شغلت نفسي بأمركم فما الذي يصلح أن أصيبه من مالكم فقال عثمان كل و أطعم و كذلك قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فتركهما و أقبل على علي ع فقال ما تقول أنت قال غداء و عشاء قال أصبت و أخذ بقوله(13/177)
و روى أبو الفرج بن الجوزي في كتاب سيرة عمر عن نائلة عن ابن عمر قال جمع عمر الناس لما انتهى إليه فتح القادسية و دمشق فقال إني كنت امرأ تاجرا يغني الله عيالي بتجارتي و قد شغلتموني عن التجارة بأمركم فما ترون أنه يحل لي من هذا المال فقال القوم فأكثروا و علي ع ساكت فقال عمر ما تقول أنت يا أبا الحسن قال ما أصلحك و أصلح عيالك بالمعروف و ليس لك من هذا المال غيره فقال القول ما قاله أبو الحسن و أخذ به
و روى عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أن عبد الله و عبيد الله ابني عمر مرا بأبي موسى و هو على العراق و هما مقبلان من أرض فارس فقال مرحبا بابني أخي شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 221لو كان عندي شي ء و بلي قد اجتمع هذا المال عندي فخذاه و اشتريا به متاعا فإذا قدمتما فبيعاه و لكما ربحه و أديا إلى أمير المؤمنين رأس المال ففعلا فلما قدما على عمر بالمدينة أخبراه فقال أ كل أولاد المهاجرين يصنع بهم أبو موسى مثل ذلك فقالا لا قال فإن عمر يأبى أن يجيز ذلك و جعل قرضا. و روي عن قتادة قال كان معيقيب على بيت المال لعمر فكسح عمر بيت المال يوما و أخرجه إلى المسلمين فوجد معيقيب فيه درهما فدفعه إلى ابن عمر قال معيقيب ثم انصرفت إلى بيتي فإذا رسول عمر قد جاء يدعوني فجئت فإذا الدرهم في يده فقال ويحك يا معيقيب أ وجدت علي في نفسك شيئا قلت و ما ذاك قال أردت أن تخاصمني أمة محمد في هذا الدرهم يوم القيامة. و روى عمر بن شبة عن عبد الله بن الأرقم و كان خازن عمر فقال إن عندنا حلية من حلية جلولاء و آنية من فضة فانظر ما تأمر فيها قال إذا رأيتني فارغا فآذني فجاءه يوما فقال إني أراك اليوم فارغا فما تأمر بتلك الحلية قال ابسط لي نطعا فبسطه ثم أتى بذلك المال فصب عليه فرفع يديه و قال اللهم إنك ذكرت هذا المال فقلت زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ(13/178)
الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ ثم قلت لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا اللهم إني أسألك أن تضعه في حقه و أعوذ بك من شره ثم ابتدأ فقسمه بين الناس فجاءه ابن بنت له فقال يا أبتاه هب لي منه خاتما فقال اذهب إلى أمك تسقك سويقا فلم يعطه شيئا. و روى الطبري في تاريخه أن عمر خطب أم كلثوم بنت أبي بكر فأرسل فيها إلى شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 222عائشة فقالت الأمر إليها فقالت أم كلثوم لا حاجة لي فيه قالت لها عائشة ويلك أ ترغبين عن أمير المؤمنين قالت نعم إنه يغلق بابه و يمنع خيره و يدخل عابسا و يخرج عابسا فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته فقال أنا أكفيك فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين بلغني خبر أعيذك بالله منه قال ما هو قال خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر قال نعم أ فترغب بي عنها أم ترغب بها عني قال لا واحدة و لكنها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين و رفق و فيك غلظة و نحن نهابك و لا نستطيع أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شي ء فسطوت بها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك قال فكيف لي بعائشة و قد كلمتها فيها قال أنا لك بها و أدلك على خير منها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب تعلق منها بسبب من رسول الله فصرفه عنها إلى أم كلثوم بنت فاطمة. و روى عاصم بن عمر قال بعث إلى عمر عند الهاجرة أو قال عند صلاة الصبح فأتيته فوجدته جالسا في المسجد فقال يا بني إني لم أكن أرى شيئا من هذا المال يحل لي قبل أن ألي إلا بحقه و ما كان أحرم علي منه حين وليته فعاد أمانتي و إني كنت أنفقت عليك من مال الله شهرا و لست بزائدك عليه و قد أعطيتك تمري بالعالية فبعه و خذ ثمنه ثم ائت رجلا من تجار قومك فكن إلى جانبه فإذا ابتاع شيئا فاستشركه و أنفق ما تربحه عليك و على أهلك قال فذهبت ففعلت. و روى الحسن البصري أن عمر كان يمشي يوما في سكة(13/179)
من سكك المدينة إذ صبية تطيش على وجه الأرض تقعد مرة و تقوم أخرى من الضعف و الجهد فقال عمر ما بال هذه قال عبد الله ابنه أ ما تعرف هذه قال لا قال إنها إحدى بناتك
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 223فأنكر عمر ذلك فقال هذه ابنتي من فلانة قال ويحك و ما صيرها إلى ما أرى قال منعك ما عندك قال أنا منعتك ما عندي فما الذي منعك أن تطلب لبناتك ما يكسب الأقوام لبناتهم أنه و الله ما لك عندي غير سهمك في المسلمين وسعك أو عجز عنك و كتاب الله بيني و بينك. و روى سعيد بن المسيب قال كتب عمر لما قسم العطاء و فضل من فضل للمهاجرين الذين شهدوا بدرا خمسة آلاف و كتب لمن لم يشهد بدرا أربعة آلاف فكان منهم عمر بن أبي سلمة المخزومي و أسامة بن زيد بن حارثة و محمد بن عبد الله بن جحش و عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال عبد الرحمن بن عوف و هو الذي كان يكتب يا أمير المؤمنين أن عبد الله بن عمر ليس من هؤلاء أنه و أنه يطريه و يثني عليه فقال له عمر ليس له عندي إلا مثل واحد منهم فتكلم عبد الله و طلب الزيادة و عمر ساكت فلما قضى كلامه قال عمر لعبد الرحمن اكتبه على خمسة آلاف و اكتبني على أربعة آلاف فقال عبد الله لا أريد هذا فقال عمر و الله لا أجتمع أنا و أنت على خمسة آلاف قم إلى منزلك فقام عبد الله كئيبا و قال أبو وائل استعملني ابن زياد على بيت المال بالكوفة فأتاني رجل بصك يقول فيه أعط صاحب المطبخ ثمانمائة درهم فقلت له مكانك و دخلت على ابن زياد فقلت له إن عمر استعمل عبد الله بن مسعود بالكوفة على القضاء و بيت المال و استعمل عثمان بن حنيف على سقي الفرات و استعمل عمار بن ياسر على الصلاة و الجند فرزقهم كل يوم شاة واحدة فجعل نصفها و سقطها و أكارعها لعمار لأنه كان على الصلاة و الجند و جعل لابن مسعود ربعها و لابن حنيف ربعها ثم قال إن مالا يؤخذ منه كل يوم شاة أن ذلك فيه لسريع فقال ابن زياد ضع المفتاح فاذهب حيث شئت. شرح نهج البلاغة ج(13/180)