التعارض و رجعنا إلى الأصل و هو عدم كون ذلك الخطإ كبيرا فلا يمنع ذلك من صحة الإمامة
الطعن الرابع
حديث أبي العجفاء و أن عمر منع من المغالاة في صدقات النساء اقتداء بما كان من النبي ص في صداق فاطمة حتى قامت المرأة و نبهته بقوله تعالى وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً على جواز ذلك فقال كل النساء أفقه من عمر شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 209و بما روي أنه تسور على قوم و وجدهم على منكر فقالوا له إنك أخطأت من جهات تجسست و قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و دخلت بغير إذن و لم تسلم. أجاب قاضي القضاة فقال علمنا بتقدم عمر في العلم و فضله فيه ضروري فلا يجوز أن يقدح فيه بأخبار أحاديث غير مشهورة و إنما أراد في المشهور أن المستحب الاقتداء برسول الله ص و أن المغالاة فيها ليس بمكرمة ثم عند التنبيه علم أن ذلك مبني على طيب النفس فقال ما قاله على جهة التواضع لأن من أظهر الاستفادة من غيره و إن قل علمه فقد تعاطى الخضوع و نبه على أن طريقته أخذ الفائدة أينما وجدها و صير نفسه قدوة في ذلك و أسوة و ذلك حسن من الفضلاء و أما حديث التجسس فإن كان فعله فقد كان له ذلك لأن للإمام أن يجتهد في إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل و إنما لحقه على ما يروى في الخبر الخجل لأنه لم يصادف الأمر على ما ألقي إليه في إقدامهم على المنكر اعترض المرتضى على هذا الجواب فقال له أما تعويلك على العلم الضروري بكونه من أهل العلم و الاجتهاد فذلك إذا صح لم ينفعك لأنه قد يذهب على من هو بهذه الصفة كثير من الأحكام حتى ينبه عليها و يجتهد فيها و ليس العلم الضروري ثابتا بأنه عالم بجميع أحكام الدين فيكون قاضيا على هذه الأخبار فأما تأوله الحديث و حمله على الاستحباب فهو دفع للعيان لأن المروي أنه منع من ذلك و حظره حتى قالت المرأة ما قالت و لو كان غير حاظر للمغالاة لما كان في الآية حجة و لا كان لكلام المرأة موقع و لا كان يعترف لها بأنها أفقه منه(13/166)
بل كان الواجب أن يرد عليها و يوبخها و يعرفها أنه ما حظر لذلك و إنما تكون شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 210الآية حجة عليه لو كان حاظر مانعا فأما التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح و تصويب الخطإ و لو كان الأمر على ما توهمه صاحب الكتاب لكان هو المصيب و المرأة مخطئة فكيف يتواضع بكلام يوهم أنه المخطئ و هي المصيبة فأما التجسس فهو محظور بالقرآن و السنة و ليس للإمام أن يجتهد فيما يؤدي إلى مخالفة الكتاب و السنة و قد كان يجب إن كان هذا عذرا صحيحا أن يعتذر به إلى من خطأه في وجهه و قال له إنك أخطأت السنة من وجوه فإنه بمعاذير نفسه أعلم من صاحب الكتاب و تلك الحال حال تدعو إلى الاحتجاج و إقامة العذر. قلت قصارى هذا الطعن أن عمر اجتهد في حكم أو أحكام فأخطأ فلما نبه عليها رجع و هذا عند المعتزلة و أكثر المسلمين غير منكر و إنما ينكر أمثال هذا من يبطل الاجتهاد و يوجب عصمة الإمام فإذا هذا البحث ساقط على أصول المعتزلة و الجواب عنه غير لازم علينا
الطعن الخامس(13/167)
أنه كان يعطي من بيت المال ما لا يجوز حتى أنه كان يعطي عائشة و حفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة و منع أهل البيت خمسهم الذي يجري مجرى الواصل إليهم من قبل رسول الله ص و أنه كان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال على سبيل القرض. أجاب قاضي القضاة بأن دفعه إلى الأزواج جائز من حيث إن لهن حقا في بيت شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 211المال و للإمام أن يدفع ذلك على قدر ما يراه و هذا الفعل قد فعله من قبله و من بعده و لو كان منكرا لما استمر عليه أمير المؤمنين ع و قد ثبت استمراره عليه و لو كان ذلك طعنا لوجب إذا كان يدفع إلى الحسن و الحسين و إلى عبد الله بن جعفر و غيرهم من بيت المال شيئا أن يكون في حكم الخائن و كل ذلك يبطل ما قالوه لأن بيت المال إنما يراد لوضع الأموال في حقوقها ثم الاجتهاد و إلى المتولي للأمر في الكثرة و القلة. فأما أمر الخمس فمن باب الاجتهاد و قد اختلف الناس فيه فمنهم من جعله حقا لذوي القربى و سهما مفردا لهم على ما يقتضيه ظاهر الآية و منهم من جعله حقا لهم من جهة الفقر و أجراهم مجرى غيرهم و إن كانوا قد خصوا بالذكر كما أجرى الأيتام و إن خصوا بالذكر مجرى غيرهم في أنهم يستحقون بالفقر و الكلام في ذلك يطول فلم يخرج عمر بما حكم به عن طريقة الاجتهاد و من قدح في ذلك فإنما يقدح في الاجتهاد الذي هو طريقة الصحابة. فأما اقتراضه من بيت المال فإن صح فهو غير محظور بل ربما كان أحوط إذا كان على ثقة من رده بمعرفة الوجه الذي يمكنه منه الرد و قد ذكر الفقهاء ذلك و قال أكثرهم أن الاحتياط في مال الأيتام و غيرهم أن يجعل في ذمة الغني المأمون لبعده عن الخطر و لا فرق بين أن يقرض الغير أو يقترضه لنفسه و من بلغ في أمره أن يطعن على عمر بمثل هذه الأخبار مع ما يعلم من سريرته و تشدده في ذات الله و احتياطه فيما يتصل بملك الله و تنزهه عنه حتى فعل بالصبي الذي أكل من تمر الصدقة واحدة ما فعل و حتى كان يرفع نفسه عن(13/168)
الأمر الحقير و يتشدد على كل أحد حتى على ولده فقد أبعد في القول. اعترض المرتضى فقال أما تفصيل الأزواج فإنه لا يجوز لأنه لا سبب فيهن شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 212يقتضي ذلك و إنما يفضل الإمام في العطاء ذوي الأسباب المقتضية لذلك مثل الجهاد و غيره من الأمور العام نفعها للمسلمين. و قوله إن لهن حقا في بيت المال صحيح إلا أنه لا يقتضي تفضيلهن على غيرهن و ما عيب بدفع حقهن إليهن و إنما عيب بالزيادة عليه و ما يعلم أن أمير المؤمنين ع استمر على ذلك و إن كان صحيحا كما ادعى فالسبب الداعي إلى الاستمرار عليه هو السبب الداعي إلى الاستمرار على جميع الأحكام فأما تعلقه بدفع أمير المؤمنين إلى الحسن و الحسين و غيرهما شيئا من بيت المال فعجب لأنه لم يفضل هؤلاء في العطية فيشبه ما ذكرناه في الأزواج و إنما أعطاهم حقوقهم و سوى بينهم و بين غيرهم. فأما الخمس فهو للرسول و لأقربائه على ما نطق به القرآن و إنما عنى تعالى بقوله وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ من كان من آل الرسول خاصة لأدلة كثيرة لا حاجة بنا إلى ذكرها هاهنا و
قد روى سليم بن قيس الهلالي قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول نحن و الله الذين عنى الله بذي القربى قرنهم الله بنفسه و نبيه ص فقال ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كل هؤلاء منا خاصة و لم يجعل لنا سهما في الصدقة أكرم الله تعالى نبيه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس(13/169)
و روى يزيد بن هرم قال كتب نجده إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو فكتب إليه كتبت تسألني عن الخمس لمن هو و إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى قومنا علينا ذلك فصبرنا عليه. قال و أما الاجتهاد الذي عول عليه فليس عذرا في إخراج الخمس عن أهله فقد أبطلناه. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 213و أما الاقتراض من بيت المال فهو مما يدعو إلى الريبة و من كان من التشدد و التحفظ و التقشف على الحد الذي ذكره كيف تطيب نفسه بالاقتراض من بيت المال و فيه حقوق و ربما مست الحاجة إلى الإخراج منها و أي حاجة لمن كان جشب المأكل خشن الملبس يتبلغ بالقوت إلى اقتراض الأموال. فأما حكايته عن الفقهاء أن الاحتياط أن يحفظ مال الأيتام في ذمة الغني المأمون فذلك إذا صح لم يكن نافعا له لأن عمر لم يكن غنيا و لو كان غنيا لما اقترض فقد خرج اقتراضه عن أن يكون من باب الاحتياط و إنما اشترط الفقهاء مع الأمانة الغنى لئلا تمس الحاجة إليه فلا يمكن ارتجاعه و لهذا قلنا إن اقتراضه لحاجته إلى المال لم يكن صوابا و حسن نظر للمسلمين. قلت أما قوله لا يجوز للإمام أن يفضل في العطاء إلا لسبب يقتضي ذلك كالجهاد فليست أسباب التفضيل مقصورة على الجهاد وحده فقد يستحق الإنسان التفضيل في العطاء على غيره لكثرة عبادته أو لكثرة علمه أو انتفاع الناس به فلم لا يجوز أن يكون عمر فضل الزوجات لذلك. و أيضا فإن الله تعالى فرض لذوي القربى من رسول الله ص نصيبا في الفي ء و الغنيمة ليس إلا لأنهم ذوو قرابته فقط فما المانع من أن يقيس عمر على ذلك ما فعله في العطاء فيفضل ذوي قرابة رسول في ذلك على غيرهم ليس إلا لأنهم ذوو قرابته و الزوجات و إن لم يكن لهن قربى النسب فلهن قربى الزوجية و كيف يقول المرتضى ما جاز أن يفضل أحدا إلا بالجهاد و قد فضل الحسن و الحسين على كثير من أكابر المهاجرين و الأنصار و هما صبيان ما جاهدا و لا بلغا الحلم بعد و أبوهما أمير المؤمنين(13/170)