و روي عن حفصة أم المؤمنين قالت سمعت أبي يقول في دعائه اللهم قتلا في سبيلك و وفاة في بلد نبيك قلت و أنى يكون هذا قال يأتي به الله إذا شاء و يروى أن كعبا كان يقول له نجدك في كتبنا تموت شهيدا فيقول كيف لي بالشهادة و أنا في جزيرة العرب. و روى المقدام بن معديكرب قال لما أصيب عمر دخلت عليه حفصة ابنته فنادت يا صاحب رسول الله و يا صهر رسول الله و يا أمير المؤمنين فقال لابنه عبد الله أجلسني فلا صبر لي على ما أسمع فأسنده إلى صدره فقال لها إني أحرج عليك شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 194بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعمجلسك هذا فأما عينك فلن أملكها إنه ليس من ميت يندب عليه بما ليس فيه إلا الملائكة تمقته. و روى الأحنف قال سمعت عمر يقول إن قريشا رءوس الناس ليس أحد منهم يدخل من باب إلا دخل معه طائفة من الناس فلما أصيب عمر أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام و يطعمهم حتى يجتمعوا على رجل فلما وضعت الموائد كف الناس عن الطعام فقال العباس بن عبد المطلب أيها الناس إن رسول الله ص مات فأكلنا بعده و مات أبو بكر فأكلنا بعده و أنه لا بد للناس من الأكل ثم مد يده فأكل من الطعام فعرفت قول عمر. و يروي كثير من الناس الشعر المذكور في الحماسة و يزعم أن هاتفا من الجن هتف به و هو
جزيت عن الإسلام خيرا و باركت يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائق في أكمامها لم تفتق أ بعد قتيل بالمدينة أظلمت له الأرض تهتز العضاه بأسؤق و ما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفي سبنزرق العين مطرق تظل الحصان البكر يلقي جنينها نثا خبر فوق المطي معلقو الأكثرون يروونها لمزرد أخي الشماخ و منهم من يرويها للشماخ نفسه(13/151)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 195فصل في ذكر ما طعن به على عمر و الجواب عنهو نذكر في هذا الموضع ما طعن به على عمر في المغني من المطاعن و ما اعترض به الشريف المرتضى على قاضى القضاة و ما أجاب به قاضى القضاة في كتابه المعروف بالشافي و نذكر ما عندنا في البعض من ذلك
الطعن الأول
قال قاضى القضاة أول ما طعن به عليه قول من قال إنه بلغ من قلة علمه أنه لم يعلم أن الموت يجوز على النبي ص و أنه أسوة الأنبياء في ذلك حتى قال و الله ما مات محمد و لا يموت حتى تقطع أيدي رجال و أرجلهم فلما تلا عليه أبو بكر قوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ و قوله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ الآية قال أيقنت بوفاته و كأني لم أسمع هذه الآية فلو كان يحفظ القرآن أو يفكر فيه لما قال ذلك و هذا يدل على بعده من حفظ القرآن و تلاوته و من هذا حاله لا يجوز أن يكون إماما. قال قاضى القضاة و هذا لا يصح لأنه قد روي عنه أنه قال كيف يموت و قد قال الله تعالى لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ و قال وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً و لذلك نفى موته ع لأنه حمل الآية على أنها خبر عنه في حال حياته شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 196حتى قال له أبو بكر إن الله وعده بذلك و سيفعله و تلا عليه ما تلا فأيقن عند ذلك بموته و إنما ظن أن موته يتأخر عن ذلك الوقت لا أنه منع من موته. ثم سأل قاضى القضاة نفسه فقال فإن قيل ف قال لأبي بكر عند قراءة الآية كأني لم أسمعها و وصف نفسه بأنه أيقن بالوفاة. و أجاب بأن قال لما كان الوجه في ظنه ما أزال أبو بكر الشبهة فيه جاز أن يتيقن ثم سأل نفسه عن سبب يقينه فيما لا يعلم إلا بالمشاهدة. و أجاب بأن قرينة الحال عند سماع الخبر أفادته اليقين و لو لم يكن في ذلك إلا خبر أبي بكر و ادعاؤه لذلك(13/152)


و الناس مجتمعون لحصل اليقين. و قوله كأني لم أقرأ هذه الآية أو لم أسمعها تنبيه على ذهوله عن الاستدلال بها لا أنه على الحقيقة لم يقرأها و لم يسمعها و لا يجب فيمن ذهب عن بعض أحكام الكتاب ألا يعرف القرآن لأن ذلك لو دل لوجب ألا يحفظ القرآن إلا من يعرف جميع أحكامه ثم ذكر أن حفظ القرآن كله غير واجب و لا يقدح الإخلال به في الفضل. و حكي عن الشيخ أبي علي أن أمير المؤمنين ع لم يحط علمه بجميع الأحكام و لم يمنع ذلك من فضله و استدل بما روي من قوله كنت إذا سمعت من رسول الله ص حديثا نفعني الله به ما شاء أن ينفعني و إذا حدثني غيره أحلفته فإن حلف لي صدقته و حدثني أبو بكر و صدق أبو بكر و ذكر أنه لم يعرف أي موضع يدفن فيه رسول الله ص حتى رجع إلى ما رواه أبو بكر و ذكر قصة الزبير في موالي صفية و أن أمير المؤمنين ع أراد أن يأخذ ميراثهم كما أن عليه أن يحمل عقلهم حتى أخبره عمر بخلاف ذلك من أن الميراث للأب و العقل على العصبة.(13/153)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 197ثم سأل نفسه فقال كيف يجوز ما ذكرتم على أمير المؤمنين ع مع قوله سلوني قبل أن تفقدوني و قوله إن هاهنا علما جما يومئ إلى قلبه و قوله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم و بين أهل الزبورزبورهم و بين أهل القرآن بقرآنهم و قوله كنت إذا سئلت أجبت و إذا سكت ابتدئت. و أجاب عن ذلك بأن هذا إنما يدل على عظم المحل في العلم من غير أن يدل على الإحاطة بالجميع. و حكي عن أبي علي استبعاده ما روي من قوله لو ثنيت الوسادة قال لأنه لا يجوز أن يصف نفسه بأنه يحكم بما لا يجوز و معلوم أنه ع لا يحكم بين الجميع إلا بالقرآن ثنيت له الوسادة أو لم تثن و هذا يدل على أن الخبر موضوع. فاعترض الشريف المرتضى فقال ليس يخلو خلاف عمر في وفاة رسول الله ص من أن يكون على سبيل الإنكار لموته على كل حال و الاعتقاد بأن الموت لا يجوز عليه على كل وجه أو يكون منكرا لموته في تلك الحال من حيث لم يظهر دينه على الدين كله و ما أشبه ذلك مما قال صاحب الكتاب أنها كانت شبهة في تأخر موته عن تلك الحال. فإن كان الوجه الأول فهو مما لا يجوز خلاف العقلاء في مثله و العلم بجواز الموت على سائر البشر لا يشك فيه عاقل و العلم من دينه ع بأنه سيموت كما مات من قبله ضروري و ليس يحتاج في مثل هذا إلى الآيات التي تلاها أبو بكر من قوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ و ما أشبهها و إن كان خلافه على الوجه الثاني تأول ما فيه أن هذا الخلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر من قوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ لأنه لم ينكر على هذا جواز الموت و إنما خالف في تقدمه و قد كان يجب أن يقول له و أي حجة في هذه الآيات على شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 198من جوز عليه ص الموت في المستقبل و أنكره في هذه الحال و د فكيف دخلت الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق و من أين زعم(13/154)


أنه لا يموت حتى يقطع أيدي رجال و أرجلهم و كيف حمل معنى قوله تعالى لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ و قوله وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً على أن ذلك لا يكون في المستقبل بعد الوفاة و كيف لم يخطر هذا إلا لعمر وحده و معلوم أن ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة و قلة التأمل و البصيرة و كيف لم يوقن بموته لما رأى ما عليه أهل الإسلام من اعتقاد موته و ما ركبهم من الحزن و الكآبة لفقده و هلا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد فلم يحتج إلى موقف و معرف و قد كان يجب إن كانت هذه شبهة أن يقول في حال مرض رسول الله ص و قد رأى جزع أهله و أصحابه و خوفهم عليه من الوفاة حتى يقول أسامة بن زيد معتذرا من تباطئه عن الخروج في الجيش الذي كان رسول الله ص يكرر و يردد الأمر حينئذ بتنفيذه لم أكن لأسأل عنك الركب ما هذا الجزع و الهلع و قد أمنكم الله من موته بكذا في وجه كذا و ليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظنه صاحب الكتاب. قلت الذي قرأناه و رويناه من كتب التواريخ يدل على أن عمر أنكر موت رسول الله ص من الوجهين المذكورين أنكر أولا أن يموت إلى يوم القيامة و اعتقد عمر أنه يعمر كما يعتقد كثير من الناس في الخضر فلما حاجه أبو بكر بقوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ و بقوله أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ رجع عن ذلك الاعتقاد. و ليس يرد على هذا ما اعترض به المرتضى لأن عمر ما كان يعتقد استحالة الموت عليه كاستحالة الموت على البارئ تعالى أعني الاستحالة الذاتية بل اعتقد استمرار حياته إلى يوم(13/155)

45 / 147
ع
En
A+
A-