شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 214موافق على ذلك راض به غير منكر له و هل فعل عمر ذلك إلا لقربهما من رسول الله ص. و نحن نذكر ما فعله عمر في هذا الباب مختصرا نقلناه من كتاب أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المحدث في أخبار عمر و سيرته. روى أبو الفرج عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال استشار عمر الصحابة بمن يبدأ في القسم و الفريضة فقالوا ابدأ بنفسك فقال بل أبدأ بآل رسول الله ص و ذوي قرابته فبدأ بالعباس قال ابن الجوزي و قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له. و روي أنه فرض له اثني عشر ألفا و هو الأصح ثم فرض لزوجات رسول الله ص لكل واحدة عشرة آلاف و فضل عائشة عليهن بألفين فأبت فقال ذلك بفضل منزلتك عند رسول الله ص فإذا أخذت فشأنك و استثنى من الزوجات جويرية و صفية و ميمونة ففرض لكل واحدة منهن ستة آلاف فقالت عائشة إن رسول الله ص كان يعدل بيننا فعدل عمر بينهن و ألحق هؤلاء الثلاث بسائرهن ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف و لمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف. و قد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو من غيرهم من القبائل خمسة آلاف ثم فرض لمن شهد أحدا و ما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد وفاة رسول الله ص ألفين و خمسمائة و ألفين و ألفا شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 215و خمسمائة و ألفا واحدا إلى مائتين و هم أهل هجر و مات عمر على ذلك. قال ابن الجوزي و أدخل عمر في أهل بدر ممن لم يحضر بدرا أربعة و هم الحسن و الحسين و أبو ذر و سلمان ففرض لكل واحد منهم خمسة آلاف. قال ابن الجوزي و روى السدي أن عمر كسا أصحاب النبي ص فلم يرتض في الكسوة ما يستصلحه للحسن و الحسين ع فبعث إلى اليمن فأتي لهما بكسوة فاخرة فلما كساهما قال الآن طابت نفسي. قال ابن الجوزي فأما ما اعتمده في(13/171)


النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة و نساء من بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة و نساء من بعد ذلك على ثلاثمائة و جعل نساء أهل القادسية على مائتين مائتين ثم سوى بين النساء بعد ذلك. و لو لم يدل على تصويب عمر فيما فعله إلا إجماع الصحابة و اتفاقهم عليه و ترك الإنكار لذلك كان كافيا. فأما الخمس و الخلاف فيه فإنها مسألة اجتهادية و الذي يظهر لنا فيه و يغلب عندنا من أمرها أن الخمس حق صحيح ثابت و أنه باق إلى الآن على ما يذهب إليه الشافعي و أنه لم يسقط بموت رسول الله ص و لكنا لا نرى ما يعتقده المرتضى من أن الخمس لآل الرسول ص و أن الأيتام أيتامهم و المساكين مساكينهم و ابن السبيل منهم لأنه على خلاف ما يقتضيه ظاهر الآية و العطف و يمكن أن يحتج على ذلك بأن قوله تعالى في سورة الحشر لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ يبطل هذا القول لأن هذه اللام لا بد أن تتعلق بشي ء و ليس قبلها ما تتعلق به أصلا إلا أن تجعل بدلا من اللام التي قبلها في قوله ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 216وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ(13/172)


و ليس يجوز أن تكون بدلا من اللام في اللَّهُ و لا من اللام في قوله وَ لِلرَّسُولِ فبقي أن تكون بدلا من اللام في قوله و لِذِي الْقُرْبى أما الأول فتعظيما له سبحانه و أما الثاني فلأنه تعالى قد أخرج رسوله من الفقراء بقوله وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ و لأنه يجب أن يرفع رسول الله ص عن التسمية بالفقير و أما الثالث فإما أن يفسر هذا البدل و ما عطف عليه المبدل منه أو يفسر هذا البدل وحده دون ما عطف عليه المبدل منه و الأول لا يصح لأن المعطوف على هذا البدل ليس من أهل القرى و هم الأنصار أ لا ترى كيف قال سبحانه لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الآية ثم قال سبحانه وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ و هم الأنصار و إن كان الثاني صار تقدير الآية أن الخمس لله و للرسول و لذي القربى الذين وصفهم الله و نعتهم بأنهم هاجروا و أخرجوا من ديارهم و للأنصار فيكون هذا مبطلا لما يذهب إليه المرتضى في قصر الخمس على ذوي القربى. و يمكن أن يعترض هذا الاحتجاج فيقال لم لا يجوز أن يكون قوله وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ ليس بعطف و لكنه كلام مبتدأ و موضع الذين رفع بالابتداء و خبره يحبون. و أيضا فإن هذه الحجة لا يمكن التمسك بها في آية الأنفال و هو قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. فأما رواية سليم بن قيس الهلالي فليست بشي ء و سليم معروف المذهب و يكفي في رد روايته كتابه المعروف بينهم المسمى كتاب سليم. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 217على أني قد سمعت من بعضهم من يذكر أن هذا الاسم على غير مسمى و أنه لم يكن في الدنيا أحد يعرف بسليم بن قيس الهلالي و أن الكتاب المنسوب إليه منحول موضوع لا أصل له و إن كان بعضهم يذكره في اسم الرجال و الرواية المذكورة عن ابن عباس في كتابه إلى نجدة الحروري صحيحة ثابتة و ليس فيها ما يدل على(13/173)


مذهب المرتضى من أن الخمس كله لذوي القربى لأن نجدة إنما سأله عن خمس الخمس لا عن الخمس كله. و ينبغي أن يذكر في هذا الموضع اختلاف الفقهاء في الخمس أما أبو حنيفة فعنده أن قسمة الخمس كانت في عهد رسول الله ص على خمسة أسهم سهم لرسول الله ص و سهم لذوي قرباه من بني هاشم و بني المطلب دون بني عبد شمس و نوفل استحقوه حينئذ بالنصرة و المظاهرة لما روي عن عثمان بن عفان و جبير بن مطعم أنهما قالا لرسول الله ص هؤلاء إخوتك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم أ رأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم و حرمتنا و إنما نحن و هم بمنزلة واحدة
فقال ص إنهم لم يفارقونا في جاهلية و لا إسلام إنما بنو هاشم و بنو المطلب شي ء واحد(13/174)


و شبك بين أصابعه و ثلاثة أسهم ليتامى المسلمين و مساكينهم و أبناء السبيل منهم و أما بعد رسول الله ص فسهمه ساقط بموته و كذلك سهم ذوي القربى و إنما يعطون لفقرهم فهم أسوة سائر الفقراء و لا يعطى أغنياؤهم فيقسم الخمس إذن على ثلاثة أسهم اليتامى و المساكين و ابن السبيل. و أما الشافعي فيقسم الخمس عنده بعد وفاة رسول الله ص على خمسة أسهم سهم لرسول الله ص يصرف إلى ما كان يصرفه إليه رسول الله ص أيام حياته من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الكراع و السلاح شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 218و نحو ذلك و سهم لذوي القربى من أغنيائهم و فقرائهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين من بني هاشم و بني المطلب و الباقي للفرق الثلاث. و أما مالك بن أنس فعنده أن الأمر في هذه المسألة مفوض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين هؤلاء و إن رأى أعطاه بعضهم دون بعض و إن رأى الإمام غيرهم أولى و أهم فغيرهم. و بقي الآن البحث عن معنى قوله سبحانه و تعالى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ و ما المراد بسهم الله سبحانه و كيف يقول الفقهاء الخمس مقسوم خمسة أقسام و ظاهر الآية يدل على ستة أقسام فنقول يحتمل أن يكون معنى قوله سبحانه فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ لرسول الله كقوله وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ أي و رسول الله أحق و مذهب أبي حنيفة و الشافعي يجي ء على هذا الاحتمال. و يحتمل أن يريد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلى وجه من وجوه القرب و مذهب أبي العالية يجي ء على هذا الاحتمال لأنه يذهب إلى أن الخمس يقسم ستة أقسام أحدها سهمه تعالى يصرف إلى رتاج الكعبة و قد روي أن رسول الله ص كان يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة و يقول سهم الله تعالى ثم يقسم ما بقي على خمسة أقسام. و قال قوم سهم الله لبيت الله. و يحتمل احتمالا ثالثا و هو أن يراد بقوله فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ أن من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه سبحانه لا(13/175)

49 / 147
ع
En
A+
A-