قيل لذي النون من أكبر الناس هما قال أسوؤهم خلقا. و كان يقال ما تخلق أحد أربعين صباحا بخلق إلا صار ذلك طبيعة فيه. قال الحسن في قوله تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ أي و خلقك فحسن. شتم رجل الأحنف بن قيس و جعل يتبعه و يشتمه فلما قرب الحي وقف و قال يا فتى إن كان قد بقي في قلبك شي ء فقله كيلا يسمعك سفهاء الحي فيجيبوك. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 219و يقال إن معروفا الكرخي نزل دجلة ليسبح و وضع ثيابه و مصحفه فجاءت امرأة فاحتملتهما فتبعها و قال أنا معروف الكرخي فلا بأس عليك أ لك ابن يقرأ قالت لا قال أ فلك بعل قالت لال فهاتي المصحف و خذي الثياب. قيل لبعضهم ما أدب الخلق قال ما أدب الله به نبيه في قوله خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
يقال إن في بعض كتب النبوات القديمة يا عبدي اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب(12/181)
قالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال لقد وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة. قال بعضهم و قد سئل عن غلام سوء له لم يمسكه قال أ تعلم عليه الحلم. و كان يقال ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة الحليم عند الغضب و الشجاع عند الحرب و الصديق عند الحاجة إليه. و قيل في تفسير قوله تعالى وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً الظاهرة تسوية الخلق و الباطنة تصفية الخلق. الفضيل لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق. خرج إبراهيم بن أدهم إلى بعض البراري فاستقبله جندي فسأله أين العمران فأشار إلى المقبرة فضرب رأسه فشجه و أدماه فلما جاوزه قيل له إن ذلك إبراهيم بن أدهم شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 220زاهد خراسان فرد إليه يعتذر فقال إبراهيم إنك لما ضربتني سألت الله لك الجنة. قال لم سألت ذلك قال علمت أني أوجر على ضربك لي فلم أرد أن يكون نصيبي منك الر و نصيبك مني الشر. و قال بعض أصحاب الجنيد قدمت من مكة فبدأت بالشيخ كي لا يتعنى إلي فسلمت عليه ثم مضيت إلى منزلي فلما صليت الصبح في المسجد إذا أنا به خلفي في الصف فقلت إنما جئتك أمس لئلا تتعنى فقال ذلك فضلك و هذا حقك.
كان أبو ذر على حوض يسقي إبله فزاحمه إنسان فكسر الحوض فجلس أبو ذر ثم اضطجع فقيل له في ذلك فقال أمرنا رسول الله ص إذا غضب الرجل و هو قائم فليجلس فإن ذهب عنه و إلا فليضطجع(12/182)
دعا إنسان بعض مشاهير الصوفية إلى ضيافة فلما حضر باب داره رده و اعتذر إليه ثم فعل به مثل ذلك و ثانية و ثالثة و الصوفي لا يغضب و لا يضجر فمدحه ذلك الإنسان و أثنى عليه بحسن الخلق فقال إنما تمدحني على خلق تجد مثله في الكلب إن دعوته حضر و إن زجرته انزجر. مر بعضهم وقت الهاجرة بسكة فألقى عليه من سطح طست رماد فغضب من كان في صحبته فقال لا تغضبوا من استحق أن يصب عليه النار فصولح على الرماد لم تجز له أن يغضب. كان لبغض الخياطين جار يدفع إليه ثيابا فيخيطها و يدفع إليه أجرتها دراهم زيوفا فيأخذها فقام يوما من حانوته و استخلف ولده فجاء الجار بالدراهم الزائفة فدفعها إلى الولد فلم يقبلها فأبدلها بدراهم جيدة فلما جاء أبوه دفع إليه الدراهم فقال ويحك هل جرى بينك و بينه أمر قال نعم إنه أحضر الدراهم زيوفا فرددتها فأحضر هذه شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 221فقال بئس ما صنعت إنه منذ ك و كذا سنة يعاملني بالزائف و أصبر عليه و ألقيها في بئر كي لا يغر غيري بها و قيل الخلق السيئ هو أن يضيق قلب الإنسان عن أن يتسع لغير ما تحبه النفس و تؤثره كالمكان الضيق لا يسع غير صاحبه. و كان يقال من سوء الخلق أن تقف على سوء خلق غيرك و تعيبه به.
قيل لرسول الله ادع الله على المشركين فقال إنما بعثت رحمة و لم أبعث عذابا
دعا علي ع غلاما له مرارا و هو لا يجيبه فقام إليه فقال أ لا تسمع يا غلام قال بلى قال فما حملك على ترك الجواب قال أمني لعقوبتك قال اذهب فأنت حر
و منها الكتمان قال رسول الله ص استعينوا على أموركم بالكتمان
و قال السري علامة الحب الصبر و الكتمان و من باح بسرنا فليس منا. و قال الشاعر
كتمت حبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيك إسراري و إعلاني كأنه غاض حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في جسم كتمانيو هذا ضد ما يذهب إليه القوم من الكتمان و هو عذر لأصحاب السر و الإعلان و كان يقال المحبة فاضحة و الدمع نمام. و قال الشاعر(12/183)
لا جزى الله دمع عيني خيرا و جزى الله كل خير لساني
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 222فاض دمعي فليس يكتم شيئا و وجدت اللسان ذا كتمايقال إن بعض العارفين أوصى تلميذه بكتمان ما يطلع عليه من الحال فلما شاهد الأمر غلب فكان يطلع في بئر في موضع خال فيحدثها بما يشاهد فنبتت في تلك البئر شجرة سمع منها صوت يحكي كلام ذلك التلميذ كما يحكي الصدا كلام المتكلم فأسقط بذلك من ديوان الأولياء. و أنشدوا
أبدا تحن إليكم الأرواح و وصالكم ريحانها و الراح و قلوب أهل ودادكم تشتاقكم و إلى لقاء جمالكم ترتاح وا رحمة للعاشقين تحملوا ثقل المحبة و الهوى فضاح بالسر إن باحوا تباح دماؤهم و كذا دماء البائحين تبو قال الحسين بن منصور الحلاج
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتنناو قد تقدمني فيه أبو حسن إلى الحسين و أوصى قبله الحسنايا رب مكنون علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثناو لاستحل رجال صالحون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا
و منها الجود و السخاء و الإيثار قال الله تعالى وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ و(12/184)
قال النبي ص السخي قريب من الله قريب من الناس شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 223و البخيل بعيد من الله بعيد من الناس و أن الجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيلقالوا لا فرق بين الجود و السخاء في اصطلاح أهل العربية إلا أن الباري سبحانه لا يوصف بالسخاء لأنه يشعر بسماح النفس عقيب التردد في ذلك و أما في اصطلاح أرباب هذه الطريقة فالسخاء هو الرتبة الأولى و الجود بعده ثم الإيثار فمن أعطى البعض و أبقى البعض فهو صاحب السخاء و من أعطى الأكثر و أبقى لنفسه شيئا فهو صاحب الجود و الذي قاسى الضراء و آثر غيره بالبلغة فهو صاحب الإيثار. قال أسماء بن خارجة الفزاري ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة طلبها إن كان كريما صنت عرضه عن الناس و إن كان لئيما صنت عنه عرضي. كان مؤرق العجلي يتلطف في بر إخوانه يضع عندهم ألف درهم و يقول أمسكوها حتى أعود إليكم ثم يرسل إليهم أنتم منها في حل. و كان يقال الجود إجابة الخاطر الأول. و كان أبو الحسن البوشنجي في الخلاء فدعا تلميذا له فقال انزع عني هذا القميص و ادفعه إلى فلان فقيل له هلا صبرت فقال لم آمن على نفسي أن تغير علي ما وقع لي من التخلق معه بالقميص.
رئي علي ع يوما باكيا فقيل له لم تبكي فقال لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام أخاف أن يكون الله قد أهانني
أضاف عبد الله بن عامر رجلا فأحسن قراه فلما أراد أن يرتحل لم يعنه غلمانه فسئل عن ذلك فقال إنهم إنما يعينون من نزل علينا لا من ارتحل عنا. و منها الغيرة
قال رسول الله ص لا أحد أغير من الله إنما حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن لغيرته(12/185)