شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 184للوليد إبله و يرفع أحماله و يحفظ متاعه فلما كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم فجعل ينظر إليه و يطيل النظر لعمر ثم قال أظن اسمك يا غلام عامرا أو عمران أو نحو ذلك قال اسمي عمر قال اكشف عن فخذيك فكشف فإذا على أحدهما شامة سوء في قدر راحة الكف فسأله أن يكشف عن رأسه فكشف فإذا هو أصلع فسأله أن يعتمل بيده فاعتمل فإذا أعسر أيسر فقال له أنت ملك العرب و حق مريم البتول قال فضحك عمر مستهزئا قال أ و تضحك و حق مريم البتول أنك ملك العرب و ملك الروم و ملك الفرس فتركه عمر و انصرف مستهينا بكلامه و كان عمر يحدث بعد ذلك و يقول تبعني ذلك الرومي و هو راكب حمارا فلم يزل معي حتى باع الوليد متاعه و ابتاع بثمنه عطرا و ثيابا و قفل إلى الحجاز و الرومي يتبعني لا يسألني حاجة و يقبل يدي كل يوم إذا أصبحت كما تقبل يد الملك حتى خرجنا من حدود الشام و دخلنا في أرض الحجاز راجعين إلى مكة فودعني و رجع و كان الوليد يسألني عنه فلا أخبره و لا أراه إلا هلك و لو كان حيا لشخص إلينا
تاريخ موت عمر و الأخبار الواردة في ذلك(13/141)


فأما تاريخ موته فإن أبا لؤلؤة طعنه يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة من سنة ثلاث و عشرين و دفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع و عشرين و كانت ولايته عشر سنين و ستة أشهر و هو ابن ثلاث و ستين في أظهر الأقوال و قد كان قال على المنبر يوم جمعة و قد ذكر رسول الله ص و أبا بكر أني قد رأيت رؤيا أظنها لحضور أجلي رأيت كأن ديكا نقرني نقرتين فقصصتها على أسماء شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 185بنت عميس فقالت يقتلك رجل من العجم و إني أفكرت فيمن أستخلف ثم رأيت أن الله لم يكن ليضيع دينه و خلافته التي بعث بها رسوله و روىبن شهاب قال كان عمر لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة و هو على الكوفة يذكر له غلاما صنعا عنده و يستأذنه في دخول المدينة و يقول إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس إنه حداد نقاش نجار فأذن له أن يرسل به إلى المدينة و ضرب عليه المغيرة مائة درهم في كل شهر فجاء إلى عمر يوما يشتكي إليه الخراج فقال له عمر ما ذا تحسن من الأعمال فعد له الأعمال التي يحسن فقال له ليس خراجك بكثير في كنه عملك هذا هو الذي رواه أكثر الناس من قوله له و من الناس من يقول إنه جهر بكلام غليظ و اتفقوا كلهم على أن العبد انصرف ساخطا يتذمر فلبث أياما ثم مر بعمر فدعاه فقال قد حدثت أنك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت العبد عابسا ساخطا إلى عمر و مع عمر رهط من الناس فقال لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها فلما ولي أقبل عمر على الرهط فقال أ لا تسمعون إلى العبد ما أظنه إلا أوعدني آنفا فلبث ليالي ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر فلم يزل هنالك حتى جاء عمر يوقظ الناس لصلاة الفجر كما كان يفعل فلما دنا منه وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق و هي التي قتلته ثم انحاز إلى أهل المسجد فطعن فيهم من يليه حتى طعن أحد عشر(13/142)


رجلا سوى عمر ثم انتحر بخنجره فقال عمر حين أدركه النزف قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس ثم غلبه النزف فأغمي عليه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 186فأحتمل حتى أدخل بيته ثم صلى عبد الرحمن بالن قال ابن عباس فلم أزل عند عمر و هو مغمى عليه لم يزل في غشية واحدة حتى أسفر فلما أسفر أفاق فنظر في وجوه من حوله و قال أ صلى الناس فقيل نعم فقال لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ و صلى ثم قال اخرج يا ابن عباس فاسأل من قتلني فجئت حتى فتحت باب الدار فإذا الناس مجتمعون فقلت من طعن أمير المؤمنين قالوا طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة قال ابن عباس فدخلت فإذا عمر ينظر إلى الباب يستأني خبر ما بعثني له فقلت يا أمير المؤمنين زعم الناس أنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة و أنه طعن رهطا ثم قتل نفسه فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط ما كانت العرب لتقتلني ثم قال أرسلوا إلى طبيب ينظر جرحي فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقاه نبيذا فخرج من الجرح فاشتبه عليهم الدم بالنبيذ ثم دعوا طبيبا آخر فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة صلدا أبيض فقال الطبيب اعهد يا أمير المؤمنين عهدك فقال لقد صدقني و لو قال غير ذلك لكذب فبكى عليه القوم حتى أسمعوا من خارج الدار فقال لا تبكوا علينا ألا و من كان باكيا فليخرج
فإن النبي ص قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه(13/143)


و روي عن عبد الله بن عمر أنه قال سمعت أبي يقول لقد طعنني أبو لؤلؤة طعنتين و ما أظنه إلا كلبا حتى طعنني الثالثة و روي أن عبد الرحمن بن عوف طرح على أبي لؤلؤة بعد أن طعن الناس خميصه كانت عليه فلما حصل فيها نحر نفسه فاحتز عبد الرحمن رأسه و اجتمع البدريون و أعيان المهاجرين و الأنصار بالباب فقال عمر لابن عباس اخرج إليهم فاسألهم أ عن ملإ منكم شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 187كان هذا الذي أصابني فخرج يسألهم فقال القوم لا و الله و لوددنا أن الله زاد في عمره من أعمارنا. و روى عبد الله بن عمر قال كان أبي يكتب إلى أمراءلجيوش لا تجلبوا إلينا من العلوج أحدا جرت عليه المواسي فلما طعنه أبو لؤلؤة قال من بي قالوا غلام المغيرة قال أ لم أقل لكم لا تجلبوا إلينا من العلوج أحدا فغلبتموني. و روى محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون قال إني لقائم ما بيني و بين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب و كان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير بيننا خللا تقدم فكبر و ربما قرأ سورة يوسف أو النحل في الركعة الأولى أو نحو ذلك في الركعة الثانية حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب و ذلك حين طعنه العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا و لا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم ستة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه و تناول عمر بيده عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد رأى الذي رأى و أما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر فهم يقولون سبحان الله فصلى عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 188قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا امد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام و قد كنت أنت و أبوك(13/144)


تحبان أن يكثر العلوج و كان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلنا أي قتلناهم قال كذبت بعد أن تكلموا بلسانكم و صلوا قبلتكم و حجوا حجكم فأحتمل إلى بيته و انطلقنا معه و كان الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا بأس عليه و قائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جوفه فعلموا أنه ميت فدخل الناس يثنون عليه و جاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك صحبة برسول الله و قدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم الشهادة فقال عمر وددت أن ذلك كله كان كفافا لا على و لا لي فلما أدبر إذا رداؤه يمس الأرض فقال ردوا على الغلام فردوه فقال يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك و أتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من دين فحسبوه فوجدوه ستة و ثمانين ألفا أو نحوه فقال إن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم و إلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف به أموالهم فسل في قريش و لا تعدهم إلى غيرهم و أد عني هذا المال انطلق إلى عائشة فقل لها يقرأ عليك السلام عمر و لا تقل أمير المؤمنين فإني اليوم لست للمؤمنين أميرا و قل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فمضى و سلم و استأذن و دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر السلام و يستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي يعني الموضع و لأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله قد جاء قال ارفعوني فأسندوه إلى رجل منهم قال يا عبد الله ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين قد أذنت قال الحمد لله ما كان شي ء أهم إلي من شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 189ذلك إذا أنا قبضت فاحملني ثم سلم عليها و قل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني و إن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين و ادفنوني بين المسلمين و جاءت ابنته حفصة و النساء معها قال فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعو استأذن الرجال فولجت بيتا(13/145)

43 / 147
ع
En
A+
A-